أصحاب السعادة،
الضيوف الأكارم،
السيدات والسادة،
يطيب لي ويشرفني أن أكون بينكم اليوم في هذا الجمع المميز وذي الشأن الكبير.
اسمحوا لي لكي أتوجه بالشكر إلى الدكتور علوان على اختيار موضوع صحة الأم والطفل كمحور له الأولوية في عمل منظمة الصحة العالمية في المنطقة على مدى السنوات الخمس القادمة. واسمحوا لي أن أتوجه بالشكر أيضاً لشركائكم في مجموعة الأمم المتحدة للصحة H4+ - التي تضم منظمة اليونيسيف وصندوق الأمم المتحدة للسكان وبرنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الأيدز وهيئة الأمم المتحدة للمرأة والبنك الدولي – إضافة للكثير من شركائكم الآخرين على مشاركتهم في هذه المبادرة ودعمها.
ومن نافلة القول إن هذه القضية تستحوذ على اهتمامي، والحقيقة أنها ينبغي أن تكون كذلك لدى كل الموجودين هنا. فالارتقاء بصحة الأم والطفل أولوية لكل شخص معنا في هذه القاعة. ولهذا الغرض اجتمعنا اليوم. علينا العمل بجد، وأنا أرحب بكل الجهود المبذولة لتسريع التقدم في هذا المجال.
إنقاذ حياة الأمهات والأطفال... عبارة تحرك المشاعر. ما الذي يخطر ببالك عندما تسمعها؟
بالنسبة لي تستدعي هذه العبارة صوراً من الذاكرة، صور الأطفال المصابين بالأيدز في مالي، والأطفال المحرومين في كينيا، والأطفال المعاقين في كمبوديا.
وهنا الآن، وعلى مقربة منا، تستدعي الذاكرة صور الأمهات والأطفال في مجتمعاتنا، الأمهات المعرضات للأمراض، الأمهات والأطفال اللاجئين، الأطفال الذين يكابدون أشكالاً قاسية من سوء التغذية والتقزم في كثير من بلدان المنطقة، والأطفال العالقين وسط رحى الاضطرابات السياسية في المنطقة... بدل أن يكونوا في مأمن وسلامة وينشدون مستقبلاً أفضل وأزهى.
وتبقى الحقية المرة أنه في كل سنة يموت في منطقتنا قرابة 39,000 امرأة نتيجة مضاعفات تتعلق بالولادة ويموت ما يقرب من 923,000 طفل دون الخامسة من العمر لأسباب يمكن الوقاية منها. إن هذا الرقم يعني وفاة 107 نساء و2500 طفل كل يوم؛ إنها أرقام مؤلمة، تدل على أوجه من الإهمال والقصور في نظام الرعاية الصحية.
وخلف كل رقم من هذه الأرقام تكمن مأساة ووجوه من ظلوا على قيد الحياة. وجوه الأزواج الذين فقدوا أحبتهم، تعلوا محياهم علامة التساؤل والحيرة كيف سيكملون حياتهم دون صحبة ودعم شركاء حياتهم. ووجوه الأبناء الذين فقدوا من كان يلعب معهم، وأطفال آخرون تُركوا ليكبروا دون أم، وبلا رعاية وحماية لا يستطيع أحد أن يمنحها إلا الأم.
وهل تعلمون أن الأطفال الذين يفقدون أمهاتهم يزيد معدل وفاتهم في السنة الأولى من عمرهم خمسة أضعاف عن غيرهم من الأطفال، وأنهم إن بقوا على قيد الحياة يكونون أكثر عرضة للإصابة بسوء التغذية والإسهال والأمراض الأخرى.
كما أن فرصهم أقل في التحصيل العلمي وهم أكثر عرضة للعنف المنزلي.
وأكثر ما يحزنني هو أن كل هذه الحالات من الوفيات تقريباً يمكن تجنبها. إن 82% من حالات الوفاة قبل سن الخامسة تحصل في خمس دول فقط من دول المنطقة.
