لمحة عامة
شهد عام 2015 تدهوراً كبيراً في الوضع الإنساني في إقليم شرق المتوسط. فالأزمة في اليمن تم تصنيفها من قِبَل الأمم المتحدة، في تموز/يوليو 2015، كطارئة من المستوى الثالث، ما يجعل الإقليم يستضيف الآن ثلاث طوارئ من المستوى الثالث، بما يشمل الأزمة في كل من العراق، والجمهورية العربية السورية. وبسبب هذه الطوارئ، كان هناك، بصفة عامة، نحو اثنين وستين مليون شخص يحتاجون إلى الخدمات الصحية في مختلف أنحاء الإقليم، مع نهاية عام 2015، ما يضع عبئاً ثقيلاً على النظم الصحية الضعيفة أصلا والمثقلة بالأعباء. وكان للنقص الحاصل في الأطباء المتخصصين والأدوية والمعدات الطبية وغيرها من الموارد الصحية، ولا سيّما في المناطق التي كان الوصول إلى المنظمة وشركائها فيها محدوداً، كان له تأثير شديد على تقديم الخدمات الصحية، الأمر الذي ساهم في تدهور الوضع الصحي لدى بعض المرضى، ورفع من أعداد الوفيات التي يمكن تجنبها.
وفي أعقاب تصاعد العنف في اليمن، في آذار/مارس، شهد الوضع الإنساني والصحي تدهوراً سريعاً، لتصبح الأزمة هناك واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث كان ما يزيد على 14 مليون شخص، منهم 2.4 مليون نازح داخلي، في حاجة إلى الخدمات الصحية، مع نهاية العام. وقد أدى نقص العاملين الصحيين، ونقص الأدوية، إلى جانب النقص الحاصل في الوقود، إلى حدوث انهيار تدريجي للنظام الصحي. وبحلول شهر كانون الأول/ديسمبر، كان ما يقرب من 25% من جميع المرافق الصحية متوقفاً عن العمل، وانخفض معدل التغطية بالتمنيع بواقع 15%، مقارنة مع نفس الفترة من عام 2014. كما أدت محدودية فرص الحصول على خدمات الرعاية الصحية، وانهيار إمدادات المياه الصالحة للشرب وخدمات الإصحاح، إلى ارتفاع حالات الإصابة بالأمراض المتوطنة، كالملاريا، وحمى الضنك، والأمراض الإسهالية الحادة.
ونتيجة للصراع الدائر في العراق، اضطر ما مجموعه 3.2 مليون شخص إلى الفرار من منازلهم في عدة موجات نزوح كبيرة، والعديد من الموجات الأصغر حجماً، وذلك خلال الفترة ما بين كانون الثاني/يناير 2014 وكانون الثاني/يناير 2016. هذا، فضلاً عن 1.1 مليون شخص ممن كانوا قد نزحوا من قبل جراء أحداث عنف سابقة. وتشير التقديرات إلى أن نحو 10 ملايين عراقي يحتاجون إلى المساعدة، بيد أن 7.3 مليوناً فقط منهم، ممن هم في أمس الحاجة، هم المستهدفون بالمساعدة من قِبَل شركاء العمل الإنساني، بسبب شح الموارد المتاحة. وفي ذات الوقت، هناك أكثر من 220 000 لاجئ سوري يقيمون حالياً في العراق، معظمهم في إقليم كردستان.
وفي ما يتعلق بالجمهورية العربية السورية، فقد كان عام 2015 هو الأكثــــر تحـــــدياً منذ بداية الأزمة ، بالنسبة لكل من السوريين، والمستجيبين في مجال الشؤون الإنسانية، وذلك مع ارتفاع أعداد الأشخاص المحتاجين للمساعدة، من 12.2 مليوناً في عام 2014، إلى 13.5 مليوناً في عام 2015، ونزوح ما ينوف على 1.2 مليوناً نزوحاً داخلياً على مدار العام. وواصل النظام الصحي مواجهة تحديات في توفير الرعاية الصحية، بسبب الأضرار التي لحقت به، في ظل إغلاق أكثر من نصف جميع المستشفيات العمومية ومراكز الرعاية الصحية الأولية العمومية، أو أدائها للعمل بشكل جزئي. وتتزايد حاجة السوريين إلى رعاية حالات الرضوح والإصابات، حيث يتعرض للإصابة أكثر من 250 000 شخص، كل شهر، فضلاً عن تزايد الحاجة إلى خدمات الصحة النفسية، وخدمات الصحة الإنجابية، ومعالجة الأمراض غير السارية، كالسكري وأمراض الكلى. وقد ارتفعت معدلات سوء التغذية، ولا سيّما بين الأطفال دون سن الخامسة. ولا يحصل نحو ثلثي السكان على مياه صالحة للشرب، الأمر الذي يزيد من خطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه.
