شهد عام 2012 نقطة تحول في دفع جدول الأعمال الخاص بالأمراض غير السارية في الإقليم إلى الأمام، وذلك بوضع الوقاية من هذه الأمراض ومكافحتها كإحدى الأولويات الاستراتيجية الخمس للمكتب الإقليمي في السنوات الخمس القادمة. وينبع إعطاء الأولوية للأمراض غير السارية من إدراك ما تمثّله هذه الأمراض في الإقليم من عبء شديد الوطأة على الصحة، والنُظُم الصحية، بَل وعلى عملية التنمية برمَّتها. ويستند إعطاء الأولوية هذا إلى رؤية واضحة، وما يستتبعها من التوجُّهات الاستراتيجية التي وافقت عليها الدول الأعضاء بموجب الإعلان السياسي الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة حول الوقاية من الأمراض غير السارية ومكافحتها، وذلك في أيلول/سبتمبر 2011.
وإدراكاً لأهمية العمل الراهن الذي تقوم به المنظمة والدول الأعضاء في هذا المضمار واعتماداً عليه، تم التركيز في عام 2012 على إبراز الأمراض غير السارية في جدول الأعمال الخاص بالصحة والتنمية، وعلى إعداد خارطة طريق إقليمية والشروع في العمل في المجالات التي تحظى بالأولوية، وكذلك في تهيئة الهياكل الضرورية في المكتب الإقليمي واللازمة لدعم هذا العمل. وعلى الرغم من هذا، فهنالك تحديات خطيرة تعرقل التقدُّم الإقليمي في تنفيذ ما قطعته الدول الأعضاء من التزامات بموجب الإعلان السياسي الصادر عن الأمم المتحدة. فعلى صعيد الحَوْكَمة والسياسات، نجد أن الإرادة والالتزام السياسيين على أعلى المستويات غير موجودين أو غير كافيين في العديد من البلدان. وحتى في حالة وجود مثل هذا الالتزام، فعادةً ما تكون الإجراءات اللازمة لترجمة هذا الالتزام إلى عمل ملموس غير كافية. فالعمل المتعدد القطاعات والذي يعتبر من الشروط الأساسية للوقاية الفعَّالة من الأمراض غير السارية يتسم بالضعف في معظم البلدان.
ولا مِراء في أن ضعف مشاركة القطاعات غير الصحية يعوق تنفيذ التدخلات الرئيسية العالية المردود، والشديدة التأثير، أو "أفضل الصفقات" من قبيل الإجراءات الستة المجربة لمكافحة التبغ MPOWER، والحدّ من الملح، وحملات التوعية الخاصة بالنظام الغذائي والنشاط البدني. فقد اتّسم أداء الدول الأعضاء في الإقليم، بشكل عام، بالبطء في تنفيذ الاتفاقية الإطارية للمنظمة بشأن مكافحة التبغ، وتدابيرها الستة المجربة. وأدى هذا البطء إلى استمرار المعدّلات المرتفعة لتعاطي التبغ. ولايزال هناك بَلَدان اثنان في الإقليم (الصومال، والمغرب) لم يقوما بَعْد بالتصديق على الاتفاقية الإطارية للمنظمة بشأن مكافحة التبغ، كما أن العديد من البلدان، مع الأسف، لا تعترض على الضرر الواقع على الصحة العمومية بسبب ترويج دوائر صناعة التبغ لاستخدامه. وعلى نفس النسق، فبالرغم من ارتفاع معدل استهلاك الملح، والأحماض الدهنية المشبعة، والأحماض الدهنية المتحوِّلة، إلا أن هنالك نقصاً في التنسيق بين الأعمال المتعلقة بالتغذية ولاسيَّما من خلال السياسات المتعددة القطاعات والمؤثرة على قطاعات عريضة من السكان. وهنالك ضعف عام في القدرة على رَصْد الأمراض غير السارية، كما أن نُظُم الرصد بحاجة إلى تقويتها، وإضفاء الطابع المؤسسي عليها في جميع البلدان. ولايزال هناك فَجَوات كبيرة على الرغم من تراكُم الخبرات في مجال إدماج الرعاية الصحية، بالنسبة للأمراض غير السارية الشائعة مثل السكّري والأمراض القلبية الوعائية، في الرعاية الصحية الأولية. وهو الأمر الذي يعكس تحدّيات أوسع نطاقاً أمام النظام الصحي.
