يركّز هذا التقرير على أهم الأعمال التي جَرَت في العام الماضي بشأن الأولويات الاستراتيجية في إقليم شرق المتوسط لمنظمة الصحة العالمية والتي أقرَّتها اللجنة الإقليمية لشرق المتوسط عام 2012. وتشمل تقوية النُظُم الصحية صوْب التغطية الصحية الشاملة؛ وصحة الأمومة والطفولة؛ والأمراض غير السارية؛ والأمراض السارية، وبخاصة الأمن الصحي؛ والتأهب لحالات الطوارئ والاستجابة لها؛ وكذلك عملية إدارة منظمة الصحة العالمية وإصلاحها . ويعكس التقرير أيضاً بعض التحدّيات الكُبرى والأزمات التي تواجه الإقليم في الوقت الراهن، والتي أوجَدَت، في بعض المجالات، مطالبَ جديدة للعمل أدَّت إلى تباطؤ وتيرة التقدُّم المحرَز، وفرَضَت التنافُس بين الأولويات المطروحة. ويُسعدني، برغم ذلك، أن أسلِّط الضوء على بعض الإنجازات المهمّة التي تحققت في مجالات العمل الأساسية.
لقد كانت إحدى الأولويات الكبرى، في مطلع عام 2013، هي مبادرة، تمَّت بالتعاون مع شركاء الأمم المتحدة واليونيسيف وصندوق الأمم المتحدة للسكان، لتسريع وتيرة التقدُّم نحو تحقيق الهدفين الرابع والخامس من الأهداف الإنمائية للألفية، المتعلقَين بالحدّ من وفيات الأطفال وتحسين صحة الأمهات على التوالي. وقد أطلقنا على المبادرة اسم مبادرة "إنقاذ حياة الأمهات والأطفال" لأن هذا المعنى هو بالضبط ما أردنا تحقيقه. وعَقَد المكتب الإقليمي اجتماعاً رفيع المستوى في مدينة دبي، حضره وزراء الصحة والتعليم العالي والتخطيط، وآخرون من ممثلي الأطراف المعنية الأخرى، وتمخَّض الاجتماع عن "إعلان دبي"، الذي اعتمدَته اللجنة الإقليمية في وقت لاحق، والذي قَدَّم دليلاً تهتدي به جميع البلدان في خطواتها المستقبلية في هذا الإطار. وعملت المنظمة، بعد ذلك، مع تسعة بلدان اعتُبِر العمل فيها أولوية من أجل إعداد خطط شاملة لتسريع وتيرة العمل، وبدأ العمل على تمويل تلك الخطط وتنفيذها.
ولئِن كانت هذه الخطط عالية الطموح، فربما لا تتمكن بعض البلدان التسعة من تنفيذها بالكامل ولا بلوغ الأهداف الإنمائية للألفية في خَفْض وفيات الأطفال والأمهات، غير أنها تتيح لتلك البلدان، فرصة أفضل لكي تختتم عام 2015 محرِزةً تقدُّماً إيجابياً واضحاً، وأن تُقبل على خطة التنمية لما بعد عام 2015 بثقة والتزام متجدِّدَين. ومن أجل الشروع في الإجراءات الفورية والبدء في تنفيذ خرائط الطريق للبلدان، فقد قدَّمنا تمويلاً ابتدائياً إلى البلدان التسعة من موارد منظمة الصحة العالمية خلال النصف الثاني من عام 2013 لكي تتمكَّن الدول من الشروع بتنفيذ هذه الخطط دون تأخير.
وسوف نتمكَّن من خلال تنفيذ هذه المبادرة من إنقاذ حياة الكثير والكثير من الأمهات والأطفال، إلا أن مستوى الإنجازات التي سوف تتحقق سيعتمد، بلا شك وإلى حد كبير، على الالتزام السياسي للحكومات وقدرتها على ترجمة هذا الالتزام إلى واقع ملموس. وفي نفس الوقت سوف يظل التضامُن والدعم المقدَّم من البلدان والشركاء الآخرين في الإقليم أمراً حاسماً.
