(( يعج الموسم السينمائي الصيفي – في منطقتنا – لهذا العام بأفلام وأعمال فنية تجتذب الملايـين من الشباب وصغار السن. وهي تمثل فرصة فريدة لتمرير الرسائل إلى جموع هؤلاء الشباب عبر الوسيلة الأكثر قرباً إلى أنفسهم. وكم كنا نرجو أن يتواءم نوع ومحتوى هذه الرسائل مع أنماط الحياة الصحية التي تفيد هؤلاء الشباب ومجتمعاتهم. لكن الواقع يشير – بكل أسف – إلى عكس ذلك )).
بهذه الكلمات جدد مسؤولو منظمة الصحة العالمية صيحة التحذير التي سبق وأطلقتها المنظمة للتنديد بما أصبحت عليه الأعمال الدرامية من ترويج لاستهلاك منتجات التبغ وتعاطي سائر أشكال المخدِّرات والمسكرات.
وإذا كانت الدعوة السابقة قد وجِّهت أساساً إلى القائمين على الأعمال الدرامية التلفزيونية، لاسيَّما التي تُعرض خلال شهر رمضان، فإنها تختص هذه المرة بالأفلام السينمائية، وتتوجَّه بالنداء إلى صنَّاعها والقائمين عليها من فنانين وفنيِّـين ومنتجين للتخفيف من غلواء مشاهد التدخين وتعاطي الخمور والمسكرات تمشياً مع الشعار الذي رفعته المنظمة منذ عامين (( سينما بلا تدخين ))، والذي دعت فيه إلى تطهير الأعمال الفنية من كل المشاهد غير المبررة فنياً التي لا تستهدف إلا إغواء صغار المشاهدين بالإقبال على التدخين وسائر مواد الإدمان.
ومنذ ذلك الحين، تحرص المنظمة على متابعة محتوى الأعمال الفنية بمختلف قنواتها وقوالبها. ويبدو أن النتائج التي أُحرزت حتى الآن غير مرضية، بل وتبعث على القلق من تزايد معدل مشاهد تعاطي التبغ والمسكرات، رغم أن صانعي هذه الأفلام يعلمون جيداً أن معظم مشاهديهم هم من صغار السن الذين قد يصعب عليهم التفرقة بين ما يرونه على الشاشة وما يمكنهم أن يفعلوه في واقع حياتهم. بل يبدو الأمر أحياناً وكأنه محاولة مقصودة للإيقاع بهؤلاء الصغار في شرك إدمان التبغ وغيره من مواد الإدمان.
وقد علَّق الدكتور حسين الجزائري، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، على هذا الأمر بقوله:
(( لقد حان الوقت لأن يبدي السينمائيون والفنانون بصفة عامة – ومنهم الكثيرون الذين مدوا يد التعاون مع منظمة الصحة العالمية من أجل الوصول برسالة صحية هادفة إلى جماهيرهم العريضة – إيجابية أكثر في هذا الشأن، وأن يلتزم صناع السينما بتوضيح مصادر تمويل الأعمال الفنية بعد أن أصبحت بعض هذه الأعمال مؤخراً مجالاً خصباً لبعض شركات التبغ والمسكرات لتعمل من وراء الستار على الترويج لمنتجاتها بالمخالفة للقوانين والتشريعات )).
وجدير بالذكر أن اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ تلزم الدول بمطالبة دوائر صناعة التبغ بالكشف للسلطات الحكومية المعنيَّة عمَّا تنفقه هذه الدوائر على أنشطة الإعلان عن التبغ والترويج له ورعايته.
وتقول الدكتورة فاطمة العوا، المستشارة الإقليمية لمبادرة التحرُّر من التبغ بمنظمة الصحة العالمية، إنه (( من أهم بنود الاتفاقية الدولية لمكافحة التبغ، التي دخلت حيِّز التنفيذ في شباط/فبراير الماضي، وصارت قانوناً ملزِماً لجميع البلدان الموقَّعة عليها، الحظر النهائي والشامل للترويج لمنتجات التبغ للصغار بكل صوره، لكن ما نراه على شاشات السينما هذه الأيام هو ترويج لهذه المنتجات في قالب درامي للتحايل على تشريعات الحظر من جهة ولتحقيق تأثير أكبر على الشباب من جهة أخرى )).
ومن بين عشرات الأفلام التي ابتدأ بها الموسم الصيفي السينمائي بمصر وسائر المنطقة العربية، لا يكاد يخلو فيلم واحد من مشاهد مكثفة ومقدمة لشخوص من كافة الأعمار والفئات يتعاطون التبغ والمسكرات بلا انقطاع. كما أن بعض هذه الأفلام يعرض تعاطي المسكرات والتبغ وكأنه فعل يومي مقدَّس لكل أفراد المجتمع، وبعضها لا يفرق بين الإناث والذكور حتى في نسبة التعاطي.