وعلى الرغم من هذه التحدّيات، فإن المنظمة والدول الأعضاء سَعوا سوياً إلى دفع جدول أعمال الوقاية من الأمراض غير السارية ومكافحتها إلى الأمام. والحاصل أن هناك العديد من المعالم البارزة التي وإن ضَربت المثل على ما أحرز من تقدم صَوْب الارتقاء بالعمل، إلا أنها تبرز أيضاً الطلبات التي لاتزال ماثلة أمامنا. ويعد اعتماد اللجنة الإقليمية "لإطار العمل" الإقليمي، معلماً بارزاً، لاستنهاض تنفيذ الإعلان السياسي الصادر عن الأمم المتحدة (القرار ش م/ل إ59/ق.2). ويوضِّح هذا الإطار التدخلات الرئيسية في المجالات الأربعة التي تحظى بالأولوية ألا وهي الحوكمة؛ والوقاية وتقليص عوامل الخطر؛ والترصُّد والرَصْد والتقييم؛ والرعاية الصحية. وقد مهّدت سلسلة من المشاورات والاجتماعات الإقليمية المهمّة الطريق أمام تنفيذ هذا القرار. ويُعتبر المؤتمر الدولي الخاص بأنماط الحياة الصحية والأمراض غير السارية في العالم العربي والشرق الأوسط، والذي نظمهُ المكتب الإقليمي بالتعاون مع حكومة المملكة العربية السعودية في الرياض في أيلول/سبتمبر 2012، أول استجابة إقليمية كبيرة للإعلان السياسي الصادر عن الأمم المتحدة. وهناك معلم آخر يتمثل في إنشاء إدارة جديدة تعنى بالأمراض غير السارية والصحة النفسية في المكتب الإقليمي، مع منحها تفويضاً واضحاً بالارتقاء بالعمل الإقليمي في هذه المجالات.
وقد أحرز تقدُّم مهم في المجالات الاستراتيجية الأربعة الخاصة بالإطار المذكور. ففي مجال تصريف الشؤون (الحوكمة) وتطوير السياسات، عمل المكتب الإقليمي عن كثب مع البلدان لوضع خطط وطنية متعددة القطاعات في عام 2013، ولتطوير القدرات الوطنية، ولرصد التقدُّم الـمُحْرَز. وتم إجراء مشاورتين إقليميتين للإسهام في خطط العمل العالمية الخاصة بالوقاية من الأمراض غير السارية ومكافحتها في المدة 2013 – 2020، وإطار الرصد العالمي المصاحب لها، حتى يتسنّى إقرارهما في جمعية الصحة العالمية في أيار/مايو 2013. وبدأ التعاون مع الشبكة الدولية لأولويات مكافحة الأمراض من أجل تعزيز البحوث، وبناء القدرة الإقليمية على تحليل مردود السياسات في مجال الأمراض غير السارية. وسيتواصل العمل خلال عام 2013 من أجل إعداد مجموعة أساسية من المدربين الإقليميين المعنيين بمختلف جوانب عمليات تحديد أولويات مكافحة الأمراض بالنسبة للتدخلات الخاصة بالأمراض غير السارية.
أما في ما يتعلق بالوقاية، فقد تم التركيز على التعاطي مع عوامل الخطر المشتركة للمجموعات الأربع الرئيسية للأمراض غير السارية. وتم استهداف عوامل الخطر المتعلقة بالتغذية، مثل الملح وتناول الدهون وتعاطي التبغ، لإعطائها أولوية العمل. وتم توسيع نطاق إعداد الدلائل الإرشادية للنُظُم الغذائية ليشمل أفغانستان، وعُمان، ولبنان، ومصر. وتم بالاشتراك مع جامعة الإمارات العربية المتحدة، وكجزء من مبادرة عالمية، تنفيذ مشروع ارتيادي لبناء القدرة الإقليمية على إعداد مرتسمات التغذية. ولقد أسفرت الحلقة العملية البلدانية المؤثِّرة والتي أجريَت في تشرين الثاني/نوفمبر 2012، حول وضع أساليب فعّالة لخفض استهلاك الملح على مستوى السكان جميعاً، عن إطلاق إجراءات للحد من الملح على المستوى الوطني في الكويت. ويتم العمل على توسيع نطاق هذه الإجراءات، والتي قد يكون لها تأثير مهم على صحة السكان حال استمرارها وتطويرها بشكل أكبر، على الصعيد الإقليمي في عام 2013.
وفي ما يتعلق بمكافحة التبغ، فقد واصل المكتب الإقليمي إعطاء الأولويات لتنفيذ الاتفاقية الإطارية لمنظمة الصحة العالمية بشأن مكافحة التبغ، والإجراءات الخاصة بالتدابير الستة المصاحبة لها. ولقد شهدنا في عام 2012 تطوراً واعداً، بتبنِّي أربع من الدول الأعضاء تشريعات جديدة لمكافحة التبغ تنطوي على إجراءات صارمة لأقصى درجة. وحظى تطوير القيادة والقدرة على اتخاذ إجراءات لمكافحة التبغ باهتمام بالغ. وعقدت الدورة العالمية للقيادة في مجال مكافحة التبغ لأول مرة في الإقليم، وذلك بالاشتراك مع جامعة جون هوبكنز. وعزَّزَت الحلقة العملية الإقليمية لأطراف الاتفاقية الإطارية بشأن مكافحة التبغ قدرة الأطراف على المشاركة في الدورة الخامسة لمؤتمر الأطراف الخاص بالاتفاقية. وتم كذلك تدعيم بناء القدرات في مجالات أخرى مثل: الضرائب المفروضة على منتجات التبغ وأسعارها في الدول الأعضاء بمجلس التعاون الخليجي، وفي تنفيذ المادة 3.5 من الاتفاقية الإطارية للمنظمة بشأن مكافحة التبغ، والتي تتعلق بتدخُّلات دوائر صناعة التبغ؛ والإقلاع عن التبغ، وتنفيذ التعليمات الخاصة بخلوّ الأماكن العامة من التبغ، والتحذيرات الصحية المصورة، وحظر جميع أشكال الدعاية عن التبغ، ورعاية فعالياته وترويجه.