نحن نعتقد أن منطقتنا ثرية. فكيف يمكن إذاً أن تموت النساء والأطفال بهذه الأعداد بين ظهرانينا وفي بلداننا والبلدان المجاورة لنا؟ وكيف يمكن أن يكون معدل وفيات الأمهات والأطفال دون سن الخامسة هو ثاني أعلى معدل في العالم؟ كيف يمكن لنا أن نقبل بذلك؟
منطقتنا منطقة فتية، أكثر من 40% من سكانها أعمارهم دون 18 سنة، و12% دون سن الخامسة. وهذا يمثل ثروة هائلة للمستقبل.
تخيلوا معي حجم الإمكانيات التي يمكن أن توفرها هذه العقول الشابة لأسرها وبلدانها. إنها منطقة يسرك أن تكون فرداً فيها الآن. وينبغي أن تكون لكل فرد فيها الفرصة للمساهمة... لكن المؤسف أن كثيراً من أطفالنا لن تتاح لهم هذه الفرصة.
وكما تعلمون، فقد كان لي اهتمام خاص منذ وقت طويل بقضية مكافحة الفقر والجوع. لذلك لم أتفاجأ بمعرفة أن الوفيات بين الأمهات والأطفال ترتفع ارتفاعاً كبيراً لدى الأطفال المصابين بسوء التغذية ولدى المراهقات الحوامل، وفي المناطق الفقيرة والأرياف والمناطق التي تفتقر إلى خدمات الرعاية الصحية المناسبة أو حتى الكافية.
ومن يبلغ من أولئك الأطفال سن المراهقة، يكون سوء التغذية قد ترك بصمته على نموهم؛ وليس على نموهم البدني فحسب، بل وقدراتهم العقلية أيضاً. فالأطفال العليلون يصبحون كباراً عليلين؛ والفتيات العليلات يصبحن أمهات عليلات أيضاً ويبقين عرضة للمخاطر طيلة حياتهن. فهذه العوامل كلها متداخلة ومتربطة.
إن التنمية في منطقتنا ودولنا ومجتمعاتنا تعتمد على مدى قدرتنا على تغذية أطفالنا، وإعطائهم أفضل ما يمكن وضمان حصولهم على حقوق متساوية في التعليم والصحة وأن يكبروا ليكونوا أمهات صحيحات وآباء أصحاء، ليكونوا مواطنين أصحاء.
وأهم من ذلك كله، أن للنساء والأطفال في كل مكان الحق في الحياة.
عندما حددت الأهداف الإنمائية للألفية من قبل الأمم المتحدة عا م 2001 تحت شعار، العمل كجسد واحد، شعرت كغيري بالفخر بقادة العالم. وكنا نعلم جميعاً أن الأمر لن يكون سهلاً، لكننا تعهدنا والتزمنا جميعاً، وأعلم أنكم أنتم الموجودون هنا ما تزالون على العهد.
ولقد نجحت بعض دول هذه المنطقة، بالعمل الجاد وتخصيص الموارد الكافية، في تحقيق معدلات وفيات منخفضة جداً بين الأمهات والأطفال، وحققت أو في طريقها لتحقيق الهدفين الرابع والخامس من أهداف الألفية. وهذا أمر يدعونا للفخر جميعاً وأنا أشيد بما حققته هذه الدول.
وهناك دول أخرى تعاني من أحوال الفقر وارتفاع معدلات الولادات وتدني مستويات التعليم والصراع والحرب التي تدور جميعها في فلك الدائرة المفرغة لسوء التغذية وضعف الصحة والموت المبكر وتعززها. وهذا أمر لا يمكننا أن نفخر به.
لن تسطيع المنطقة ككل، ونحن سنحاسب ككل، أن نحقق أهداف الألفية، وفقاً لمسار التقدم الحالي. وأمامنا الآن ثلاث سنوات يجب أن ننجز فيها الشيء الكثير. لقد آن الأوان لنحدد أسباب الفشل، وأن نتفق على طريقة العمل القادمة والموارد اللازمة لتحقيق أهداف الألفية.
