تعيش النساء – عادةً – أطول من الرجال، لكنهن لا تنعمن خلال هذه السنوات بالضرورة بالصحة والمعافاة، فهنالك ظروف وأوضاع صعبة لا تمر بها إلا النساء ولا يعاني من آثارها السلبية إلا هن، ويعكس هذا الوضع حالة واسعة الانتشار من الإجحاف وعدم المساواة التي تئن تحن وطأتها النساء في كثير من المجتمعات.
هذه واحدة من النتائج التي خرج بها التقرير الذي أعدَّته منظمة الصحة العالمية عن "المرأة والصحة" والذي يتم إطلاقه هذا اليوم الموافق 9 من تشرين الثاني/نوفمبر 2006، ليلقي ضوءاً كثيفاً على الاحتياجات الصحية للنساء والمساهمات التي يمكنهن تقديمها لمجتمعاتهن في المجال الصحي، كقوة مؤثـِّرة في المجتمع وباعتبارهن من المقدمين الرئيسيِّـين للرعاية الصحية.
ويقدِّم التقرير تقصياً لأوضاع النساء الصحية، ولاسيَّما خلال سنوات الخصوبة بين 15 و49 عاماً. ومن النتائج التي يكشف عنها التقرير في هذا الصدد أن معظم التحدِّيات الصحية خلال هذه المرحلة تكون من نصيب الفتيات والشابات الصغيرات مثل مضاعفات الحمل والولادة التي تُعَدُّ السبب الرئيسي للوفاة بين النساء في المرحلة العمرية بين 15 و19 عاماً في البلدان النامية. ومثل مرض الإيدز والعدوى بفيروسه الذي يعد السبب الرئيسي للوفاة بين النساء في سن الإخصاب على الصعيد العالمي.
في الوقت نفسه تمثِّل الأمراض المزمنة والإصابات والاعتلالات النفسية أسباباً رئيسية لوفيات النساء، فالإصابات الناجمة عن حوادث الطرق سبب رئيسي لوفيات المراهقات في جميع أقاليم منظمة الصحة العالمية تقريباً. كما أن الانتحار المصحوب بالتعرُّض للعنف من جانب شريك الحياة، والحروق والحوادث التي تقع أثناء الطهي هي من بين أسباب الوفاة بين النساء. ويُعَدُّ السلوك الانتحاري مشكلةً من مشكلات الصحة العمومية الكبرى بين الفتيات والنساء. بينما يُعَدُّ الاكتئاب من أسباب العجز بين النساء في كافة المراحل العمرية. وبصفة عامة يترافق تشيُّخ النساء مع مضاعفات على صعيد الأمراض المزمنة مثل الأمراض القلبية وفقد الإبصار، وهي أمراض تفضي إلى العجز رغم أن بالإمكان توقيها من خلال إتاحة فرص أفضل للرعاية الصحية.
ومن الحقائق الهامة التي يكشف عنها التقرير أن معظم المشكلات الصحية التي تواجه النساء البالغات تعود أسبابها إلى مرحلة الطفولة، وأن مراعاة المحدِّدات الصحية مثل التغذية السليمة وتجنُّب سوء معاملة الأطفال وإهمالهم، وضمان بيئة داعمة في المرحلة المبكرة من الطفولة من شأنها أن تساعد الأطفال على النمو البدني والاجتماعي والعاطفي السليم وتجنُّب عبء الأمراض المزمنة والأمراض النفسية وتعاطي المواد المسبِّبة للإدمان في مقتبل حياتهن.
ويقول التقرير إن النساء يواجهن خذلاناً من مجتمعاتهن والنُظُم الصحية فيها من جراء التحيُّز الذي يتعرَّضن له. فالنساء يتكبدن تكلفة مادية أكبر من الرجال لأنهن أكثر احتياجاً للرعاية الصحية، ولكنهن في أغلب الأحيان يكن أكثر فقراً من الرجال ولا يحظَيْن بفرص عمل أو يعملن جزءاً من الوقت، أو يعملن في قطاعات غير رسمية لا توفِّر مزايا صحية. ويؤكِّد التقرير أن إزاحة العقبات المادية التي تحول بين النساء والرعاية الصحية هي أمر أساسي لتحسين صحة المرأة. ويسوِّق التقرير دلائل من الواقع على أن إلغاء مصروفات إيتاء الرعاية الصحية، ولاسيَّما المتعلقة برعاية الحوامل وحالات الوضع، تشجِّع على الإقبال على هذه الخدمات، على أن يترافق توفير الرعاية المجانية مع بذل جهود لضمان جودة الخدمات المقدَّمة وتلبيتها للحاجات الفعلية للشابات والنساء.
ومن المتناقضات التي يكشف عنها التقرير أن النساء – وهن المقدمات الأساسيات للرعاية الصحية – هن الأقل حظاً في الحصول على الخدمات التي تلبي بالفعل احتياجاتهن من النُظُم الصحية.
ولا يكتفي التقرير باستعراض المشكلات والاحتياجات الصحية للمرأة ولكنه يسعى إلى تحديد المجالات الرئيسية للإصلاح سواء داخل القطاع الصحي أو خارجه، ولاسيَّما على صعيد تغيير التوجُّهات المجتمعية المتحيزة ضد المرأة، وتعزيز المحدِّدات الاقتصادية والاجتماعية ذات التأثير على أوضاعها الصحية، وكذلك تعزيز المعارف بالأوضاع الصحية للمرأة ورصد التقدُّم فيها، وتحقيق تغييرات في السياسات العمومية التي تستهدف النساء.
وسوف يتم إطلاق التقرير في احتفال يقام بالمقر الرئيسي لمنظمة الصحة العالمية في جنيف، وذلك صباح هذا اليوم الاثنين 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2009، وسوف تستعرض التقرير السيدة مارغريت تشان المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية.