تعزيز الرعاية الجراحية والجراحة المأمونة تحدٍّ هام أمام القائمين على ضمان سلامة المرضى على الصعيد العالمي والإقليمي، وهو يهدف إلى الحد من المضاعفات التي تعقب الجراحة وتؤدي إلى وقوع حالات عجز أو وفاة
أو – على أقل تقدير – تمديد فتـرة مكوث نسبة لا يستهان بها من المرضى في المستشفيات. وتـتـراوح هذه النسبة بين 3% إلى 25% من المرضى.
وتعني تلك النسبة أن سبعة ملايـين مريض قد يتعرَّضون كل عام للمضاعفات التي تعقب الجراحة، وأن نسبة قد تصل إلى 10% من المرضى الذين يجرون عمليات جراحية هامة – حوالي مليون مريض – يتعرَّضون للوفاة من جراء نقص المأمونية الجراحية وانخفاض مستوى الرعاية الجراحية.
وقد لاحظت منظمة الصحة العالمية أن تطبيق تدابير المأمونية يتم بشكل متفاوت في ميدان الجراحة، حتى في الأماكن التي تأخذ بنصيب وافر من التطور، هذا في الوقت الذي يمكن – باتخاذ خطوات بسيطة – الحدّ من معدَّلات حدوث المضاعفات. وتشمل هذه الخطوات تحديد التوقيت المناسب لإعطاء المضادات الحيوية واختيار المناسب منها لكل حالة. وقد ثبت أن هذه الأمور يمكنها تخفيض معدَّل الإصابة بأنواع العدوى في أماكن إجراء الجراحة بنسبة تناهز 50%.
كذلك يمكن الحدّ من الأحداث المؤسفة التي يتعرض لها المرضى في المستشفيات مثل الأخطاء التقنية وإعطاء الأدوية غير المناسبة – والتي يرتبط نصفها بالرعاية والخدمات الجراحية – إذا ما تم التقيُّد بمعايـير الرعاية واستخدام أدوات المأمونية مثل القوائم التفقُّدية.
وقد أعدَّت منظمة الصحة العالمية دلائل لضمان مأمونية الجراحة وقائمة تفقُّدية بمعايـير المأمونية الجراحية يمكن تطبيقها في جميع البلدان والمواقع الصحية. وتبيِّن النتائج الأوّلية لعملية تقيـيم أجريَت في ثمانية مواقع رائدة في شتَّى أنحاء العالم أن القائمة التفقدية أسهمت في مضاعفة فرص تلقِّي المرضى العلاج طبقاً لمعايـير الرعاية الجراحية – مثل تلقِّي المضادات الحيوية قبل الخضوع للتدخُّل الجراحي والتحقُّق من أن فريق الجراحة سيُجري العملية المناسبة للمريض المناسب.
وعلى الرغم من أنه يُجرَى، على الصعيد العالمي، نحو 234 مليون من العمليات الجراحية الهامة كل عام، أي ما يعادل نحو عملية جراحية واحدة لكل 25 شخصاً، ويشهد كل عام خضوع 63 مليون نسمة لعمليات جراحية بغرض علاج إصابات حوادث وصدمات، وخضوع 10 ملايـين نسمة أخرى لتلك العمليات من أجل علاج مضاعفات تـتعلَّق بالحمل، وخضوع 31 مليون نسمة أخرى لها بهدف علاج مختلف السرطانات، فلم تعمد إلا دراسات قليلة أجريت على الصعيد العالمي إلى توحيد المعلومات الخاصة بالرعاية الجراحية أو جمعها بطريقة منهجية. وعليه فإن معظم التدخلات الجراحية التي تـتم في جميع أنحاء العالم لاتـزال غير مُسجّلة. ومن الضروري قياس مستوى الرعاية الجراحية على مستوى العالم لتعزيز مأمونيتها وتوقِّي الأمراض وتحسين الرعاية الصحية.
وتقود منظمة الصحة العالمية مبادرة دولية تحت عنوان (( الجراحة المأمونة تنقذ الأرواح ))، تـتعاون فيها مع أكثر من 200 من وزارات الصحة والجمعيات الطبية الوطنية والدولية ومنظمات المهنيـِّين من أجل الحد من الوفيات والمضاعفات الناجمة عن الرعاية الجراحية.
وتستهدف المبادرة تعزيز الرعاية الجراحية باعتبارها من العمليات العالية المردود، ولاسيَّما في البلدان النامية، وضمان إيتاء تلك الرعاية بطرق مأمونة مما يُسهم في تحسين فعاليتها دون زيادة تكاليفها.
وتولي المبادرة اهتماماً بكل ما يحيط بالتدخلات الجراحية مثل عمليات التخدير التي شهدت تقدُّماً هائلاً في العقود الثلاثة الأخيرة، بَيْد أن ذلك التقدُّم لم يلحق – للأسف – بجميع البلدان؛ ففي بعض المناطق يناهز معدَّل الوفيات المرتبطة بالتخدير حالة لكل 150 مريضاَ ممن يخضعون للتخدير العام. كما أن توخِّي الدقة في تلقِّي المرضى للعلاج المناسب، والمضادات الحيوية المناسبة من الجوانب الهامة لضمان الجراحة المأمونة.