وعلى الجانب الآخر، هناك تفاقم سريع للوضع الصحي في ليبيا جرّاء اتساع نطاق النزاع والخلافات السياسية، وبسبب مواطن الضعف الموروثة في النظام الصحي، وتناقص الاستثمارات في هذا القطاع. وبُغْيَة إظهار حجم الاحتياجات بشكل أفضل، تم، في مطلع عام 2016، تصنيف الأزمة في ليبيا كطارئة من المستوى الثاني، حيث بلغ عدد من كانوا بحاجة إلى المساعدة الإنسانية 2.8 مليون شخص، مع نهاية العام، بمن فيهم 1.9 مليون شخص يحتاجون إلى الخدمات الصحية. كما كان هناك أكثر من 430 000 نازح داخلي جراء أحداث العنف الدائرة. والمستشفيات مكتظَّة وتعمل بطاقة متدنية للغاية، وتفتقر إلى وجود الأدوية والمستلزمات الأساسية، وكثيراً ما تنقطع عنها إمدادات الكهرباء والمياه، كما غادر العاملون الصحيون الأجانب البلاد. وعلاوة على ذلك، فإن فرص حصول المرضى المصابين بالأمراض غير السارية واضطرابات الصحة النفسية، على الرعاية الصحية محدودة. وهناك غياب ملحوظ للخدمات الخاصة بالأشخاص المصابين بالعجز، وعشرات الآلاف من جرحى الحرب.
أما في السودان، فإن ما يقرب من ربع مليون نازح داخلي جديد قد أضيفوا، في عام 2015، إلى العبء الطويل الأمد الذي هو من الأصل، عبء ضخم. فمع نهاية هذا العام، ظل ما مجموعه 420 000 من النازحين داخلياً، ممن هم في حاجة إلى المساعدة، ظلوا في ولايات إقليم دارفور، ولا تتوفر لديهم سوى فرص محدودة للحصول على خدمات الرعاية الصحية الأولية الأساسية. ففي ولايات إقليم دارفور الخمس، توقف 36% من مرافق الرعاية الصحية العمومية الموجودة عن العمل، كما أن 24% فقط من المرافق القائمة بالعمل هي التي تقوم بتوفير حزمة من الخدمات المعيارية. وما يزال النقص الحاصل في الأدوية والمستلزمات، وعدم كفاية العاملين والمرافق، يعيق تقديم خدمات صحية عالية الجودة.
وفي باكستان، أدى التدفق المفاجئ للنازحين داخليا من شمال وزيرستان إلى بانو، إلى زيادة العبء على الموارد والخدمات الصحية، وإلى ازدياد الحاجة إلى إدارة المخاطر ذات الصلة بصحة البيئة وبفاشيات الأمراض السارية.
وواصَلَت الكوارث الطبيعية تأثيرها المدمر على السكان في الإقليم. ففي تشرين الأول/أكتوبر 2015، ضرب زلزال قوته 7.5 درجة، شمال أفغانستان وباكستان، وأدى إلى مصرع المئات، وإصابة الآلاف، وإلحاق الأضرار بآلاف المنازل وتدميرها. وتمثل التحدي الأكبر في إمكانية الوصول إلى الأشخاص الذين هم في حاجة إلى المساعدة، فيما لا يقل عن 194 قرية تضررت بفعل الزلزال. كما ضرب زلزال ثانٍ، بلغت قوته 6.3 درجة، المنطقة الحدودية بين باكستان وطاجيكيستان، في كانون الأول/ديسمبر، ما أسفر عن إصابة العشرات.
التحديات واستجابة منظمة الصحة العالمية للطوارئ في الإقليم
يُعَدّ إقليم شرق المتوسط المنتِج الأكبر في العالم للمجموعات السكانية النازحة، وهو أمر ناجم، بشكل أساسي، عن الأزمة السورية. وإن أكثر من 60% من جميع اللاجئين والنازحين داخلياً يأتون في الأصل من هذا الإقليم. ويأتي اللاجئون، في الأساس، من سوريا وأفغانستان والصومال، بينما تستضيف سوريا والعراق والسودان واليمن العدد الأكبر من النازحين داخلياً. وعلى حين أصبحت تركيا المستضيف الأكبر للاجئين السوريين، في 2015، فإن لبنان، وهو بلد لا يزيد عدد سكانه على الأربعة ملايين نسمة، يظل أكبر بلد مستضيف للاجئين في العالم، من حيث نصيب الفرد، حيث يشكل اللاجئون ثلث إجمالي عدد السكان فيه. وفي الأردن، يشكل السوريون نسبة 10% من عدد السكان.