أما في مجال تقوية النُظُم الصحية، فقد اعتمدَت اللجنة الإقليمية الاستراتيجية الإقليمية وخارطة الطريق في عام 2013، وذلك بعد أن حدَّدَت التغطية الصحية الشاملة كأولوية جامعة في عام 2012. وأصبحت التغطية الصحية الشاملة، بتركيزها على الإنصاف والجودة، المظلة التي يندرج تحتها حالياً جميع أعمالنا في مجال النُظُم الصحية. ويُظهر الوضع الراهن في الإقليم تفاوتاً كبيراً بين البلدان في ما يتعلق بالإتاحة العادلة للرعاية الصحية ذات الجودة المقبولة. غير أن البلدان جميعها تعاني من وجود فجوات، ولذلك عليها القيام بجهود كبيرة من أجل تحسين الإتاحة وتعزيز الصحة. والقصد من وراء ذلك هو تحقيق تحسن ملموس في الأبعاد الثلاثة الأساسية التي تنطوي عليها التغطية الصحية الشاملة، وهي تحديداً الحماية من المخاطر المالية، والتغطية بالخدمات، وتغطية السكان، إلى جانب التحسن في الوقاية وتعزيز الخدمات الصحية. وتحدد خارطة الطريق، من بين أمور أخرى، الإجراءات التي يُمكن للبلدان اتخاذها للحدّ من الإنفاق الشخصي المباشر على الرعاية الصحية من جانب المواطنين، واعتماد أسلوب متعدد القطاعات بإشراك الأطراف المعنية ذات الصلة. وبنهاية عام 2013، طُبِّق أيضاً إطار عمل إقليمي لتوجيه البلدان بشأن الخطوات اللازمة على الصعيد القُطري، وشرَع العديد من البلدان حالياً في المضيّ قُدُماً في تنفيذ هذا الإطار. وهو الأمر الذي يمثِّل تقدُّماً كبيراً، وإنني لأتطلع لمزيد من التطوّر في العام القادم.
ولقد تحقق إنجازان مهمّان آخران في مجال تقوية النُظُم الصحية، وذلك فيما يتعلق بمجال المعلومات الصحية. فنُظُم المعلومات الصحية يشوبها الضعف والتفتُّت في بلدان كثيرة، ويعاني جميع البلدان من فجَوات كُبرَى. وقد اعتمدنا أسلوباً عملياً لتقوية نُظُم المعلومات الصحية في الإقليم من خلال التركيز على ثلاثة مكونات، هي: رَصْد المخاطر والمحددات الصحية، ورَصْد الوضع الصحي بما في ذلك الأمراض والوفيات، وتقييم أداء النُظُم الصحية. وأُعِدت قائمة من المؤشرات التي تغطي هذه المكونات الرئيسية الثلاثة من خلال عقد مناقشات مكثّفة مع ممثلين من القطاعات ذات الصلة في الدول الأعضاء، وسوف تُعْرَضُ في شكلها النهائي في الدورة الحادية والستين للّجنة الإقليمية. واستناداً إلى التحليل المتعمِّق للحالة الراهنة في التقارير الخاصة بكلٍ من المؤشرات الأساسية، سيتم أيضاً عرض استراتيجية إقليمية من أجل التصدِّي للثغرات وبناء القدرات الوطنية لمناقشتها واعتمادها أثناء انعقاد اللجنة الإقليمية.
وقد أظهرَت التقييمات السريعة والشاملة لتسجيل الأحوال المدنية والإحصاءات الحيوية، التي أجريَت في جميع الدول الأعضاء في عام 2013، وجود فجوات ونقاط ضعف كبرى. فمعظم البلدان لا تبلغ بإحصاءات دقيقة وكاملة للأسباب المحددة للوفيات، التي تُعَدُّ أمراً مهماً في تقييم الوضع الصحي ومتابعة الالتزامات الدولية. وبالعمل الوثيق مع البلدان والشركاء الإقليميين، أُعِدّت استراتيجية إقليمية لتعزيز تسجيل الأحوال المدنية والإحصاءات الحيوية بالاشتراك مع البلدان والأطراف المعنية الأخرى، واعتمدتها اللجنة الإقليمية.