أما في مجال الترصُّد والرَصْد، فقد استكمل مزيد من البلدان المسح الخاص بالأسلوب المتدرج للرَصْد STEPS ليصل بذلك إجمالي عدد الدول الأعضاء التي قامت بإجراء المسح ونشر التقارير الخاصة به إلى 18 بلداً. وقدَّم المكتب الإقليمي الدعم للدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي من أجل إعداد أهداف ومؤشرات وطنية وفقاً للإطار العالمي للرصد، سوف يستمر هذا الدعم في عام 2013، كما ساعد جميع الدول الأعضاء في تنفيذ نظام ترصد التبغ العالمي وتحليل البيانات، والانتهاء من التقارير القطرية، بالإضافة إلى وضع خطط لنشر البيانات. هذا فضلاً عن دعم المكتب الإقليمي لإعداد وتنفيذ المسوحات العالمية التي تحظى بالأولوية مثل المسح العالمي لاستهلاك التبغ بين الشباب، والمسح العالمي لاستهلاك التبغ بين البالغين، وذلك بالتعاون مع الشركاء الدوليين. وتم استكمال الجزء الإقليمي من التقرير العالمي الرابع الخاص بمكافحة التبغ والذي سيتم نشره في عام 2013.
وفي ما يتعلق بمجال الرعاية الصحية، قدم المكتب الإقليمي دعماً تقنياً لمواءمة مجموعة التدخلات الأساسية الخاصة بالأمراض غير السارية، التي وضعتها المنظمة، وتنفيذها من خلال الرعاية الصحية الأولية في ثلاثة بلدان (الإمارات العربية المتحدة، والسودان، والكويت) ليصل مجموع البلدان التي تحظى بعاملين مدربين وبروتوكولات متكاملة خاصة بتحري الأمراض غير السارية ومعالجتها ضمن الرعاية الصحية الأولية إلى ستة بلدان.
ويتمثَّل التحدّي الماثل أمام الدول الأعضاء، في عام 2013، في تقوية التزامها، وإعطاء المزيد من الأولوية للتعاطي مع هذه الزيادة المفزعة في حجم الأمراض غير السارية، وفي ترجمة هذا الالتزام إلى عمل ملموس يتجسد في تنفيذ إطار العمل الذي تم إقراره في الدورة التاسعة والخمسين للّجنة الإقليمية.
الصحة النفسية
تُعتبر الاضطرابات النفسية والعصبية وتلك الناجمة عن تعاطي مواد الإدمان مسؤولة عن أكثر من %11 من سنوات العمر المصححة باحتساب مدد العجز، و%27 من عدد السنوات التي يعيشها المرضى في حالة عجز في الإقليم. ولاشك في أن الصراعات والطوارئ الإنسانية المعقدة، وما يصاحبها من نزوح للسكان وانخفاض الدعم الاجتماعي المقدَّم، ساعد في تفاقم هذا العبء بشكل كبير. ولقد ساهمت الوصمة والتمييز، ونقص الالتزام السياسي، ومحدودية الموارد المالية والبشرية، وتضاؤل الاهتمام بالأمراض النفسية في الصحة العمومية في حدوث فجوة هائلة في معالجة الاضطرابات النفسية. فالحاصل أن أكثر من ثلاثة أرباع الذين يعانون من اضطرابات نفسية خطيرة في بلدان الإقليم المنخفضة والمتوسطة الدخل، وما يربو على نصف البلدان المرتفعة الدخل لا يحصلون على المعالجة الأساسية.
وسعياً منه إلى التغلب على هذه التحدّيات، عمل الكتب الإقليمي على الاستجابة من خلال اتباع أسلوب متعدد الجوانب، مسترشداً بالاستراتيجية الإقليمية المعنية بالصحة النفسية وتعاطي مواد الإدمان. وخلال عام 2012، ساهم المكتب الإقليمي في إعداد خطة عمل شاملة للصحة النفسية 2013 – 2020، حتى يمكن إقرارها من قبل جمعية الصحة العالمية في أيار/مايو 2013 من أجل ضمان ارتباطها بحاجات الإقليم وتقبُّل الدول الأعضاء لها. وتم إطلاق برنامج العمل الخاص برأب الفجوة في الصحة النفسية في الأردن، وأفغانستان، وباكستان، والسودان، والصومال، والعراق، وعمان، وليبيا، ومصر. وساهَم المكتب الإقليمي في وضع أطلس الصحة النفسية 2011، والأطلس الخاص بتعاطي مواد الإدمان بهدف بناء قاعدة بيِّنات توجِّه العمل في الإقليم. وقدَّم المكتب الإقليمي الدعم التقني لتحديث السياسات والتشريعات الوطنية في أفغانستان، وجمهورية إيران الإسلامية، وجيبوتي، والسودان، والصومال، وعُمان، وقَطَر.