في ظل النزاع القائم، يعيش أطفال اليمن حياةً يطغى عليها الفقر وسوء التغذية والأمراض، محرومون من طفولة هادئة. تشير التقديرات إلى أن 5 ملايين طفل في البلاد يعانون من سوء التغذية الحاد.
وراء هذا الرقم، توجد قصص عديدة لأطفال يواجهون سوء التغذية، أُسرٌ تكافح لتوفير العلاج، ورحلاتٍ تقوم بها هذه الأُسر للبحث عن المساعدة. لا يكافح الشعب اليمني فقط من أجل الحفاظ على سلامة أطفالهم وحمايتهم من ويلات الحرب، بل أيضاً من الموت جوعاً ومرضاً نتيجة للفقر الذي تفاقم بسبب الأزمة المستمرة. وفي الوقت نفسه، نظام صحي ينهار تحت وطأة الصراع.
لقد أدت الأزمة الاقتصادية والإنسانية الناجمة عن الصراع في اليمن إلى تدمير النظام الصحي في البلاد، مما أدى إلى تعطيل الخدمات الأساسية في المرافق الصحية في جميع أنحاء البلاد. ومع عجز النظام عن معالجة تزايد ظهور الأمراض، تكافح الأسر للحصول على الرعاية الطبية الأساسية.
يجسد الدكتور جمال البابلي، طبيب متخصص في مركز التغذية العلاجية في مستشفى باجل بمحافظة الحديدة، بصيص أمل للكثيرين وسط هذا اليأس. مدفوعاً بطموحه في أن يصبح طبيباً، وشغفه لرفع المستوى الصحي، حقق الدكتور البابلي حلمه وأكمل دراسته الطبية في خضم الصعوبات التي يمر بها اليمن. وعلى الرغم من استمراره في مواجهة تحديات هائلة، إلا أنه يكافح بلا كلل لإنقاذ حياة الأطفال الذين يُعانون من سوء التغذية والأمراض.
يعمل الدكتور البابلي ضمن شبكة من أربعة مراكز تغذية علاجية مدعومة من قبل منظمة الصحة العالمية ضمن الدعم المقدم من الصندوق المركزي للاستجابة الطارئة (UNCERF). حيث توفر هذه المراكز التدخلات التغذوية المنقذة للحياة والإمدادات الطبية الأساسية والأكسجين والمياه النظيفة للأطفال الذين يعانون من سوء التغذية والجفاف والأمراض الأخرى.
خلال النصف الثاني من عام 2023، تم إدخال ما يصل إلى 1,876 طفلاً دون سن الخامسة إلى هذه المراكز، كثير منهم من مناطق نائية ذات وصول محدود إلى الرعاية الصحية. غالباً ما تتجاوز أعداد الحالات القدرة الاستيعابية للمركز، ليتم إحالتها بشكل اضطراري إلى مرافق أخرى غالباً ما تكون مزدحمة. يصل بعض الأطفال إلى المركز وهم مصابون بالجفاف أو في مرحلة حرجة بسبب عدم قدرة عائلاتهم على إسعافهم في الوقت المناسب، ليكونوا بذلك في حاجة ماسة إلى رعاية طارئة لإنقاذ حياتهم. وخلال الفترة نفسها، تم علاج 1876 طفلاً تقل أعمارهم عن 5 سنوات واستفاد مقدمو الرعاية لهم من جلسات الاستشارة والإرشاد. بالإضافة إلى ذلك، ولضمان الكشف والإحالة المناسبة، تم فحص حوالي 8,703 طفل دون سن الخامسة للكشف عن أشكال مختلفة من سوء التغذية، وتم تحديد 40٪ منهم مصابين بسوء التغذية الحاد، وجرى تحويلهم إلى برامج التغذية العلاجية لتلقي العالج.
يقول الدكتور البابلي وهو يشارك حالة لطفل لم تتمكن عائلته من تحمل تكاليف علاجه وهو في حالة حرجة: "لم يكن بإمكاننا الوقوف مكتوفي الأيدي، قمنا بتوفير الرعاية الصحية الجيدة مجاناً. معظم الأطفال الذين يتم إدخالهم إلى المركز (99% منهم) لا تتحمل أسرهم تكاليف العلاج. وبفضل التعاون ما بين منظمة الصحة العالمية والصندوق المركزي للاستجابة الطارئة، أصبح هذا الدعم مجانياً مما ساهم بشكل كبير في تقليل معدلات الوفيات بين الأطفال".