وسوف تسهم هاتان المبادرتان معاً في وضع حجر الأساس لنُظُم معلومات صحية وطنية أقوى، كما أنهما، حال قيام البلدان بتنفيذهما والاستفادة الكاملة منهما، سوف يحسِّنان عملية اتخاذ القرارات ويعززان تخطيط التنمية الصحية ورصد تقدُّمها على الصعيد الوطني.
وبرغم أن وتيرة التقدُّم المحرَز في مجالات أخرى متعلّقة بتقوية النُظُم الصحية كانت أبطأ، فقد تم إرساء قاعدة مهمّة لإعداد إرشادات شاملة للبلدان في مجال قوانين الصحة العمومية، التي عفا عليها الزمن في معظم البلدان، وكذلك في تنمية القوى العاملة الصحية، ووضع نَهْج استراتيجي لممارسة طب الأسرة، وتحسين فرص الحصول على الأدوية والتقنيات الأساسية، والمشاركة مع القطاع الخاص. وأخذاً بعين الاعتبار الدور الرئيسي الذي يضطلع به القطاع الخاص في توفير الرعاية الصحية في الإقليم، أصبح من المهم ضمان الاهتمام بالقطاع الخاص ومراقبته، وإشراكه أيضاً في دعم وتنفيذ سياسات الصحة العمومية وبلوغ التغطية الصحية الشاملة. وفي الوقت نفسه، أُنْجِزَت الأعمال التحضيرية لاستعراض الخبرات الإقليمية والدولية، ولإعداد إرشادات للبلدان لتعزيز إدماج الوقاية من الأمراض غير السارية واضطرابات الصحة النفسية والتدبير العلاجي لهما في الرعاية الصحية الأولية. وسيجري تنظيم اجتماعين مشتركين رئيسيين بين البلدان لهذا الغَرَض في عام 2014.
وتُعَدُّ الوقاية من الأمراض غير السارية ومكافحتها أمراً غايةً في الأهمية في إقليم شرق المتوسط، حيث يتسبَّب وباء أمراض القلب والأوعية، والسرطان، والسكّري، والأمراض التنفسية المزمنة، في الزيادة السريعة في معدّلات الوفيات المبكِّرة، وقد أربك ذلك بالفعل العديد من النُظُم الصحية. وعقب وضع إطار العمل الإقليمي بشأن الأمراض غير السارية في عام 2012، وما ينطوي عليه من نتائج واضحة ومحددة الأهداف تستند إلى الإعلان السياسي للأمم المتحدة لعام 2011، تحوّل التركيز إلى ترجمة هذا الإطار إلى عمل ملموس.
ومن الواضح أن البلدان لا تقوم حالياً بما يكفي حيال الحدّ من عوامل الخطر مثل استهلاك التبغ، والنُظُم الغذائية غير الصحية، والخمول البدني. وحتى تتسنَّى مساعدة الدول الأعضاء على التوسُّع في جهودها المبذولة في هذا السياق، كان كثير من العمل الذي أُنْجِز في عام 2013 موجَّهاً نحو تقديم إرشادات واقعية لراسمي السياسات في تنفيذ التدابير التي ثبتت فاعليتها، وبخاصة التدخُّلات المثلى "أفضل الصفقات". وقد تم إعداد الإرشادات التقنية بشأن خفض استهلاك الملح والدهون، وبدأ العديد من البلدان بالفعل تنفيذ هذه الإرشادات. والمتوقَّع أن يكون لذلك تأثير ملحوظ على صحة السكان.
ويحدوني الأمل في تحقيق توافق مماثل في الآراء حول اتباع أسلوب شامل متعدد القطاعات لتحسين الأنظمة الغذائية للأطفال، والتصدِّي للعادات الغذائية غير الصحيحة. والإقليم بحاجة أيضاً إلى تكثيف العمل بشأن الخمول البدني لجميع الفئات العمرية؛ وقد شهد عام 2013 تحضيراً موسعاً للمنتدى الشامل ومتعدد القطاعات بشأن النشاط البدني الذي عُقِد في شباط/فبراير عام 2014. كما تم تركيز الاهتمام أيضاً على الدعوة وتقديم الدعم التقني للبلدان لتنفيذ تدابير مكافحة التبغ التي ثبتت فاعليتها والتي تشمل فرض الضرائب على التبغ، ولكن، نرى مرّة أخرى أن التقدُّم كان بطيئاً. ولم يصدّق بَلَدَان حتى الآن على اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ، وهما الصومال والمغرب.
