يستعرض هذا التقرير أعمال منظمة الصحة العالمية خلال العام المنصرم من أجل دعم التنمية الصحية في الدول الأعضاء في هذا الإقليم، كما يسلط الضوء أيضاً على التحدّيات الرئيسية التي يتعيَّن مواجهتها، ويعكس العمل المتواصِل والخطوات المقبلة لكل من الدول الأعضاء والمنظمة لعام 2015 وما بعده. وتوخِّيا للإيجاز والتركيز، فإن هذا التقرير يعرض التقدُّم الذي تم إحرازه خلال العام الماضي في معالجة الأولويات الصحية الرئيسية الخمس التي أقرّتها الدول الأعضاء جميعها في 2012. وشملت أعمال المنظمة خلال 2014 أيضاً، مبادرات أخرى ذات أهمية خاصة للتنمية الصحية في مختلف بلدان الإقليم. وإنني لعلى ثقة من أن كثيراً منها سوف يُثار ويخضع للمناقشة خلال جلسات وفعاليات الدورة الثانية والستين للّجنة الإقليمية التي ستُعقد في تشرين الأول/أكتوبر 2015.
ومن غير الممكن رفع تقرير عن الدعم الصحي دون إدراك تأثير الأزمات الإنسانية على النُظُم الصحية الوطنية والوضع الصحي وعلى القدرات الشاملة للمنظمة في الإقليم. فالمَرافق والبرامج الصحية تتضرَّر تضرراً شديداً في البلدان التي تَمُرّ بأزمات والتي يتزايد عددها باطراد، ويشكل غياب التمويل الكافي من الجهات المانحة مصدر قلق حقيقياً تماماً. ويتعيَّن على كل الدول الأعضاء، دونما استثناء، إيلاء اهتمام أكبر لبناء نُظُم صحية تتسم بالمرونة والتكيُّف، مع تحسين فرص الحصول على الخدمات الصحية، كما ينبغي تعزيز الخدمات الطبية الطارئة في غالبية البلدان. وسيتم إيلاء أولوية خاصة لهذه المجالات من خلال تعاون المنظمة مع الدول الأعضاء على مدى السنوات القادمة.
ولما كان العالم يجتاز حالياً مرحلة انتقالية ما بين الأهداف الإنمائية للألفية وبين خطة ما بعد عام 2015 وأهداف التنمية المستدامة الجديدة، فسيكون من المهم الاستفادة من الزَخَم الذي تولَّد في ما يختص بصحة الأمهات والأطفال في الإقليم خلال السنوات الثلاث الفائتة؛ فصحة الأمهات والأطفال قضية تهم جميع البلدان في الإقليم. وسوف نواصِل التركيز على البلدان التي تنوء بعبء ثقيل، والبلدان التي تتضرَّر بشكل مباشر أو غير مباشر جرّاء أوضاع الطوارئ المعقّدة. ومع ذلك، فسوف تقوم بلدان الإقليم جميعها بوضع خطط استراتيجية وتشغيلية بشأن الصحة الإنجابية وصحة الأم وحديثي الولادة والطفل للمدة 2016 – 2020، وفقاً للاستراتيجية العالمية المحدَّثة لصحة المرأة والطفل والمراهق، التي سيتم إقرارها في أيلول/سبتمبر 2015. ولابُد للمنظمة ولشركائها مواصلة التركيز على البلدان التي تَمُر بأزمات، على وجه الخصوص، من أجل تجنُّب النكوص عن المكاسب التي تحققت.
وستقوم المنظمة، في عام 2015 وما بعده، بالتركيز بشكل أكبر على كيفية التعامل مع الحاجة إلى توفير رعاية أفضل في المرحلة السابقة للحمل في هذا الإقليم، ومعالجة جوانب عدم المساواة المستمرّة في إتاحة فرص الحصول على رعاية صحية عالية الجودة بالنسبة للأمهات والأطفال. وسنعمل أيضاً مع الدول الأعضاء على تنفيذ التوصيات الرئيسية الصادرة عن المؤتمر الدولي الثاني المعني بالتغذية، استناداً إلى الأولويات التي تم الاتفاق عليها في اجتماع بلداني عُقِد مؤخراً بشأن التغذية. وسيشمل ذلك التركيز بشكل خاص على تشجيع الرضاعة الطبيعية ومعالجة نقص التغذية والوقاية من السمنة في مرحلة الطفولة.
