3 كانون الثاني/ يناير 2024 - "بعد سنوات من المعاناة، أشعر أخيرًا بأنني قادرة على استعادة السيطرة على مصيري"، هكذا عبَّرت هناء، ابنة التاسعة والعشرين ربيعًا، عن حالتها بعد أن عانت سلسلة متتابعة من الفواجع والخسائر الشديدة الوطأة.
فقبل عَقد من الزمن، اضطرت هناء إلى الفرارِ من منزلها عندما اشتد القتالُ قرب قريتها في شمال غرب سوريا. وتركت أقاربها دون أن تودعهم، وهي لا تعلم هل ستلقاهم مرة أخرى أم لا.
وبعد أن لجأت إلى مخيم السنديان في محافظة إدلب، كافحت هناء وزوجها وأطفالها الثلاثة للحصول على الكفاف من العيش. ولكن المصاعب التي قاستها هناء في المخيم أضرَّت بصحتها النفسية ضررًا جسيمًا.
وقد تضررت الصحة النفسية لكثير من الناس في شمال غرب سوريا بسبب ما يزيد على 12 عامًا من الصراع والنزوح وانعدام سبل العيش وتكالب الظروف المعيشية القاسية، والزلازل التي ضربت المنطقة في شباط/ فبراير 2023.
وتشير تقديرات المنظمة إلى أن ما يقرب من مليون شخص في شمال غرب سوريا يعانون اضطرابًا ما في الصحة النفسية، وأن 230000 شخص منهم يعانون اضطرابًا وخيمًا في الصحة النفسية.
دوامة الفقد والخسائر لا تتوقف
تعرضت هناء للإجهاض بينما كانت في الشهر السابع من حملها بطفلها الخامس. وأصابها شعور شديد بالفقد وتملكها الخوف وغمرها القلق.
وبعد ذلك بستة أشهر، ضربت الزلازل المدمرة شمال غرب سوريا وجنوب تركيا، ففقدت هناء أختها وأطفال أختها الأربعة في خسارة مأساوية شديدة.
وأحست هناء بأنها عالقة في دوامة من الفقد والخسائر، وفقدت شهيتها وخسرت أكثر من 28 كيلوغرامًا من وزنها، ولم تعد قادرة على رعاية أطفالها.
خطة تَعافٍ لهناء
لاحظ أحمدُ، زوج هناء، تدهور صحتها النفسية والبدنية وأراد بشدة أن يساعدها. فشارك في جلسة للتوعية بشأن الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي نظمتها منظمة إحياء الأمل، وهي من شركاء منظمة الصحة العالمية. وعندما عرف أحمد الخدمات المتاحة، توجه مع هناء إلى عيادة الصحة النفسية في المخيم.
فأُجريت لهناء سلسلة من التقييمات النفسية الاجتماعية، ووُصِفت لها أدوية، ووُضِعت خطة لتعافيها. وشملت الخطة 8 جلسات علاج مع اختصاصية علم نفس، من أجل استكشاف مشاعر هناء وأفكارها وسلوكياتها.
وسرعان ما لوحظت تغيرات إيجابية واضحة على هناء، واستعادت قدرتها على رعاية أطفالها، وعادت من جديد إلى التواصل مع أقاربها. وعلاوة على ذلك، تحسنت عاداتها الغذائية، واستقر مزاجها.
وقالت اختصاصية علم النفس المسؤولة عن هناء: إن "خدمات الصحة النفسية ضرورة ملحة في ظل الظروف المعيشية القاسية في هذه المخيمات. وخدمات الصحة النفسية التي نقدمها لهناء ولكثير غيرها تزوِّد الأشخاص بمهارات التعامل السليم مع التوتر النفسي، وتبنِّي أفكار جديدة وإيجابية، وتوجيه انفعالاتهم".
وعلى إثر رؤية ما حققته هناء من تحسُّن، التمست والدتها أيضًا الدعمَ في عيادة الصحة النفسية.
وقالت هناء: "كانت رحلتي صعبة قاسية، ولكن هذه الخدمات قادتني في نهاية المطاف إلى البهجة والقوة".
الحاجة إلى مواصلة الدعم وتوسيع نطاقه
لا تزال خدمات رعاية الصحة النفسية نادرة في شمال غرب سوريا. ولا تُقدَّم خدمات العلاج النفسي إلا في أربعة مرافق صحية، ويوجد طبيبان نفسيان فقط يخدمان السكان البالغ عددهم 4.5 ملايين نسمة. وقد اضطلعت المنظمة بدور محوري في دعم هذه المرافق، من خلال بناء القدرات والإشراف التقني وتوفير الأدوية النفسانية وغيرها من الأدوية.
وفي عام 2023، وبتمويل سخي من الصندوق المركزي لمواجهة الطوارئ، دعمت المنظمةُ تقديم خدمات الصحة النفسية للنازحين داخليًّا والمجتمعات المستضيفة في شمال غرب سوريا. وقد فعلتْ ذلك عبر خدمات الصحة النفسية الموجودة في مرافق الرعاية الصحية الأولية، وبإنشاء عيادات متخصصة للصحة النفسية وفرق متنقلة للدعم النفسي الاجتماعي للصحة النفسية.
وتضم عيادات الصحة النفسية الُمنشأة في المخيمات طبيبًا مقيمًا للعمل على سد الثغرات في مجال الصحة النفسية، وطبيين نفسيين، وثلاثة عاملين في مجال الصحة النفسية الاجتماعية. وتعمل كل عيادة بوصفها مركزًا للخدمات المتكاملة؛ فهي تقدم الاستشارات الفردية، وجلسات التثقيف النفسي، ودعم الأقران. ولتوسيع نطاق عمل العيادات، تعقد الفرق المتنقلة جلسات توعية وتقدم الخدمات في المناطق النائية في شمال غرب سوريا.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الفريق العامل التقني المعني بالصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي في شمال غرب سوريا، الذي تقوده المنظمة، يدعم إجراء تقييمات الصحة النفسية والتقييمات النفسية الاجتماعية، وإعداد خرائط الخدمات، وإدماج خدمات الصحة النفسية في مرافق الرعاية الصحية الأولية والثانوية لضمان زيادة إتاحة هذه الخدمات.