بينما يحتفل العالم هذا الأسبوع باليوم العالمي لمكافحة السل (الدرن)، تتواصل المعركة العالمية لكبح جماح هذا المرض الخطير الذي يودي سنوياً بحياة مئات الألوف من البشر في كل مكان رغم الحقيقة المؤكَّدة بأن في الإمكان اتقاءه والنجاة من براثنه.
هذا العام يجري الاحتفال في ظل اتفاق من كافة أطراف المجتمع الدولي على سبل المواجهة الصحيحة للتحدي الذي يفرضه السل، وذلك من خلال (( الخطة العالمية لكبح جماح السل في ما بين عام ألفين وستة وعام ألفين وخمسة عشر)). والتي جاءت نتيجة لعمل تعاوني جاد شاركت فيه أربعمئة جهة ما بين منظمات دولية وبلدان وجهات مانحة ومنظمات حكومية وأهلية وأفراد.
لقد تم إعلان هذه الخطة في مؤتمر دافوس الاقتصادي العالمي الذي عقد في كانون الثاني/يناير الماضي، ويبلغ إجمالي تكاليف تنفيذها ستة وخمسين بليون دولار على مدى السنوات العشر القادمة. ويصيب إقليم شرق المتوسط من هذه التكاليف ثلاثة بليونات دولار على أقل تقدير..
ويُعَدُّ هذا الرقم هو الاستثمار الأكبر والأضخم في قضية صحية، لكنه الأكثر مردوداً إذ بإمكانه إنقاذ أرواح عشرين مليون إنسان بواقع مليوني إنسان في العالم كل عام على مدى عشر سنوات.
ويؤكد الدكتور حسين الجزائري المدير الإقليمي لشرق المتوسط (( أننا نستطيع إنقاذ أرواح ما يزيد على مليون وأربعمئة ألف إنسان في هذا الإقليم على مدى عشر سنوات، هذا بالإضافة إلى ملايين العائلات التي ستنجو من محنة المعاناة التي لا لزوم لها والتي يسببها السل )). ووجه المدير الإقليمي الدعوة إلى العمل على دعم الخطة العالمية والدعوة إلى المزيد من الالتزام السياسي، وإلى زيادة وعي الجماهير ومعرفتها بكل ما يتصل بالسل وحشد الموارد لضمان استمرار الجهود اللازمة لمكافحة السل في الإقليم على مدى السنوات العشر القادمة.
وقد أطلقت منظمة الصحة العالمية في حملتها لمكافحة السل هذا العام شعار (( من أجل الحياة.. نحو عالم متحرر من السل )).
ومن خلال هذه الحملة توجه المنظمة نداءً لمساندة الخطة العالمية لدخر السل بُغية إنقاذ ملايين الأرواح الذين يقتلهم السل بمعدل 5000 نسمة يومياً أغلبهم من أفقر مجتمعات العالم النامي. كما يصيب السل ملايين غيرهم. فحوالي ثلث سكان العالم مصابون بعدوى السل، أي لديهم عدوى كامنة يمكن أن تؤدي لاحقاً إلى تطور المرض.
ولم تعرف الإنسانية حالة طوارئ عالمية ممتدة مثل مرض السل إذْ أعلنت منظمة الصحة العالمية أن مرض السل هو حالة طوارئ عالمية منذ عام 1993. ذلك أن التأثير الصحي وكذلك الاقتصادي على المرضى وعائلاتهم هو تأثير مدمر على الرغم من أن الشفاء منه متاح بأدوية لا يتجاوز سعرها 14 – 18 دولاراً لكل مريض.
وتزداد فداحة الوضع من جراء التأثير المتبادل بين السل وفيروس العوز المناعي المسبب للإيدز، حتى أصبح السل السبب الرئيسي للوفاة بين المصابين بالإيدز. وبدورها، تعتبر العدوى بفيروس العوز المناعي البشري عامل خطر يؤدي لتطور عدوى السل الكامنة إلى سل ناشط. ثم إن ظهور السل المقاوم للأدوية المتعددة في كل بلدان العالم تقريباً جعل السل مشكلة صحة عمومية عالمية.
وعلى مدى سنوات تمثـَّلت المشكلة الرئيسية في الاعتماد على التقنيات القديمة والمبتورة لتشخيص المرض وعلاجه وضآلة الجهود المبذولة عالمياً لدحر السل.
ولكن مع الاستعانة بالتكنولوجيا الجديدة وما تملكه من إمكانيات مرموقة وكذلك مع الكشف المبكر للمرضى ومعالجتهم يمكن تحسين الصورة إلى حدٍّ بعيد.
وهذا هو جوهر استراتيجية المعالجة الكيميائية القصيرة الأمد تحت الإشراف المباشر (DOTS) والتي أثبتـت فعاليتها العالية في بعض بلدان آسيا وأمريكا اللاتينية. لكن الحاجة لاتزال ماسة لتعميم الاستفادة من هذه الاستراتيجية. ولعل بإمكان الشراكة العالمية لدحر السل، التي تأسست عام ألفَيْن من أجل التعجيل بالإجراءات الاجتماعية والسياسية لوقف انتشار هذا المرض في العالم، أن تحدث فارقاً ملموساً في سائر البلدان من خلال خطتها الطموحة.
فإذا ما سارت هذه الخطة على النحو المرجو فيمكن تحقيق جملة من الأهداف بحلول عام 2015 من بينها وقف وقوع السل والابتداء بخفض الإصابة بحلول 2015. هذا إلى تحقيق أهداف الشراكة وتجنب الوفيات وضمان جودة الرعاية وإدخال أدوية جديدة للعلاج ولقاحات مأمونة وفعَّالة.