وسيكون من المهم أيضاً الحفاظ على الالتزامات، على المستوى الإقليمي والوطني، من أجل تحقيق مزيد من التقدُّم في مجال تخفيف العبء المَرَضي للإيدز والسل والملاريا. ونحن الآن بصدد وضع خطط عمل إقليمية للمدة
2016-2020، تمشِّياً مع الاستراتيجيات العالمية للمنظمة لما بعد 2015، والهدف الجديد المقترح للتنمية المستدامة في مجال الصحة، وسنواصل العمل مع البلدان لضمان استمرار التقدُّم في هذا المجال.
لقد أصبح استئصال شلل الأطفال في إقليمنا، وعلى الصعيد العالمي، في متناول اليد الآن. فقد كثَّفنا دعمنا للبلدان المتضرِّرة، في الدَفعة الأخيرة لاستئصال هذا الداء. وإنني لأحثّ البلدان، ونحن نقترب من تخطي العقبة الأخيرة، على ضمان أعلى مستوى ممكن من التمنيع والترصُّد، إلى أن يتحقق استئصال هذا الداء على الصعيد العالمي، ويتم الإشهاد على ذلك. كما أدعو أيضاً جميع البلدان لمواصلة تقديم دعمها الهام والثمين لكل من باكستان وأفغانستان من أجل تحقيق هدف الاستئصال في أسرع وقت ممكن.
ويتعيَّن مواصلة التأكيد على الأهمية التي تولَى للتدبير الفعَّال للتهديدات التي يتعرَّض لها الأمن الصحي في أعقاب اندلاع أزمة مرض الإيبولا، كما يتعيَّن على جميع البلدان، دونما استثناء، تعزيز قدراتها الأساسية المطلوبة بموجب اللوائح الصحية الدولية. وستتواصَل، على المستويين الوطني والإقليمي، أعمال المراقبة الدقيقة في ما يتعلق بانتشار متلازمة الشرق الأوسط التنفسية الناجمة عن الفيروس التاجي كورونا (MERS-CoV) وأنفلونزا الطيور (H5N1)A. وما تزال هناك فجوات معرفية حول كِلا الداءين، ومن المهم، بل والضروري دعم البحوث التي تُجرَى عليهما وعلى غيرهما من الأمراض شديدة الخطورة، وتبادُل نتائج تلك البحوث في الوقت المناسب. وينبغي، قبل كل شيء، أن تتأكد البلدان من استعدادها للتعامل مع الحالات بطريقة تركز فيها على سلامة المرضى وسلامة العاملين في الرعاية الصحية، على حد سواء.
وتثير المقاومة المتصاعدة لمضادات الميكروبات التي ثبتت فاعليتها من قبل، قلقاً بالغاً. فمن الواضح أن إقليمنا، ولسنا وحدنا في ذلك، غير مستعد بما يكفي لمعالجة هذه المشكلة. وتتكفل المنظمة بالرعاية المشتَرَكَة لمؤتمر وزاري رفيع المستوى سيُعْقَد في هذا الإقليم مطلع عام 2016، وسيُجرَى فيه تحليل مفصَّل للوضع، وعرض خطة إقليمية محددة وواضحة في هذا المجال. وتعمل المنظمة مع الدول الأعضاء، وغيرها من الأطراف المعنية للإعداد لهذا المؤتمر. ويشهد الإقليم تصاعداً سريعاً في حجم العواقب الوخيمة الناجمة عن الأمراض غير السارية. ولدينا رؤية صحيحة وخارطة طريق قوية نسترشد بهما في هذا الإطار؛ وبوسعنا دحر هذا الوباء من خلال تنفيذ إطار العمل الإقليمي. وسأواصِل توسيع نطاق عملنا في هذا المجال حتى نتمكَّن من زيادة قدراتنا في مجال تقديم الدعم التقني للبلدان، غير أن المسؤولية النهائية في هذا الإطار تقع على عاتق الدول الأعضاء. فأمراض القلب والسرطان والسكّري، وأمراض الرئة المزمنة، لن يُكبح جماحُها ما لم تُترجم الالتزامات المعلنة إلى إجراءات ملموسة. وقد أعدَّت المنظمة، في أيار/مايو 2015، قائمة بالمؤشرات العملية التي ستستخدم لتقييم التقدُّم المحرَز من قِبَل البلدان للوفاء بالتزاماتها الواردة في الإعلان السياسي الصادر عن الأمم المتحدة في 2011. وستنشر نتائج التقييم خلال اجتماع الأمم المتحدة الرفيع المستوى الذي سيُعْقَد في نيويورك في 2018. وستستخدم هذه المؤشرات لرصد التقدُّم المحرَز بصفة سنوية، وسنعمل مع الدول الأعضاء للتحقُّق من استعدادها على نحو مناسب لرصد التنفيذ في هذا الخصوص.