وقامت المنظمة، في تشرين الثاني/نوفمبر، بتنظيم اجتماع رفيع المستوى، عقد في روما، بشأن صحة اللاجئين والمهاجرين، واتفقت البلدان على الحاجة إلى إعداد إطار للعمل التعاوني الجماعي بشأن صحة اللاجئين والمهاجرين، وأقرت بالحاجة الـمُلِحة إلى تعزيز سُبُل التعاون فيما بين بلدان المنشأ، والعبور، والمقصد. وبُغْيَة البناء على هذا التعاون الأقاليمي، تم، في أيار/مايو 2016، استضافة اجتماع تشاوري تقني، عقد في القاهرة.
واستمر الطلب الكبير على الخدمات الصحية، من جانب اللاجئين والمجتمعات المستضيفة الهشة، يضع ضغطاً هائلاً على البنية التحتية للصحة العمومية، ما أدى إلى إضافة أعباء هائلة، وإلى إنهاك العاملين الصحيين، كما أدى إلى نقص في الأدوية والمعدات. وقد ذكر العاملون الصحيون، في بعض المرافق الصحية التي تخدم اللاجئين السوريين والنازحين العراقيين، في شمال العراق، أن عدد حالات المرضى ارتفع بنسبة 200% تقريباً.
وشملت الاحتياجات ذات الأولوية بالنسبة للاجئين السوريين، الرعاية في مجال الصحة النفسية، والصحة الإنجابية، والخدمات الصحية للأم والطفل (بما في ذلك التمنيع)، وترصُّد الأمراض السارية، ورعاية المصابين بالأمراض غير السارية، وخدمات صحة البيئة، ورعاية المصابين بالرضوح وإصابات الحروق. وماتزال رعاية الرضوح، والرعاية الجراحية تمثل أولوية بالنسبة للسكان من اللاجئين. وشكَّل سوء التغذية الحاد لدى اللاجئين من الأطفال دون سن الخامسة والنساء في سن الإنجاب، قضية أساسية. ومن بين المشاكل الإضافية في هذا الشأن، انخفاض الاستفادة من الرعاية أثناء الحمل، وارتفاع معدلات الولادة القيصرية وإسهال الأطفال والتهابات الجهاز التنفسي الحادة وعوز المغذيات الزهيدة المقدار.
وبالنظر إلى أن غالبية اللاجئين يعيشون خارج المخيمات، فقد اشتد خطر الإصابة بالأمراض الـمُعدية الناجمة عن ظروف المعيشة في أماكن مكتظَّة، ومحدودية الحصول على المياه النقية وخدمات الإصحاح، وتفاوت درجات الحصول على خدمات الرعاية الصحية، وذلك لدى كل من اللاجئين، والمجتمعات المحلية المستضيفة. وقامت المنظمة بتقديم الدعم التقني لوزارات الصحة وغيرها من الشركاء، في البلدان المستضيفة للاجئين السوريين، بشأن قضايا الصحة العمومية ذات الأولوية. وقدمت المنظمة الدعم أيضاً في مجال خدمات رعاية الرضوح، والتدبير العلاجي للأمراض غير السارية، وتوسيع نطاق برامج الصحة النفسية التي تَمَسُ الحاجةُ إليها. ومن ناحية أخرى، قامت المنظمة بتعزيز نُظم الإنذار المبكر والاستجابة فيما يتعلق بالأمراض السارية، والتوسُّع فيها. وبُغْيَة تعزيز القدرات الوطنية، تم تدريب الشركاء، والعاملين الصحيين في الخطوط الأمامية، ومسؤولي الترصُّد، في مجال اكتشاف الفاشيات والأخطار التي تهدد الصحة العمومية، والاستجابة السريعة لها.
وتمثلت العقبات التي عرقلت تقديم المساعدات الإنسانية، في جميع البلدان التي تواجه صراعات سياسية، في القيود الأمنية، وصعوبة وصول الشركاء في الصحة إلى المجموعات السكانية في بعض المناطق، فضلاً عن انسداد الطرق ونقاط الدخول، الأمر الذي أعاق نقل وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية. وكان نحو 30% من المجموعات السكانية المتضررة، في كل من سوريا والعراق واليمن متواجدين، إما في مناطق يصعب الوصول إليها، أو في مناطق محاصرة.
