يتناول التقرير السنوي الذي بين أيديكم الأعمال التي اضطلعت بها منظمة الصحة العالمية في إقليم شرق المتوسط لعام 2016. ويُركِّز هذا التقرير على الإنجازات البارزة التي تحققت تنفيذاً للأولويات الاستراتيجية الخمس التي اعتمدتها بلدان الإقليم في عام 2012؛ وهذه الأولويات هي: تعزيز النُظُم الصحية من أجل بلوغ التغطية الصحية الشاملة، وصحة الأمهات والأطفال، والأمراض غير السارية، والأمراض السارية، والتأهُّب لحالات الطوارئ والاستجابة لها.
ولا يزال هدف تحقيق التغطية الصحية الشاملة في صميم عملنا في الإقليم. ففي عام 2016، حُدِّث إطار العمل الإقليمي بشأن الارتقاء بالتغطية الصحية الشاملة، الذي يُقدِّم للبلدان خارطة طريق واضحة فيما يتصل بالأنشطة الرئيسية التي يجب القيام بها لإدراك هذا الهدف. كما يُمثِّل الإطار دليلاً لرصْد التقدُّم الـمُحرَز وتحديد نوع الدعم الذي تستطيع منظمة الصحة العالمية وسائر الشركاء في مجال التنمية تقديمه.
واستجابة للتحدِّيات المتعلقة بقُدُرات القوى العاملة الصحية في الإقليم، أُعِدَّ إطار عمل لتنمية القوى العاملة الصحية استناداً إلى الاستراتيجية العالمية بشأن الموارد البشرية الصحية التي اعتمدتها جمعية الصحة العالمية في أيار/مايو 2016. وإدراكاً من المكتب الإقليمي لأهمية طب الأسرة باعتباره النهْج الرئيسي لتقديم الرعاية الصحية الأولية المتكاملة التي تُركِّز على الأشخاص في الإقليم، أعد المكتب الإقليمي بالتعاون مع الجامعة الأمريكية في بيروت دورة تدريبية إلكترونية مدتها ستة شهور بهدف تعزيز إعداد أطباء الأسرة في الإقليم. كما بذل المكتب الإقليمي جهوداً أخرى بُغية تعزيز التعليم الطبي من خلال تنفيذ إطار العمل لإصلاح التعليم الطبي. وشهد العام 2016 إطلاق إطار إقليمي شامل لتعزيز التمريض والقبالة، استرشدت به الدول الأعضاء في إعداد استراتيجياتها الوطنية في هذا المضمار.
وسوف يواصِل المكتب الإقليمي ما يقوم به من عمل لتقوية نُظُم المعلومات الصحية. وأُدرِجت المؤشرات الرئيسية لرَصْد التقدُّم الـمُحرَز لبلوغ أهداف التنمية المستدامة في قائمة المؤشرات الأساسية الإقليمية، وحصلت بلدان الإقليم على الدعم اللازم لإجراء مراجعات شاملة لنُظُم المعلومات الصحية بها. ونُشِرت في عام 2016 مرتسمات صحية شاملة لجميع بلدان الإقليم عَرَضت الوضع الحالي، والتحدِّيات والثغرات، والفرص السانحة، وسُبُل الـمُضي قُدُماً. وقبل نهاية العام، استكملت بلدان الإقليم قاطبة، عدا بلد واحد فقط، تقييماتٍ شاملةً لنُظُم تسجيل الأحوال المدنية والإحصاءات الحيوية بها، وأعدت خطط عمل وطنية لتحسين هذه النُظُم.
وتأسيساً على ما تحقق من إنجازاتٍ من خلال تنفيذ خطط تسريع وتيرة التقدُّم في مجال صحة الأمهات والأطفال في البلدان التي تنوء بعبء مرتفع لوفيات الأمهات والأطفال، ركَّزت المنظمة بالتعاون مع اليونيسف وصندوق الأمم المتحدة للسكان على تقديم الدعم اللازم إلى البلدان من أجل التصدِّي للأسباب الرئيسية لوفيات الأمهات وحديثي الولادة والأطفال عن طريق تبنِّي تدخُّلات فعالة لقاء التكلفة وذات تأثير كبير، وإيلاء الأولوية لجودة الرعاية الصحية للأمهات وحديثي الولادة، وتعزيز الرعاية السابقة للحمل. كما جدَّد المكتب الإقليمي الجهود الرامية إلى الوقاية من الاضطرابات الخِلقية والوراثية وتدبيرها العلاجي.
