تختتم غدا الخميس الندوة العالمية حول "رؤية الأديان السماوية ووجهة النظر العلمانية للتكاثر البشري وتكنولوجيا الوراثة" أعمالها التي تواصلت على مدى الأيام الثلاثة الماضية وطرحت العديد من القضايا العلمية الطبية المثيرة للجدل على مائدة البحث والنقاش المستفيض أمام نخبة من مفكرين وعلماء يمثلون هيئات دينية وعلمية و العشرات من كبار الشخصيات الدينية والعلمية الإقليمية والعالمية.
ما هي الخطوط الفاصلة بين المسموح والممنوع في البحوث والاكتشافات الطبية ذات الانعكاسات على المعتقدات والتراكيب الاجتماعية؟ وكيف ترى الأديان السماوية الثلاث من جهة والعلمانية من جهة أخرى القضايا الخلافية مثل الاستنساخ البشري والعلاج الجيني وأبحاث الخلايا الجذعية والخريطة الجينية وغيرها؟ ثم كيف يتم تضييق الهوة بين التلاحق السريع للبحوث وللاكتشافات الطبية المثيرة للجدل والبطء الملحوظ للبحوث المتعلقة بقياس انعكاسات هذه البحوث على القِيَم والمعتقدات والتراكيب الاجتماعية والنفسية للمجتمع البشري؟ نماذج لتساؤلات عديدة كانت منطلقا للحوار في هذه الندوة العالمية التي افتتحت أعمالها أول أمس الاثنين بمقر منظمة الصحة العالمية بالقاهرة بتنظيم مشترك من المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت، ومنظمة الصحة العالمية، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)،والمنظمات الدولية للعلوم الطبية و تحت رعاية وزير الصحة المصري الدكتور حاتم الجبلي.
وتضمن الافتتاح كلمات للدكتور حسين الجزائري، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، والدكتور عبد الرحمن العوضي، رئيس المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت، والدكتور حامد عيد ممثلاً للإيسيسكو.وشارك في افتتاحها فضيلة الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الجامع الازهر والدكتور جون براينت ممثل مجلس المنظمات الدولية للعلوم الطبية.
وقد أجمعت الكلمات الافتتاحية على تقدير كافة الأديان السماوية للعلم ومنجزاته لاسيما على الصعيد الطبي الذي يهدف إلى الارتقاء بحياة البشر والارتقاء بها إلى المعاني الطيبة التي يحبها الله في خلقه. لكنها نبهت في الوقت نفسه إلى خطورة الانبهار غير المتبصر بالمنجزات التكنولوجية والغلو في الاحتفاء بمنجزاتها دون اهتمام حقيقي بالبحث في الآثار الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية التي قد تترتب عليها ولاسيما إذا ما تم تجاهل وضع اطر أخلاقية وقانونية لضبطها.
أحد المحاور الهامة لهذه الندوة استهدفت الإجابة عن تساؤلات حول الإنسانية والخلق كما فطرهما الله، ومن ذلك: الصورة الإبداعية للخلق هل يمكن الخروج عليها وهل هي قابلة للتعديل والتحسين بواسطة البشر؟ وأي جوانب الخلق البيولوجي يمكن تعديلها وأيها يُعَدُّ من المحرمات التي لا يمكن انتهاكها؟ وإذا كان التعديل وارد على سائر المخلوقات فهل يكون للبشر مكانة مختلفة وهل تجب حمايتهم على نحو خاص؟ وهل هنالك مكانة أخلاقية للجين البشري سواء في مراحله الأولى أو الأخيرة؟
ثم انطلقت الندوة إلى أبعاد أخرى تستهدف استجلاء جوهر الأديان الثلاثة ورؤيتها للعلم وتطوراته وموقفها من القضايا الطبية الخلافية وتعمقت الندوة في هذا الصدد بغرض الخروج بنتائج مفادها أن الأديان يمكنها أن تتعايش في سلام بعضها مع بعض بدلاً من الصدام، وذلك من خلال مسيرة يقودها العلماء من كل التخصُّصات على المستوى العالمي للتقريب والتفاهم فيما بينها. هذا إلى جانب إقامة تعاون بين الهيئات المختلفة التابعة للديانات الإسلامية والمسيحية واليهودية والعلمانية وإقامة شبكة اتصالات بين هذه الهيئات للتشاور حول القضايا الخلافية.
على محور آخر ناقشت الندوة قضية الجينات وتكنولوجيا التكاثر والأسرة من خلال سؤال عن التكاثر التكنولوجي و هل يؤدي إلى انشقاق بين النشاط الجنسي والتكاثر، ومن ثـَمَّ يؤثـِّر على مبدأ تكوين الأسرة ذاتها ووضعية الأطفال؟
وفي هذا الصدد، تم طرح تساؤلات أخرى هي هل يُعَدُّ عدم الخصوبة مرض؟ وهل من الملائم لزوجين عاقرين استخدام التكنولوجيا التكاثرية لإيجاد أطفال؟ وما هي حدود الاستخدام الملائم لهذه التكنولوجيا وما تأثيرها على العلاقة الأصيلة بين الوالدين والأبناء؟ من زاوية أخرى هل من الملائم استخدام الاختبارات الجينية قبل الإنجاب لتحسين النسل، وتحديد جنس المولود أو ما تطلق عليه الندوة (( انتقاء وتصميم الأطفال حديثي الولادة )) ، هذه وغيرها من التساؤلات الشائكة سعى المشاركون إلى إيجاد إجابات عليها بُغية الخروج برؤية تحقق أفضل استثمار علمي أخلاقي للمكتشفات الطبية الحديثة بحيث تجني البشرية ثمار تقدُّمها دون وقوع في وهدة التطاول على طبيعة الخلق.
وسوف تعلن توصيات الندوة في الجلسة الختامية غدا الخميس.