وفي إطار نَهج "سوريا برمتها"، الذي تم تبنِّيه وفقاً لقراري مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، اللذين صدرا برقم 2165 و2191، في 2015، قادت المنظمة جهود التنسيق الخاصة بقطاع الصحة/المجموعة الصحية، وذلك في ثلاثة محاور (دمشق، وعمَّان، وغازي عنتاب). وكان الغرض من الاستجابة الصحية الطارئة للمنظمة هو الوصول إلى السوريين في جميع أنحاء القطر، بما في ذلك المناطق التي يصعب الوصول إليها، أو المناطق المحاصرة.
وقامت المنظمة بتوسيع نطاق شراكاتها، وتعزيز تلك الشراكات مع ما مجموعه 67 منظمة محلية غير حكومية في مختلف أرجاء الجمهورية العربية السورية، كان العديد منها يعمل في مناطق يصعب الوصول إليها، وفي مناطق تسيطر عليها المعارضة. كما تم التبرع للمنظمات غير الحكومية بثلاث وأربعين عيادة متنقلة من أجل دعم توفير خدمات الرعاية الصحية الأساسية في شتى أنحاء القُطر. كما جعلت المنظمة وجودها في الجمهورية العربية السورية وجوداً لا مركزياً من خلال نظام يشتمل على 59 نقطة اتصال، من بينها 36 نقطة تقع في مناطق يصعب الوصول إليها، ومناطق محاصرة، توفر للمنظمة تحديثات منتظمة عن الأوضاع هناك.
وتم، منذ كانون الثاني/يناير 2016، منح قدر أكبر من حرية الوصول إلى المناطق التي يصعب الوصول إليها والمناطق المحاصرة. فلأول مرة، منذ عامين، تتمكن المنظمة من إرسال أدوية ومستلزمات طبية منقذة للحياة إلى 11 موقعاً من بين 18 موقعاً محاصراً. وفي عام 2015، تم تقديم 27% من المعالجات الطبية (4.2 مليوناً) لأشخاص محتاجين لتلك الخدمات في 127 موقعاً من المواقع التي يصعب الوصول إليها، والمواقع المحاصرة، في مختلف أرجاء البلاد.
وفي العراق، واصَلَت المنظمة قيادتها لأعمال المجموعة المعنية بالخدمات الصحية الإنسانية في بقاع مختلفة من البلاد، كما واصلت تقديم الدعم الصحي، بما في ذلك الرعاية الصحية الأساسية من خلال العيادات المتنقلة والمراكز الصحية في المخيمات، أيضاً بتوفير سيارات الإسعاف والمستلزمات الطبية إلى السلطات الصحية الاتحادية والمحلية. والمنظمة مستمرة في الوفاء باختصاصاتها بوصفها الملاذ الأخير لتقديم الخدمات مع تفاقم الوضع الإنساني وزيادة عدد النازحين. وقد تم تقديم ما يربو على 4 ملايين مشورة طبية على مدار العام، وهو ما يفوق الهدف المبدئي البالغ 3.2 مليون مشورة. وقد استفاد عدد إجمــالي قدره 1.8 مليون شخص استفادة مباشرة من الأدوية/المستلزمات والمعدات الطبية التي قامت المنظمة بشرائها وتوزيعها في مختلف أنحاء البلاد. وأمكن، من خلال نشر 27 عيادة متنقلة، إتاحة الفرصة للحصول على خدمات الرعاية الصحية الأولية في المخيمات وفي المجتمعات المستضيفة، بما في ذلك تلك الموجودة في مناطق يصعب الوصول إليها.