وأعدَّت المنظمة أدواتٍ لدعم إدماج القضايا المتعلقة بنوع الجنس والإنصاف وحقوق الإنسان في السياسات والخطط الوطنية، وجرى تجريب هذه الأدوات في عام 2016. واستمر التعاون الوثيق مع وكالات الأمم المتحدة المعنية وجامعة الدول العربية من أجل تعزيز الصحة وحقوق الإنسان والقضايا المتعلقة بنوع الجنس في العالم العربي. وفي مجال السلامة على الطرق، ما فتِئَت المنظمة تضطلع بدورٍ تقني لوضع المعايير من خلال عملها على جوانب مختلفة للوقاية من الإصابات الناجمة عن حوادث المرور ومكافحتها. وعُقِدَت مشاورات للخبراء لالتماس مُدخَلات كبار الخبراء الإقليميين والعالميين بشأن تعزيز العمل من أجل الوقاية من الإصابات الناجمة عن حوادث المرور والرعاية الطارئة في الإقليم.
وانصبَّ التركيز في عام 2016 على بناء القُدُرات الوطنية لإعداد خطط العمل الوطنية المتعددة القطاعات المعنية بالنشاط البدني، وخطط التسويق الاجتماعي وإطلاق حملات عبر وسائل الإعلام لتعزيز النشاط البدني في أوساط المجتمعات. وقدَّمت المنظمة الدعم التقني إلى البلدان لرصْد النمو وإعداد المبادئ التوجيهية بشأن النُظُم الغذائية المستندة إلى الأغذية، ومكافحة السمنة والوقاية منها، وتعزيز النظام الغذائي الصحي.
ودأب المكتب الإقليمي، كما في الأعوام السابقة، على تقديم الدعم إلى البلدان لتنفيذ إطار العمل الإقليمي بشأن الأمراض غير السارية. وركَّزت الجهود المبذولة على وضع خطط عمل متعددة القطاعات للوقاية من الأمراض غير السارية ومكافحتها، وإدماج الأمراض غير السارية في الخطط الوطنية للتنمية، بما في ذلك إطار الأمم المتحدة للمساعدة الإنمائية وخطط التعاون، ووضع الغايات الوطنية لمكافحة الأمراض غير السارية. كما قدَّم المكتب الإقليمي الدعم إلى البلدان لتعزيز أنظمة ترصُّد الأمراض غير السارية وعوامل الخطر المرتبطة بها. وخلال عام 2016، شاركت البلدان في دراسة استقصائية حول القُدُرات القُطرية لتقييم التقدُّم الـمُحرَز في مجال مكافحة الأمراض غير السارية. وسوف تُستَخدَم نتائج هذه الدراسة الاستقصائية لإثراء عملية التخطيط ولدعم البلدان في رفع تقارير إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وجمعية الصحة العالمية في عام 2018 حول ما أحرزته من تقدُّمٍ في هذا الصدد. وفي مجال مكافحة السرطان، قدمت المنظمة الدعم من أجل وضع إرشادات إقليمية بشأن الكشف المبكِّر عن أمراض السرطان الخمسة ذات الأولوية في الإقليم، وإعداد المسوّدة الأولى من إطارٍ إقليمي للوقاية من السرطان ومكافحته. وركَّزت الأنشطة الرامية إلى مكافحة تعاطي التبغ على تنفيذ اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ على الصعيد الوطني. وتواصَلت الجهود لدعم الدول الأعضاء في تنفيذ الإطار الإقليمي لتوسيع نطاق العمل في مجال رعاية الصحة النفسية.
ويبشِّر التقدُّم الـمُحرَز في مجال استئصال شلل الأطفال بالنجاح، ولم يكن الإقليم أكثر قرباً من استئصال شأفة هذا المرض كما هو اليوم. ففي أفغانستان وباكستان، وهما البلدان اللذان لا يزال يتوطن فيهما شلل الأطفال، انخفضت أعداد الحالات المصابة بالمرض بنسبة 50% عما كانت عليه في عام 2015 لتصل إلى 33 حالة في عام 2016. وإلى جانب الجهود المبذولة في كلا البلدين، نفَّذت عشرة بلدان أخرى في الإقليم أنشطة التمنيع التكميلي على المستويين الوطني ودون الوطني للوصول إلى مستوياتٍ عالية من المناعة بين السكان وللحدِّ من المخاطر. ونجحت جميع البلدان في التحوّل من استخدام اللقاح الفموي الثلاثي التكافؤ المضاد لشلل الأطفال إلى نظيره الثنائي التكافؤ في منتصف عام 2016 وفق الخطة العالمية.
وفي مجال الوقاية من الأمراض التي يمكن توقِّيها باللقاحات ومكافحتها، ركَّز الدعم الذي قدَّمته المنظمة إلى الدول الأعضاء على زيادة التغطية بالتمنيع، وتحسين سلسلة الإمداد، والارتقاء بجودة البيانات وتحسين الترصُّد، وتنفيذ حملات التطعيم ضد الحصبة، وإنشاء لجنة إقليمية للتحقُّق من القضاء على الحصبة/الحصبة الألمانية والتهاب الكبد B. كما دعمت المنظمة إعداد خطط عمل وطنية بشأن مقاومة مضادات الميكروبات، وحدّدت مجموعة من الخبراء في المجالات المعنية بصحة الإنسان والحيوان بُغية تقديم يد العون إلى البلدان في هذه العملية.