لقد أضحَت التغطية الصحية الشاملة الآن جزءاً من أهداف التنمية المستدامة. وكانت اللجنة الإقليمية قد أقرَّت، العام الماضي، خارطة طريق إقليمية في هذا المجال. وتتمثَّل الخطوة المقبلة للمنظمة في تقديم الدعم للبلدان لوضع خططها الخاصة بها، مع التركيز على التدخُّلات الرئيسية الموصَى بها في الإطار الإقليمي. ويتم التركيز بوجه خاص في عمل المنظمة، على بناء القدرات الوطنية في مجال التخطيط الصحي الاستراتيجي وتنظيم القطاع الصحي، وتعزيز تقديم الخدمات من خلال اعتماد نهج طب الأسرة، والرعاية في المستشفيات وإدارتها، وسلامة المرضى، ومساهمة القطاع الخاص بمزيد من الفعالية. وستناقش اللجنة الإقليمية خطة لإصلاح التعليم الطبي، والتي آمل أن تقود إلى الالتزام باتخاذ إجراءات فعَّالة في هذا الصدد من جانب الدول الأعضاء.
وسيتواصَل إيلاء أولوية كبيرة لنُظُم المعلومات الصحية. وانطلاقا من الإنجازات التي تحققت على مدى السنوات الثلاث الفائتة، فإننا سنعمل على نحو وثيق مع مجموعات البلدان المختلفة ومع شركاء الأمم المتحدة، كي تكون لدينا نُظُم معلومات صحية وطنية أكثر قوة، حتى يمكن رصد الاتجاهات الصحية وأداء النُظُم الصحية استناداً إلى إطار المعلومات الصحية الجديد.
لقد مرَرْنا بأوقات عصيبة خلال العام المنصرم في أجزاء كثيرة من هذا الإقليم، حيث تواجِه النُظُم الصحية والأشخاص الذين يعملون فيها، تحدّيات وضغوطاً هائلة، ولم تكن تنمية القدرات القيادية في مجال الصحة العمومية، في يوم من الأيام، أكثر أهمية للتنمية الصحية، مما هي عليه الآن.
وسأظل ملتزماً تماماً بالإصلاح الإداري، وأنا سعيد بالتقدُّم الذي حققناه حتى الآن، بَيْد أن من الواضح أنه مازال هناك المزيد مما يتعيَّن القيام به في ما يتعلق بتحسين أدائنا ودعمنا للدول الأعضاء على أساس الكفاءة والمساءلة والشفافية. وكانت المكاتب القُطرية تحوز جل اهتمامي طوال العام المنصرم. وبينما تم إحراز تقدُّم إيجابي في العديد من البلدان، فإن خطتنا تتمثَّل في مواصلة توسيع نطاق حضور المنظمة في بلدان أخرى. وسنواصِل الاستماع إلى الدول الأعضاء بالإقليم، والاستجابة لها. ونحن، بدورنا، بحاجة إلى دعم الدول الأعضاء كي يمكن معالجة الأولويات على النحو المأمول.
وكما ذَكَرتُ العام الماضي، فإنني أعتقد أننا أرسينا بعض الأسس المتينة كي نبني عليها مستقبلاً أكثر إشراقاً بالشراكة مع دولنا الأعضاء. وإننا ندرك أننا نَمُر بأوقات صعبة، لكنها أوقات تمنحنا أيضاً فرصاً عظيمة. فلنغتنم هذه الفرص ولا نضيعها، ولنواصِل جميعاً، نحن الدول الأعضاء والمنظمات الدولية والمجتمع المدني، دعم وتعزيز شراكتنا من أجل الصحة.