تحتفل مصر بعلامة مضيئة في تاريخها. فقد مر أكثر من عام على عزل آخر فيروس بري لشلل الأطفال من البيئة وأكثر من عام ونصف على ظهور آخر حالة إصابة مؤكَّدة بمرض شلل الأطفال والتي وقعت في أسيوط في أيار/مايو 2004.
معركة طويلة وشرسة خاضتها مصر في مواجهة شلل الأطفال. ذلك المرض المغرق في القدم، والذي سجلت جدران المعابد الفرعونية إحدى حالات الإصابة به يعود تاريخها إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام. أحكم خلالها هذا الفيروس قبضته لاسيَّما في المناطق الأكثر ازدحاماً بالسكان.
يقول الدكتور حسين الجزائري المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط:
(( لقد كان وقف انتقال الفيروس في مصر تحدِّياً حقيقياً للبرنامج العالمي لاستئصال شلل الأطفال بأكمله )).
ويضيف (( إنه لمن دواعي سروري أن أرى الالتزام السياسي والجهود المكثفة لفريق وزارة الصحة والسكان على كافة الأصعدة وقد كلَّلت بالنجاح )).
لقد حظي برنامج استئصال شلل الأطفال في مصر منذ نشأته برعاية السيدة الأولى سوزان مبارك الأمر الذي أعطى البرنامج حافزاً قوياً ودعماً غير محدود. وعملت وزارة الصحة والسكان عن كثب مع (( المجموعة الاستشارية التقنية لاستئصال شلل الأطفال من مصر ))، لتطبيق توصيات هذه المجموعة وتوجيهاتها.
وتطلب التغلب على فيروس شلل الأطفال استخدام أفضل الوسائل والأدوات وأحدثها على الإطلاق. وعلى الرغم من تواصل جهود استئصال هذا المرض على مدى سنوات كثيرة، فقد مثَّل عام 2002 بداية مرحلة تكثيف الجهود، والتي تضمنت زيادة عدد أنشطة التطعيم التكميلية المنفذة من بيت إلى بيت عَبْر أنحاء البلاد وتحسين جودتها، مع التخطيط التفصيلي المتعمق والإشراف والمراقبة عن قرب للوصول إلى جميع الأطفال دون الخامسة من العمر في كل ركن من أركان البلاد. كذلك، تم رفع كفاءة الحملات إلى أعلى مستوى ممكن عَبْر استخدام أنواع اللقاح الملائمة لنمط الفيروس الموجود بمصر. وقد تحسَّنت جودة نظام الترصُّد وتم تطبيق الترصُّد البيئي التكميلي لزيادة حساسية نظام الترصُّد.
ويقول الدكتور حاتم الجبلي، وزير الصحة والسكان المصري:
((لم يكن النصر الذي نحتفل به اليوم ليتحقق دون جهود وزراء الصحة والسكان السابقين، وعشرات الآلاف من العاملين الصحيِّـين والمتطوعين المخلصين، وتجاوب الناس وتعاونهم والدعم الذي غمرنا به شركاؤنا النموذجيون )).
لقد قدَّم تحالف من الشركاء الدعم لوزارة الصحة والسكان وبذل كل جهد لازم لتحقيق هدف استئصال شلل الأطفال من مصر. وتعاونت منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للأطفال (اليونيسف) على توفير الدعم التقني الضروري والأمصال لتغطية أزمات التمويل.
وكان الروتاري الدولي حليفاً رئيسياً ومساهماً كبيراً في دعم البرنامج فقدَّم موارد مالية وإمدادات ثمينة وتطوع أعضاؤه بالوقت والجهد.
وقد ظل استئصال شلل الأطفال على رأس أولويات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID، وقد كان دعم هذه الوكالة، وكذا دعم الحكومة اليابانية ومؤسسة بيل وميلندا جيتس أساسيَّـين في توفير التمويل اللازم للدعم العملياتي والأمصال.
لاشك أن نجاح مصر في معركتها ضد فيروس شلل الأطفال مناسبة تستحق الاحتفال، ولكن يجب ألا ينسينا ذلك حقيقة أنه مادام الفيروس موجوداً في أية بقعة في العالم، تظل جميع البلدان مهدَّدة، ولاسيَّما البلدان ذات الوضع الجغرافي المعرض للخطر مثل مصر. وعليه، فإن مواصلة تأمين أعلى معدلات للتغطية الروتينية بالتطعيمات وتنفيذ أنشطة الترصُّد المطابقة لمستوى الإشهاد هي أمور جوهرية حتى يتحقَّق الهدف العالمي باستئصال شلل الأطفال.