وفي اليمن، أتاحت الهدنات الإنسانية للمنظمة، زيادة توفيرها للأدوية والمستلزمات الطبية للمناطق المتضررة. وتمكنت المنظمة أيضاً من توفير عيادات متنقلة في مناطق تؤوي أعداداً كبيرة من الأشخاص النازحين داخلياً، وضمان أداء مرافق الخدمات الصحية لعملها من خلال توفير الوقود والمياه النقية. وفي مطلع 2016، بعد أشهر من منع الوصول إلى مدينة تعز، وتلبية للاحتياجات الصحية الطارئة المتصاعدة، نجحت المنظمة في إرسال أدوية ومستلزمات طبية منقذة للحياة، شملت عتائد لمعالجة الرضوح، وعتائد الطوارئ الصحية التي توزعها الوكالات المختلفة، وعتائد خاصة بالأمراض الإسهالية، واسطوانات أكسجين، فضلاً عن المحاليل الخاصة بالغسيل الكلوي. وتمكنت المنظمة والشركاء في مجموعة تقديم الخدمات، خلال الفترة ما بين آذار/مارس وكانون الأول/ديسمبر 2015، من الوصول إلى سبعة ملايين من الناس، وذلك من خلال توفير الأدوية، والمستلزمات الطبية، والأفرقة الطبية والعيادات المتنقلة. ولضمان أداء النظام الصحي لوظائفه، قدَّمت المنظمة ما يزيد على مليون لتر من الوقود لدعم تشغيل 72 مرفقاً صحياً، من بينها 51 مستشفى، و7 مراكز كبرى، و6 مخازن للقاحات، و8 مراكز لغسيل الكلى. وسعيا إلى الحد من مخاطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه، قامت المنظمة بتوفير 19 مليون لتر من المياه النقية، ولوازم النظافة الصحية، ومواد التنظيف للنازحين الداخلين في جميع المحافظات المتضررة.
وبات الصراع المتصاعد، والقدر الهائل من الاحتياجات الإنسانية المطلوبة في شتى أنحاء الإقليم، يشكل خطراً كبيراً على العاملين في مجال الرعاية الصحية. ففي عام 2015، زادت الهجمات ضد العاملين الصحيين وضد المرافق الصحية في أفغانستان بنسبة 50%، وأصبحت سوريا الآن المكان الأخطر في العالم، بالنسبة للعاملين الصحيين. وفي باكستان ألغيت، في عام 2015 وحده، خمس جولات خاصة بحملات التطعيم، بسبب وجود تهديدات أمنية خطيرة. وما يزال هذا الاتجاه المقلق مستمراً، في ظل ورود بلاغات، كل شهر تقريباً، عن هجمات تُشن على العاملين في مجال الرعاية الصحية، وعلى المرافق الصحية في الإقليم. وتقوم المنظمة، بالتعاون مع الشركاء في مجال الصحة، بتوفير قاعدة بيانات في الزمن الحقيقي عن الهجمات التي توجه ضد مرافق الرعاية الصحية، والعاملين في هذا المجال، وذلك كمشروع تجريبي يهدف إلى توفير المعلومات والآراء اللازمة بشأن الدعوة إلى وقف مثل هذه الهجمات، وحماية العاملين الصحيين.
على الجانب الآخر، أدى نقص اللقاحات وانخفاض معدلات التطعيم، مقروناً بالتحركات الجماعية الكبيرة والمتنامية للسكان، إلى زيادة خطر تفشي شلل الأطفال والحصبة بين الأطفال. ففي البلدان التي تواجه حالات طوارئ من المستوى الثالث، تم خلال 2015، تطعيم أكثر من 13 مليون طفل، كعدد إجمالي، ضد شلل الأطفال. وشمل ذلك الأطفال في مناطق يصعب الوصول إليها، ومناطق تسيطر عليها المعارضة، وكذلك مناطق تكتنفها مخاطر شديدة. وأجريت في 2015، ولأول مرة على مدى عقد من الزمان، حملة تمنيع شاملة على مستوى القُطر، ضد الحصبة في الصومال، مستهدفة تطعيم 4.4 مليون طفل ضد هذا المرض. وما تزال حملات التطعيم ضد شلل الأطفال مستمرة في الصومال، في أعقاب استئصال هذا المرض منه، حيث لم يتم الإبلاغ عن أي حالة منذ آب/أغسطس 2014. وكذلك، تم في أفغانستان، تطعيم ما يزيد على 9 ملايين طفل ضد شلل الأطفال من خلال حملات تمنيع أجريت على المستوى الوطني ودون الوطني، بالإضافة إلى 1.2 مليون طفل في منطقة الحدود مع باكستان. ومن جهة أخرى، تم تطعيم أكثر من 6 ملايين طفل ضد الحصبة، خلال 2015. وفي إطار مواجهة فاشية الحصبة المندلعة في السودان، أجريت بنجاح حملة شاملة على المستوى الوطني، تم خلالها تطعيم 8.6 مليون طفل تتراوح أعمارهم ما بين ستة أشهر وخمسة عشر عاماً.