لقد هيمَنَت الأمراض السارية على العناوين الرئيسية للصحة العمومية في عام 2013، إذ اعتُبرت فاشيات شلل الأطفال في الجمهورية العربية السورية والصومال، واستمرار سريان فيروس شلل الأطفال في أفغانستان وباكستان، على وجه الخصوص، انتكاستين خطيرتين لبرنامج استئصال شلل الأطفال، غير أن الدول الأعضاء أبدَت الوحدة والتضامن في ما بينها، في بادرة كانت موضع ترحيب، وتلاقت إرادتها على العمل. وقد أدّى إعلان اللجنة الإقليمية انتشار فيروس شلل الأطفال البرّي حالة طارئة للإقليم وإعداد خطة عمل إقليمية في هذا الشأن، إلى تيسير الالتزام والعمل الفعّال على المدى القصير لاحتواء الفاشيات بنجاح. وفي نفس الوقت، أدى العمل على إنشاء الفريق الاستشاري الإسلامي إلى دعم قوي من المجتمع الإسلامي لتحسين الدعوة من أجل الوصول إلى الأطفال في المناطق غير المستقرّة أمنياً حيث حظر المسلحون أنشطة التمنيع، وروّعوا العاملين الصحيين وهاجموهم. وقد شهد البرنامج الإقليمي لاستئصال شلل الأطفال تعزيزاً كبيراً من حيث الخبرات والقدرات في مجال الاستجابة، بتأسيس وحدة تقنية لتلبية الاحتياجات المتزايدة في الأردن. ومع ذلك، ومع استمرارنا في العمل المكثف مع أفغانستان وباكستان للوصول إلى الأطفال في الأماكن غير المستقرة أمنياً، سيكون من الصعب تحقيق استئصال شلل الأطفال من دون حلول سياسية للوضع الذي أدَّى، في عام 2014، إلى إعلان أن شلل الأطفال طارئة صحية عمومية مثيرة للقلق الدولي. كما أن ظهور الفيروس التاجي الجديد (كورونا) المسبِّب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، الذي اكتسب زخماً طوال عام 2013 ومطلع عام 2014، قد أبرز بشكل واضح قيمة "اللوائح الصحية الدولية" (2005). وهنا، نثني على البلدان المتضرِّرة بفيروس كورونا على إعطائها الأولوية له واتخاذها إجراءات بشأن تقصي حالات الإصابة به والعمل على التصدِّي للمشاكل ذات الصلة. وقد ضربت هذه الاستجابة، إلى جانب الدعم المكثف وشديد التنسيق من المستويات الثلاثة للمنظمة، مثالاً يُحتذى به ويبشِّر بالخير لمستقبل الأمن الصحي في هذا الإقليم. وحالياً، يجب أن تركز جميع الدول الأعضاء على استيفاء اشتراطات القدرات الأساسية اللازمة لتنفيذ اللوائح بحلول حزيران/يونيه 2016.