لقد كان للعلاج المجاني دوراً كبيراً في خفض معدلات وفيات الأطفال، مما يبرز تأثير مشروع منظمة الصحة العالمية والصندوق المركزي للاستجابة الطارئة. ومع ذلك، فإن تكلفة العلاج ليست العقبة الوحيدة. يمكن أن يكون الوصول إلى المركز مكلفاً أيضاً على العائلات التي يتعين عليها جمع الموارد الشحيحة التي بالكاد تملكها لتوفير الاحتياجات الأساسية. الدعم الذي تقدمه المنظمة لتوفير تكاليف المواصلات يخفف من هذا العبء الذي تتحمله أسر الأطفال. حيث تقوم منظمة الصحة العالمية بشراء وتوزيع حقائب القبول وتغطية تكاليف النقل لمقدمي الرعاية، لمساعدتهم والحفاظ على كرامتهم.
لضمان صحة الأطفال على المدى الطويل، تُزوّد الجلسات الإرشادية الأسر بالمعرفة الأساسية حول ممارسات التغذية السليمة وممارسات الرضاعة الطبيعية الخالصة، وكيفية المتابعة مع برنامج التغذية العلاجية في قسم العيادات الخارجية للحصول على الأدوية عند الحاجة. كما تدعم منظمة الصحة العالمية أنشطة التنمية المبكرة للطفولة في المساحات الصديقة للرضع لتعزيز عملية تعافي الأطفال الصغار.
ومن خلال هذا التعاون، يقدم ما يقرب من 112 عاملاً طبياً مدفوع الأجر رعاية منقذة للحياة، حيث تلقوا تدريباً أساسياً لتعزيز جودة تقديم الخدمات. وقد ساهمت هذه الخدمات المجانية بشكل واضح في خفض معدل وفيات الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية وذلك من خلال تقديم طوق نجاة للأسر التي لا تستطيع تحمل تكاليف علاج أطفالها.
وقد استفاد الدكتور البابلي نفسه من التدريب المقدم، واكتسب مهارات متخصصة في علاج الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية. وأوضح قائلاً: "لقد أصبحت أكثر ثقة في عملي. حيث منحني العمل في مركز التغذية العلاجية مجموعة جديدة من المهارات والمعرفة. تعلمت التشخيص السريري وطرق علاج الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، والذين يختلفون عن غيرهم من الأطفال في طرق العلاج".
وأكمل الدكتور البابلي: "إن تجربتي في التعامل مع الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية جعلتني أكثر شغفاً للمساهمة في رفع مستوى الصحة. القدرة على إنقاذ حياة طفل أهلكه سوء التغذية والمرض، لا تقدر بثمن فهي الحياة بذاتها". إن تفاني الدكتور البابلي الذي يملأه الشغف، يمنح الأمل في كفاح اليمن من أجل مستقبل أكثر صحة لأبنائه.
وبدعم من الصندوق المركزي للاستجابة الطارئة، لم تكتف منظمة الصحة العالمية بتلبية احتياجات الأطفال الذين يعانون من مضاعفات سوء التغذية الحاد الوخيم، بل وفرت أيضا الرعاية الصحية للمرضى الذين يتم احالتهم من المجتمع المحلي والمرافق الصحية الأخرى، ذلك عبر تقديم الدعم لمستشفيات الإحالة في ثلاث مديريات. كما قدمت منظمة الصحة العالمية الأدوية الأساسية والإمدادات الطبية والاختبارات التشخيصية السريعة. كما دعمت ترصد الأمراض من خلال دعم فرق الاستجابة السريعة في المناطق المستهدفة للكشف عن الفاشيات والاستجابة لها على وجه السرعة. وقد استفاد أكثر من 22000 مريض من الخدمات الصحية وخدمات الإحالة التي تقدمها منظمة الصحة العالمية وشركاؤها من المنظمات غير الحكومية الوطنية.