وما يزال تعزيز أنشطة ترصُّد الأمراض، بالتعاون مع السلطات الوطنية، يمثل أولوية بالنسبة لمنظمة الصحة العالمية في البلدان المتأثرة بالأزمات. ففي الجمهورية العربية السورية، تم توسيع نطاق نظام الإنذار المبكر بالأمراض والاستجابة لها، الذي يقع مقره في دمشق، حيث أصبح يضم 995 موقعاً خافراً في عام 2015، مقارنة بـ 650 موقعاً خافراً في عام 2014، في حين تغطي شبكة الإنذار المبكر بالأمراض والاستجابة لها، التي يديرها مكتب المنظمة في غازي عنتاب، 517 موقعاً خافراً تقع في شمال سوريا. وتسعى نُظم الترصُّد هذه معاً، إلى تغطية جميع المحافظات، وكل الناس الموجودين في سوريا. وعلى صعيد آخر، تم في 2015، إدخال نظام للتحذير من تلوث المياه والاستجابة له في دمشق وفي ريفها. وكذلك، يُجرى حالياً في العراق التوسُّع في شبكة للإنذار المبكر والتحذير والاستجابة، تضم نحو 80 موقعاً خافراً. كما تم تكثيف جهود التأهُّب في البلدان المتجاورة لمنع انتشار الأمراض عَبْر الحدود. وأُقيم، لأول مرة في ليبيا، نظام للإنذار المبكر بالأمراض، من خلال 100 موقع خافر تنتشر في جميع أنحاء البلاد.
في غضون ذلك، يتزايد تدريجياً عدد المرضى الذين تتطلب حالاتهم المعالجة من الإصابات الرضحية. ففي سوريا وحدها، تعرض نحو مليون شخص للإصابة في الربع الأول من عام 2015، بمعدل 250 000 إصابة شهريا. أما في اليمن، فقد سُجِّل عدد الوفيات والإصابات الناجمة عن الأسلحة المتفجرة، خلال الفترة من كانون الثاني/يناير حتى تموز/يوليو 2015، بأنه الأعلى في العالم. وقد أدى هذا الارتفاع، إضافة إلى انخفاض تواجد وكالات الإغاثة على الأرض نتيجة لانعدام الأمن، إلى مزيد من الطلب على خدمات منظمة الصحة العالمية وشركائها، من أجل سد الفجوات الحرجة وضمان توافر خدمات معالجة الإصابات الرضحية والخدمات الجراحية، وكذلك خدمات الإحالة. وتم تقديم العلاج لما يزيد على 17 مليون حالة لمرضى مصابين بأمراض مزمنة، وأمراض سارية، وإصابات رضحية، وتقديم رعاية أولية وثانوية لأشخاص مصابين بأمراض مختلفة. وتم تقديم الدعم التقني، والمالي، و/أو المادي للشركاء في مجال الصحة في شمال سوريا، من أجل تقديم نحو 1.7 مليون مشورة طبية، وتوليد ما يقرب في 25 ألف طفل. وتبرعت المنظمة بمستلزمات جراحية لدعم نحو 2000 تدخل من التدخلات الجراحية الكبرى، وذلك في مستشفى يقع تحت الأرض، لمعالجة الرضوح.
وفي ليبيا، قدَّمت المنظمة مجموعات أدوات علاج الرضوح ومجموعات الأدوات الصحية المستخدمة في حالات الطوارئ، فضلاً عن الأدوية المنقذة للحياة، بما في ذلك الإنسولين وأدوية فيروس نقص المناعة البشرية واللقاحات ومواد التخدير وعلاج داء الليشمانيات والسل، تكفي لتغطية 300 ألف شخص.
وفي أفغانستان، تلقَّى ما يزيد على 1.2 مليون شخص خدمات الرعاية الصحية الأولية من خلال مراكز صحية فرعية مؤقتة، وعيادات متنقلة، أقيمت بدعم من المنظمة، كما استفــــاد أكثر من 300 000 شخص من توفير مجموعات الأدوات الصحية والمستلزمات الطبية الخاصة بالطوارئ.
وفي جيبوتي، قدَّمت المنظمة عتائد معالجة الرضوح، والعتائد الصحية الخاصة بالطوارئ، وأدوية معالجة الأمراض الإسهالية، والمضادات الحيوية، والأدوية المضادة للملاريا، وكذلك المعدات والإمدادات الطبية إلى مستشفى أوبوك الإقليمي، الذي يواجه ارتفاعاً بنسبة 20% في الطلب على خدمات الرعاية الصحية، بسبب الـمُخيّم المركزي للاجئين، الذي أُقيم لإيواء اللاجئين اليمنيين بالقرب من تلك البلدة.
وفي السودان، وفَرت المنظمة نحو 600 طن من الأدوية، والإمدادات الطبية، والمعدات والمستلزمات الخاصة بالمياه والإصحاح، تكفي لتغطية احتياجات نحو 1.8 مليون شخص، كما دعمت المنظمـــة أداء 24 عيــــادة ثابتــة ومتنقلة لوظائفهـــا في تســع ولايـــات، تغطـــي أكثــــر من 500 ألف شخص.