وتصدُّر الوضع الإنساني أيضاً العناوين الرئيسية خلال عام 2013 بظهور أرقامٍ غير مسبوقة من المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في شتى أنحاء الإقليم. فمع اقتراب العام من نهايته، تأثر ما يقدر بنحو 42 مليون شخص في أكثر من نصف بلدان الإقليم بالأخطار الطبيعية والصراعات السياسية. ومن ثمَّ فقد أنشأت منظمة الصحة العالمية فريقاً للدعم في حالات الطوارئ مقرّه الأردن لتقديم استجابة واحدة مجمّعة للأزمة في الجمهورية العربية السورية. وقد خضع هذا الفريق منذ إنشائه للمراجعة وتوسيع النطاق بما يوفر استجابةً أكثر فعالية. ولا رَيْب أن الوضع الإنساني في الإقليم يشكِّل تحدياً هائلاً للصحة العمومية، ويتطلّب إجراءات فعَّالة لضمان تقديم الخدمات الصحية الأساسية، ولإعادة تأهيل النُظُم الصحية على المدى الطويل. وينبغي بهذا الصدد أن نذكُر أن المجتمعات المحلية والنازحين ليسوا هم فقط المعرّضون للمخاطر، ولكن ينضَم إليهم العاملون الصحيون والعاملون في مجال المساعدات الإنسانية والمرافق الصحية الذين يتزايد استهدافهم أيضاً. كما لا يزال نقص التمويل يشكل تحدّياً رئيسياً لضمان تحقيق استجابة فعّالة في حالات الطوارئ الصحية، ومع ذلك هناك إجراءات إيجابية يمكن اتخاذها لتقوية التأهب والاستجابة الوطنية. وتشمَل تلك الإجراءات اعتماد استراتيجية وطنية لإدارة مخاطر الكوارث تتصدَّى لجميع المخاطر وتغطّي مختلف القطاعات. ورغم أن هذا الأسلوب نجح في العديد من بلدان العالم، إلا أن هذه الاستراتيجية لم تُعتَمَد إلى الآن سوَى في عدد قليل من بلدان الإقليم، ويحدوني أمل كبير أن نتمكّن من المضيّ قُدُماً نحو تحقيق ذلك.
وفي سياق إصلاح منظمة الصحة العالمية، تضافرت جهودنا في التصدِّي للمعوقات التنظيمية لأداء المنظمة. وتواصلت أعمال المراجعة وإعادة التنظيم الهيكلي، على المستويين الإقليمي والقُطري على حدٍ سواء، من أجل تعزيز العمل التقني للمنظمة، ونُفِّذت مجموعة من التدابير الإدارية بهدف تعزيز الأداء الإداري والامتثال للقواعد واللوائح. ويُعَدُّ ضمان وجود الموظف المناسب في المكان المناسب وفي التوقيت المناسب تحدياً من نوع خاص، حيث تأثّرت قدرة المنظمة على اجتذاب واستبقاء الكوادر ذوي السمات والكفاءات التي تحتاج إليها المنظمة في ظل البيئة الصعبة في الوقت الحالي جراء تفاقم الوضع الأمني في الإقليم. ونحن نتعامل مع هذه القضية، إلا أن الأمر يحتاج إلى حلولٍ أكثر تمعُّناً مما هو مطروح حالياً.
إن توطيد سُبُل التعاون التقني مع البلدان هو أحد المكوّنات الأساسية لعملية إصلاح المنظمة التي اعتمدتها جمعية الصحة العالمية في عام 2013. وكان أحد الإنجازات الكبرى في هذا الصدد هو التحول من التخطيط التقليدي إلى نهج التخطيط من القاعدة إلى القمة لفترة السنتين 2014-2015. وكان للإقليم دور ريادي في تطبيق هذا الأسلوب خلال النصف الأخير من عام 2013 بالتشاور الوثيق والمكثف مع الدول الأعضاء على أعلى مستوى لصنع السياسات. وقد ركّزنا على الأولويات الرئيسية في "برنامج العمل العام الثاني عشر" في تخطيط الميزانية. وكان المستهدف لفترة السنتين هو توظيف معظم الموارد والجهود لتنفيذ عشرة برامج ذات أولوية في المتوسط، مما أدّى إلى توفير موارد إضافية لكل منها، ونأمل أن تتمخّض الأنشطة المختارة عن أثر حقيقي. وأصبح عدد خطط العمل الناتجة عن هذه العملية يقرب من نصف عدد الخطط في الثنائية 2012-2013 للإقليم بأكمله، بما في ذلك البرامج القُطرية. وقد امتد العمل التعاوني المكثف مع الدول الأعضاء بشأن البعثات المشتركة لمراجعة وتخطيط البرامج كل سنتين، ليجرى على مدار بضعه أشهر ويبلغ ذروته في زيارة رفيعة المستوى لمدة يومين إلى البلدان لعَقْد مناقشات استراتيجية، وذلك بعد ما كان يجري فيما سبق خلال بضعة أيام، وقد أجرَيت بنفسي خمساً من هذه الزيارات، أما باقي الزيارات فقد أجريَت على مستوى المديرين كحد أدنى.