ولا يزال الأمن الصحي يشكل مجالاً رئيسياً يثير القلق والاهتمام في الإقليم. وفي الفترة من نيسان/أبريل حتى كانون الأول/ديسمبر 2016، قدمت المنظمة والشركاء الدعم إلى عشرة بلدان في الإقليم لتنفيذ عمليات تقييم خارجي مشترك للقُدُرات الواجب تحقيقها بموجب اللوائح الصحية الدولية (2005). ومنذ ذلك الحين وضع بلدان اثنان خطط عمل وطنية بشأن بالأمن الصحي استناداً إلى النتائج التي خلص إليها التقييم الخارجي المشترك، كما تواصِل المنظمة تقديم الدعم إلى بقية البلدان لإجراء هذا التقييم ووضع خطط عملها الوطنية.
وبينما لا يزال الإقليم يواجه أزماتٍ لم يعرفها من قبل بالنظر إلى حجمها ونطاق تأثيرها، فقد شهد هذا العام تنفيذ برنامج منظمة الصحة العالمية الجديد لحالات الطوارئ الصحية على المستوى الإقليمي. وهذا البرنامج الجديد لا يُقرُّ بدور المنظمة الميداني من الناحية النظرية وحسب، بل يضمن كذلك تطبيق قواعد ذات وتيرة أسرع وأكثر بساطة وتنفيذ العمل على الأرض بسرعة أكبر وبطريقة مُبسَّطة. كما توسَّعت المنظمة في الشبكة العالمية للإنذار بحدوث الفاشيات ومواجهتها في الإقليم لتشمل جهات شريكة دولية جديدة تزخر بمجموعة من الخبراء الإقليميين، وذلك من أجل تقديم الدعم إلى البلدان من أجل الاستجابة لفاشيات الأمراض الـمُعدية وغيرها من حالات الطوارئ الصحية. وقد استجابت المنظمة لفاشيتي الكوليرا في اليمن والصومال على نحو فعّال من خلال تدخُّلات الصحة العامة المناسبة، ما ساعد على تفادي الوقوع في دوامة انتشار كبير للفيروس على المستوى الدولي. واستطاعت المنظمة للمرة الأولى منذ عدة سنوات الوصول إلى جميع المناطق الثمانية عشرة الـمُحاصَرة في الجمهورية العربية السورية، وتقديم الرعاية الـمُنقِذَة للحياة إلى مَن هم في حاجة إليها.
واستمر عقْد اجتماعات رفيعة المستوى للوزراء وممثِّلي الدول الأعضاء والبعثات الدائمة في جنيف قُبيل اجتماعات جمعية الصحة العالمية والمجلس التنفيذي. ومثَّلت هذه الاجتماعات فرصةً ممتازة، استعرضت فيها المنظمة مع وزراء الصحة وكبار المسؤولين الحكوميين التقدُّم الـمُحرَز في معالجة الأولويات الرئيسية منذ الاجتماعات السابقة. وكان لها أيضاً أثر إيجابي في تقوية مشاركة الدول الأعضاء في المناقشات الدائرة على الصعيد العالمي حول الصحة وإصلاح المنظمة. كما عُقِدت جلسات للإحاطة اليومية أثناء اجتماعات المجلس التنفيذي وجمعية الصحة، وفَّرت فرصاً إضافية أمام الدول الأعضاء في الإقليم للتفاعل والاتفاق على المواقف المشتركة التي تُؤثِّر على الإقليم.
وبعد أن توليت مهام منصبي في شباط/فبراير العام الجاري، شرَعت بدعم من فريق عمل مشكّل من مختلف الإدارات، في إعداد خارطة طريق واضحة تشمل مجموعة من الإجراءات الاستراتيجية التي توجّه عمل المنظمة في الإقليم على مدار السنوات الخمس المقبلة. وتركز خارطة الطريق على خمس مجالات ذات أولوية من مجالات الصحة العامة والتي نستهدفها بالإجراءات المقترحة، وهي: الطوارئ والأمن الصحي؛ والوقاية من الأمراض السارية ومكافحتها؛ والوقاية من الأمراض غير السارية ومكافحتها؛ وصحة الأمهات والأطفال وحديثي الولادة والمراهقين؛ وتعزيز النظم الصحية لبلوغ التغطية الصحية الشاملة. ولن يتحقق تقدمٌ في التصدّي لهذه المجالات ذات الأولوية إلا من خلال الالتزام والتعاون المستمرَّين في إطار نهج متعدد القطاعات.