وقامت المنظمة بتقديم الدعم لأنشطة بناء القدرات لتعزيز مهارات العاملين الصحيين وسد الثغرات الناجمة عن نقص العمالة. ففي سوريا، تم تدريب ما يزيد على 20 000 من المديرين والعاملين الصحيين في مختلف أنحاء القُطر، وذلك في مجالات من قبيل معالجة الرضوح والإسعافات الأولية والرعاية الصحية الأولية والصحة الإنجابية وترصُّد الأمراض والتدبير العلاجي للأمراض غير السارية. وفي اليمن، تم تدريب أكثر من 50 من الأفرقة الطبية المتنقلة و20 من الأفرقة الطبية الثابتة في 11 محافظة، ومن ثَم نشرها لتقديم حِزمة متكاملة من خدمات الرعاية الصحية الأولية. كما قُدِّم الدعم إلى 18 مستشفى في سبع من أكثر المحافظات تضرراً، بما في ذلك تقديم الدعم للأطباء، والجراحين، وأطباء أمراض النساء، والأطباء النفسيين، واختصاصيي التغذية. وكذلك في العراق، تم تدريب ما يَربو على 10 آلاف من المهنيين الصحيين، في مجالات ذات صلة بطب الطوارئ، كما تم نشر 58 من المهنيين الطبيين في مخيمات اللاجئين في شمال العراق.
وفي السياق ذاته، تم دعم بناء القدرات في كل من أفغانستان، والسودان، والصومال، وليبيا، سعياً إلى تعزيز قدرات العاملين الصحيين في المجالات ذات الصلة بخدمات الطوارئ، والخدمات التشخيصية، والترصُّد، والصحة النفسية، والوقاية من الأمراض ومكافحتها.
في هذه الأثناء، ما تزال المنظمة وقطاع الصحة/المجموعات الصحية في البلدان التي تواجه حالات طوارئ، تعاني من نقص التمويل. ففي عام 2015، تم تمويل متطلبات قطاع الصحة/المجموعات الصحية، في إطار خطط الأمم المتحدة للاستجابة لمقتضيات الطوارئ في ثمانية من بلدان الإقليم، بنسبة 39%، في حين بلغت نسبة تمويل المتطلبات الخاصة بالمنظمة 36%. ونتيجة لذلك، تم خفض العديد من البرامج والخدمات في الصومال والعراق، كما توقفت، لستة أشهر، خدمات العيادات المتنقلة الخاصة بالمجتمعات المحلية المعرضة للمخاطر في المنطقة ج، في الضفة الغربية.
إدارة المخاطر الصحية
بُغْيَة توحيد إجراءات التأهُّب للطوارئ والاستجابة لمقتضياتها في البلدان، تم إعداد إطار عمل شامل للتأهُّب للطوارئ يعتمد نهج مواجهة جميع الأخطار، وذلك في اجتماع تشاوري تقني دولي، تم خلاله التأكيد على عشرة إجراءات ذات أولوية، يتعين تنفيذها على المستوى القُطري، وتتوافق مع اللوائح الصحية الدولية. وتم، إثر ذلك، إجراء بحوث ميدانية في خمسة بلدان من أجل التحقق من فاعلية إطار العمل.
وتم إعداد حزمة عامة تشتمل على إجراءات عمل معيارية، لدعم أنشطة التخطيط للطوارئ من أجل التأهُّب ومجابهة مرض الإيبولا أو أي مرضٍ معدٍ آخر قد يقع في البلدان. وتم أيضاً إعداد حزمة محاكاة شاملة لدعم البلدان في اختبار خطة التأهُّب للطوارئ في قطاع الصحة. وتم إطلاع جميع البلدان على هذه الحزمة من أجل تسريع وتيرة عملية التخطيط.
وتم إيلاء اهتمام كبير لتعزيز قدرات المرافق الصحية والمستشفيات من أجل التأهُّب للطوارئ والاستجابة لمقتضياتها. ومن ناحية أخرى تم إعداد مقرر دراسي شامل عن إدارة مخاطر الطوارئ والكوارث، وذلك دعماً لتدريب مديري المستشفيات في مجال تعزيز القدرات، وقد تم بالفعل تقديم الدورة التدريبية الأولى من هذا البرنامج. وتم أيضاً الانتهاء من أداة منظمة الصحة العالمية لتقييم مستويات السلامة في المرافق الصحية، كما تمت ترجمتها إلى اللغتين العربية والفرنسية، بما يلبي الاحتياجات الإقليمية في هذا الشأن.