وبوجه عام، أستطيع التأكيد على إحراز تقدُّم جيِّد في مجالات محددة لعمل منظمة الصحة العالمية مع الدول الأعضاء في عام 2013 من خلال اتباع أساليب مبتكرة والارتقاء بمستوى العمل، ولاسيَّما في مجالات إعداد الاستراتيجيات، والتخطيط، والإرشاد التقني في ترجمة الخطط إلى تدخلات محددة، وكذلك وضع الأسس للخطوات المستقبلية. وفي الوقت ذاته، غالباً ما نواجه نحن والدول الأعضاء معاً قيوداً، على أرض الواقع، بسبب الأزمات والأحداث التي لم يسبق لها مثيل، والتي أدَّت ليس فقط إلى تباطؤ التقدُّم المحرَز في بعض مجالات العمل، بل أيضاً إلى تحويل حتمي للاهتمام والموارد تجاه أولويات أخرى. وفي كل ما بذلناه من عمل، يتضح أن النتائج الصحية الإيجابية العامة متأصلة في السياق الأوسع للتنمية الاجتماعية والسياسية، إذ لا يمثِّل قطاع الصحة سوَى أحد الأطراف الفاعلة في جميع المجالات ذات الأولوية الاستراتيجية التي نوهت إليها؛ فالتغطية الصحية الشاملة، والرعاية الصحية الأولية الناجحة، والوقاية من عوامل الخطر، والأمراض غير السارية، وتعزيز الصحة، والأمن الصحي، والتأهُّب لحالات الطوارئ والاستجابة لها، كلها موضوعات تتطلب الشراكة في ما بين القطاعات الحكومية وغير الحكومية.
وقد حظي هذا السياق الأوسع باهتمام خاص في عام 2013 في كثير من البرامج، حين سعَينا للوصول إلى القطاعات الأخرى في الحكومة؛ فمثلاً، في ما يتعلق بالمضيّ في مسار الوقاية من الأمراض غير السارية، تمكنّا من إشراك وزارات التخطيط، والنقل، والتعليم، والشؤون الخارجية، والرياضة، والداخلية، والمالية في هذا الإطار. وسلكنا أسلوباً مماثلاً في عمل المنظمة في ما يتعلق بتقوية النُظُم الصحية والمعلومات الصحية. وسعينا لإشراك أطراف فاعلة من خارج الحكومة؛ من المجتمع المدني، ووكالات الأمم المتحدة وغيرها. ولنا هنا مثال واضح على تعدُّد القطاعات في عمل الصحة العمومية، يتمثّل في الاستراتيجية الإقليمية للسنوات الخمس القادمة بشأن الصحة والبيئة، والتي أقرّتها اللجنة الإقليمية. وليس هناك بديل عن وجود أهداف صحية طويلة الأجل معبَّر عنها بوضوح في إطار خطط التنمية الوطنية طويلة الأجل ويجري تناولها بالتنسيق مع جميع القطاعات والأطراف المعنية، بما في ذلك المجتمع المدني.
وأخيراً، يتّضح أن كثيراً من التحدِّيات الصحية في الإقليم سيُمكِن التصدِّي لها من خلال تقوية الدعوة في مجال الصحة، والدبلوماسية الصحية، والحوار الاجتماعي والسياسي البنَّاء. فلم يَعُد بالمستطاع إيجاد حل لعدد متزايد من التحدِّيات الصحية التي نواجهها من الناحية التقنية فقط؛ فتلك التحدِّيات تحتاج إلى مفاوضات وحلول سياسية، على المستويات العالمي، والثنائي، والوطني. ومن بين تلك الحلول، فإن للدبلوماسية الصحية أهمية خاصة لإقليمنا بسبب ارتباط كثير من قضايا التنمية التي يواجهها الإقليم ارتباطاً مباشر بالصحة، وبسبب تأثُّر الإقليم على نحو غير متناسب بالأزمات الإنسانية. ولِذا، فمن الضروري أن نواصل معاً نشر الوعي وبناء القدرات في مجال الدبلوماسية الصحية لدَى الدول الأعضاء.
الدكتور علاء الدين العلوان
المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط