عشية الاحتفال باليوم العالمي لدحر السل، الذي يوافق 24 آذار/مارس كل عام، ووسط مؤشرات عن تباطؤ وتيرة التقدُّم في مكافحة هذا المرض على الصعيد العالمي، دعت منظمة الصحة العالمية المجتمع الدولي إلى النهوض بالتدخلات الصحية التي يقودها القطاع العام، وتشجيع المزيد من الاستثمارات في المجالات التي لا يستفاد منها على نطاق واسع، مثل مقدِّمي الرعاية الصحية التابعين للقطاع الخاص، والمنظمات غير الحكومية، لاكتشاف حالات الإصابة الجديدة بالسل وتوفير المعالجة للمزيد من المصابين به.
ويكشف تقرير منظمة الصحة العالمية الذي يصدر هذا الأسبوع تحت عنوان (( المكافحة العالمية للسل 2008 )) أن معدل التقدُّم تم إحرازه من قبل في مكافحة السل الذي قد تباطأ عام 2006 – أحدث الأعوام التي تـتوافر حولها بينات عن المرض. وترصد المعلومات الجديدة تباطؤاً في التقدم المحرز على صعيد تشخيص الحالات المصابة بالسل؛ فبينما كان متوسط معدل الحالات المكتشفة من السل يتزايد بنسبة 6% في المدة من عام 2001 إلى عام 2005، تقلصت هذه النسبة إلى النصف لتصبح 3% فقط عام 2006.
ويعود السبب في هذا التراجع إلى أن بعض البرامج الوطنية التي خطت خطوات واسعة خلال الأعوام الخمسة الماضية، لم يعد بمقدورها مواصلة التقدم على الوتيرة نفسها عام 2006. بل إن معظم البلدان الأفريقية لم تحقق أية زيادة في معدل اكتشاف حالات الإصابة بالسل من خلال برامجها الوطنية.
وقد أظهرت دراسات أخرى أن الكثيرين من المرضى يتلقون المعالجة عن طريق مقدِّمي الرعاية من القطاع الخاص، ومن خلال منظمات غير حكومية وهيئات دينية ومجتمعية، وهكذا لا يتم اكتشافهم أو تسجيلهم عن طريق البرامج الحكومية.
وعن تصدِّي إقليم شرق المتوسط لمرض السل يقول الدكتور حسين عبد الرزاق الجزائري، المدير الإقليمي لشرق المتوسط: (( يتطلب الوضع تصدياً أكثر تناغماً، من خلال تبني مدخلٍ متعدد القطاعات يركز على تقوية قدرات البرامج الوطنية، وتقويم الاستثمارات القائمة، وإيجاد استثمارات تستهدف مقدِّمي الرعاية الآخرين )).
وأضاف الجزائري (( أن الإقليم سجل في السنوات الماضية تحسناً في نسبة اكتشاف الحالات الجديدة ومعالجتها، وقد أبلت بعض البلدان بلاءً حسناً، بينما تعمل بلدان أخرى على تطوير أدائها )). غير أن أمامنا الكثير مما ينبغي عمله؛ فمعدل اكتشاف الحالات الجديدة في الإقليم لا يتجاوز 52% في عام 2006 مقابل المعدل المستهدف عالمياً وهو 70% - وفق المرامي التنموية للألفية – والذي بدوره لا يلبي ما نصبو إليه.
وأكَّد المدير الإقليمي على أهمية وجود تدخلات رشيدة من كافة المعنيين مثل الحكومات والقطاع الخاص، والمجتمع المدني والإعلام والوكالات المانحة، وذلك في شكل شراكات إقليمية ودولية.
ويسهم إقليم شرق المتوسط – ببلدانه الاثنين والعشرين – بنسبة 6% من مجموع حالات السل المقدَّرة والمبلغ عنها في العالم.
ويتسبَّب السل، وهو مرض يمكن الوقايـة والشفـاء منه شفاءً تاماً، في وفـاة 108 ألف شخـص في الإقليـم بواقـع 300 وفاة تقريباً يومياً. وأعراض السل الشائعة هي السعال لمدة تزيد عن اسبوعين، وفقدان الوزن، والحمى والبصاق المدمم. ويمكن الشفاء من السل من خلال برنامج معالجة يمتد من ستة إلى ثمانية أشهر فيما يسمى باستـراتيجية "الدوتس"، أي المعالجة القصيرة الأمد تحت الإشراف المباشر، التي قدَّمتها منظمة الصحة العالمية في التسعينيات من القرن الماضي.
وقد حقَّقت بلدان الإقليم تقدُّماً مبهراً في توسيع نطاق المنشآت الصحية التي تطبِّق استـراتيجية الدوتس حتى أصبح تشخيص السل ومعالجته مجانياً.
وقد أعلن الدكتور الجزائري أن إقليم شرق المتوسط سيطلق هذا العام (( الشراكة الإقليمية لدحر السل وهي مبادرة طال انتظارها وخطوة نحن في مسيس الحاجة إليها )). والتصوُّر أن تكون الشراكة تعهداً من الحكومات والمجتمع المدني والإعلام والقطاع الخاص بالعمل معاً لتحقيق هدف - هو في منتهاه – تخفيف عبء السل كمشكلة من مشكلات الصحة العمومية في الإقليم.
وأوضح المدير الإقليمي أن الشراكة الإقليمية أمر ضروري لسد الهوة التمويلية التي ستـتزايد مع التراجع المتوقع في ميزانيات برامج مكافحة السل، في معظم البلدان في المستقبل القريب.
ويرفع اليوم العالمي لمكافحة السل هذا العام شعار (( أقوم بدوري في دحر السل )). وهو مناسبة للتعبير عن التقدير لقصص معاناة أناس أصابهم السل منهم النساء والرجال والأطفال، وآخرين تصدُّوا للمرض وقاموا بدحره منهم ممرضون وأطباء وباحثون وعاملون في المجتمع، وكثيرين غيرهم ممن ساهموا في المعركة ضد السل.
كما يؤكِّد موضوع وشعار هذا العام على حاجتنا للإقرار بأهمية كل شريك من الشركاء، ودعوة للاستفادة من التباينات، وتعزيز نقاط التشابه والأمل في مستقبل أفضل. ويؤكِّد الشعار أن كل بلد، وكل شريك، ملتـزم بدحر السل من خلال شراكة فعَّالة وقوية يجمعها صوت واحد ومهمة واحدة هي الالتـزام بدحر السل.