وعلى صعيد آخر، تم إعداد حزمة خاصة بالتدريب السابق للنشر، ويجري التخطيط لتقديم خمس دورات من هذا البرنامج، من أجل تعزيز القدرات لتلبية الاحتياجات المفاجئة في الإقليم. ويتم ربط ذلك بقائمة الخبراء الذين يجرى نشرهم إبَّان الأزمات الإنسانية.
تنفيذ الاستراتيجيات التي أقرّتها اللجنة الإقليمية
تمت تقوية مجال الطوارئ في المكتب الإقليمي من خلال إعادة هيكلة فريق الطوارئ وتعزيز قدراته. وستكون هناك إعادة هيكلة أخرى، بحسب الاقتضاء، للتحقق من اتساق ذلك مع الإصلاحات العالمية التي أقرها المجلس التنفيذي في كانون الثاني/يناير 2016. وتم افتتاح المركز الإقليمي لحالات الطوارئ الصحية واستئصال شلل الأطفال، في عمَّان، في كانون الثاني/يناير 2016، من أجل مواصلة عمل المنظمة في مجال استئصال شلل الأطفال، وكذلك لضمان جاهزية المنظمة لمواجهة حالات الطوارئ المصنَّفة بدرجات، وطوارئ الصحة العمومية.
وتم، في كانون الثاني/يناير 2016، تفعيل الصندوق الإقليمي للتضامن في حالات الطوارئ، بهدف ضمان تمويل يمكن التنبؤ به للاستجابات المفاجئة/السريعة للكوارث الطبيعية أو التي هي من صنع الإنسان، في هذا الإقليم. وتم أيضاً، في 2015، تفعيل مركز المنظمة للخدمات اللوجستية، الذي أنشئ في المدينة العالمية للخدمات الإنسانية بدبي، لضمان توفير الأدوية، والمستلزمات الطبية، والمعدات الطبية الحيوية في الوقت المناسب، لبلدان هذا الإقليم وما وراءه.
في هذه الأثناء، تم تشكيل فريق استشاري إقليمي معني بالتأهُّب للطوارئ والاستجابة لمقتضياتها، بهدف توفير المشورة بصورة مستقلة للمدير الإقليمي، ومساعدته فيما يختص بالسياسات والأمور الاستراتيجية. وتم التوسُّع في قائمة الخبراء الداخليين والخارجيين في مجال الاستجابة السريعة في الإقليم، من أجل النشر في حالات الطوارئ، وذلك من خلال برامج التدريب السابق للنشر في مجال الصحة العمومية والتبليغ عن المخاطر.
وفي ظل تواصل عبور الطوارئ للحدود، يتعيَّن التحقق من اتباع نهج أكثر تنظيماً وأكثر فاعلية، سواء داخل البلدان أو عَبْر الإقليم، للاستجابة للاحتياجات الصحية للمجموعات السكانية المتضررة، وكذلك لضمان استمرار النظم الصحية في جميع البلدان المتضررة في تقديم الخدمات الصحية الماسَّة والعاجلة للسكان، من النازحين ومن المجتمعات المحلية المستضيفة لهم. وتُدرك المنظمة، على نحو مطَّرد، أن الحلول للتحديات الصحية الكبرى تتطلب تنسيقاً جيداً وموسَّعاً، وإجراءات ومشاركة من جانب القطاعات الأخرى. وإن أي استراتيجية صحية فعَّالة تستتبع إشراك المجتمعات المحلية المتضررة نفسها، فضلاً عن أصحاب المصلحة المعنيين من مختلف التخصصات، والحكومة، والجهات الفاعلة غير الحكومية، والبرلمان. وهذا يشمل إقامة شراكات أكثر قوة مع السلطات الصحية، والمنظمات غير الحكومية، والقيادات المجتمعية، والانخراط مع المؤسسات الأكاديمية، وطلاب كليات الطب. ولكي تكلل الجهود بالنجاح، ستواصل المنظمة تقوية منظومة العمل الإنساني ودعم عملية الإصلاح الجارية من أجل تحسين طريقة عملها أثناء الطوارئ.
وتعمل المنظمة على تكثيف الدعوة إلى حماية العاملين في مجال الرعاية الصحية، وحماية المرافق الصحية، بحسب ما ينص عليه القانون الدولي، بما في ذلك اتفاقيات جنيف، وكذلك إتاحة حرية الوصول في البلدان التي تدور فيها صراعات.