قدَّم فخامة الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري اليوم دعماً شخصياً رفيع المستوى لـ "مصلحة زرع الأعضاء البشرية"، التي تمّ تدشينها مؤخراً في بلاده، وذلك بتوقيعه على بطاقة تبرع بأعضائه بعد الوفاة في احتفال أقيم اليوم، الخميس، 22 تموز/يوليو في بيت بيلاوال في كراتشي.
وتقوم هذه "المصلحة" الجديدة على التبرع بالأعضاء من المانحين بعد وفاتهم، ومن ثمَّ فإنها تمنَع التجارة غير القانونية في الأعضاء.
وقال الدكتور حسين عبد الرزاق الجزائري، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط: "لقد قَطَعَت باكستان خطوة مهمّة في تفعيل هذا القانون الجديد لتنظيم زرع الأعضاء البشرية. وهي بذلك تضرب مثلاً رائعاً لسائر البلدان. فالمتاجرة بالأعضاء أمر غير أخلاقي، وهي تتنافى مع تحقيق الصحة والعدالة، لكل من البائع والمتلقي للأعضاء البشرية".
وقد ظهرت عمليات نقل الكلى في باكستان في أواخر ثمانينات القرن الماضي. وبدأ الأمر بتبرعات من أفراد عائلات المرضى، إلا أنه مع نهاية التسعينات كانت أغلبية الكلى تُشترى من قاطني القرى المحيطة بالمدن الكبرى. وفي عام 2003، كانت أغلب عمليات زرع الكلى تجرَى في مستشفيات خاصة، في مدن إقليم البنجاب. وطبقاً لآخر الإحصاءات المتاحة، والتي تعود إلى عام 2005، فقد تم خلال ذلك العام إجراء ألف وخمس مئة عملية نقل للأعضاء على أساس تجاري، علانيةً في باكستان.
وجاء في مقالة ظهرت في نشرة "زرع الأعضاء السريري"، نَشَرَها إلكتـرونياً مجموعة باحثين من سكوبيَه، في مقدونيا بتاريخ 6 تموز/يوليو 2010، وصفٌ لستة وثلاثين مريضاً سافروا من البلقان لشراء كُلَى من باكستان. وبعد إجراء عمليات لهم في لاهور وروالبندي، توفي منهم سبعة مرضى، بينما عانى كثيرون غيرهم من مضاعفات خطيرة مثل تلوث الجروح بالعدوى، وتجلط الشريان الكلوي، والتهاب الكبد "سي" النشيط، و الداء السكري السترويدي المنشأ، واحتشاء العضلة القلبية [الجلطة].
وفي الوقت نفسه، لا يكفُّ الأشخاص الذين باعوا كُلاهم عن القول بأنهم يعانون صحياً من جرّاء ذلك، في إشارة إلى شعورهم بالضعف العام وعدم القدرة على العمل لساعات طويلة.
وزرع الأعضاء هو المعالجة الحيوية الوحيدة لعدد من الأمراض المهلكة وغير المهلكة التي تصيب القلب والكبد والرئتين. وعلى الرغم من أن المرضى الذين يعانون من مراحل متأخرة من أمراض الكلى يمكن علاجهم بمعالجات بديلة (لاسيَّما الغسيل الكلوي)، لكنّ من المتّفق عليه أن نقل الكلى يمثِّل المعالجة الـمُثْلَى من حيث جودة الحياة وارتفاع المردود. وتُعَدُّ عمليات زرع الكلى هي الأكثر انتشاراً على الإطلاق، من بين عمليات نقل الأعضاء البشرية على الصعيد العالمي.
وقد أجريَت نحو مئة ألف وتسع مئة عملية زرع للأعضاء في العالم عام 2008 (طبقاً للمعلومات الواردة من مئة وأربع بلدان، يُجرَى فيها 99% من عمليات زرع الأعضاء في العالم). وبلغ عدد عمليات زرع الكلى 300 69 عملية، يليها زرع الكبد 330 5، وزرع القلب 330 5، ثم زرع الرئة 330 3.
ويفوق الطلب على الأعضاء البشرية ما هو متوافر منها في جميع بلدان العالم. وتقدِّر منظمة الصحة العالمية أن المتوافر من الأعضاء لا يلبـِّي إلا عُشر الاحتياجات العالمية الحالية، مما يشجِّع على عرض حوافز للتبرُّع والتربُّح واستغلال البؤساء.
وقد لاحظت جمعية الصحة العالمية عام 1987، أن تحويل زرع الأعضاء إلى تجارة، يمثِّل انتهاكاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ولروح دستور منظمة الصحة العالمية. وبناءً عليه أعدَّت المنظمة وثيقة قانونية لتنظيم زرع الأعضاء، أسفرت عن إقرار مجموعة من المبادئ الإرشادية، من قِبَل جمعية الصحة العالمية عام 1991. وتشجِّع هذه المبادئ التبرُّع الطوعي وتُجرِّم الـمُتاجرة بالأعضاء البشرية. وفي أيار/مايو 2010، أصدرت جمعية الصحة العالمية قراراً آخر (22.63) يصادق على مجموعة من المبادئ الإرشادية المحدَّثة حول زرع الخلايا والأنسجة والأعضاء البشرية. ويُبرز هذا القرار المخاطر الصحية المرتبطة بالاتِّجار في المواد البشرية، كما يُبرز الحاجة إلى دعم كافة الأطراف للقضاء على هذه التجارة وزيادة التبرعات من المانحين المتوفين.
وفي آذار/مارس من عام 2010، وافقت الحلقة التشاورية العالمية الثالثة حول التبرُّع بالأعضاء البشرية وزرعها، على استهداف تحقيق الاكتفاء الذاتي، من خلال الارتقاء بمستوى التدابير الوقائية (من قبيل حملات تعزيز أنماط الحياة الصحية)، وذلك للحدّ من أعداد الأشخاص الذين يحتاجون لزراعة الأعضاء، وتشجيع المواطنين على الاقتداء بما فعله الرئيس زرداري اليوم: ألا وهو إبداء الالتزام حيال المجتمع من خلال وَهْب أعضائه ليستفيد منها آخرون بعد وفاته. ولاريب في أن تأمين إمدادات كافية من التبرعات الطوعية بالأعضاء البشرية، يمثِّل أسلوباً حاسماً للقضاء على تجارة زرع الأعضاء، و"السياحة بغرض زراعة الأعضاء".