لذلك فقد جاء هذا الاجتماع في موعده. فهو يأتي استجابة للإستراتيجية العالمية للأمم المتحدة المعنية بصحة المرأة والطفل، التي تم إطلاقها عام 2010، ولتقرير لجنة المعلومات والمساءلة المعنية بصحة المرأة والطفل التي تأسست في إطار هذه الإستراتيجية. ولقد توصلت اللجنة، في تقريرها المقدم إلى الجمعية العمومية لمنظمة الصحة العالمية عام 2011 تحت عنوان "الالتزام بالوعود وقياس النتائج"، إلى عشر توصيات ملزمة لمتابعة النتائج والموارد، التي تجعل كافة المعنيين مسؤولين عن التزاماتهم حيال تنفيذ الإستراتيجية العالمية وتحقيق التقدم في إنجاز الهدفين الرابع والخامس من أهداف الألفية.
كما قامت لجنة أخرى من اللجان التابعة للأمم المتحدة، وهي لجنة السلع المنقذة لحياة النساء والأطفال، بتقديم بتوصيات في شهر سبتمبر عام 2012 بشأن كيفية زيادة فرص حصول الناس الأكثر ضعفاً في العالم على الأدوية المنقذة للحياة والمستلزمات الصحية.
وهذه هي المبادرات التي اجتمعنا من أجلها هنا اليوم.
فأنتم وزراء الصحة وكبار مسؤولي الصحة الممثلين للدول العشر ذات الأولوية في هذه المنطقة في هذا الشأن. وأنا أعلم بأنكم تعهدتم بإنقاذ أروح النساء والأطفال في بلدانكم، كما أعلم أن الشركاء في مجموعة الأمم المتحدة للصحة H4+ وغيرهم من المنظمات الحكومية وغير الحكومية ممثلون هنا اليوم وقد التزما بهذ الهدف أيضاً.
وليس وجودكم في دبي اليوم لدعم هذا الإعلان الهام أمراً من قبيل الصدفة. فلقد شهد هذا البلد جهوداً غير مسبوقة، كان على رأسها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، لإنقاذ حياة الأمهات والأطفال في شتى أرجاء الدولة. ولقد تمكنت دولة الإمارات بالفعل من خفض معدل وفيات الأطفال من 22 بالألف من الولادات الحية عام 1990 إلى 7 بالألف عام 2011. وهذا يمثل خفضاً بنسبة تزيد على الثلثين.
ويؤمن صاحب السمو الشيخ محمد، رئيس الوزراء، مثله مثل الكثير منا في هذه القاعة، إيماناً راسخاً بأهمية صحة الأم. ولقد تمكنت دولة الإمارات عام 2004 من تحقيق هدفها عندما وصل معدل وفيات الأمهات عند الولادة إلى صفر%. وما تزال تحافظ على هذا المعدل حتى الآن.
وكلنا فخر بما تم إنجازه، فرغم طول المدى لتحقيق ما نسعى له، إلا أننا قطعنا شوطاً كبيراً حتى الآن.
ولقد آن الأوان لنا لكي نجتمع معاً ونتفق على ما ينبغي تحقيقه بحلول عام 2015 وما يجب أن نستمر بتحقيه بعد عام 2015، وعلى كيفية تحقيق ذلك.
إن معظم ما ينبغي فعله مفهوم بمنطق الحس السليم: المقاييس السليمة وزيادة الموارد والمكان المناسب والتوقيت المناسب. هذا ما تحتاجه الأمهات والأطفال. وهذا شيء من حقهم أن يتوقعونه. ولقد آن الأوان لنحشد ما لدينا من خبرات وقدرات جماعية لنساعدهم في الحصول على حقهم في الحياة... وحقهم في الصحة.
شكراً لكم