في احتفالية أقيمت برعاية وتشريف سيدة مصر الأولى السيدة الفاضلة سوزان مبارك، أعلنت منظمة الصحة العالمية رسميا خلو مصر من فيروس شلل الأطفال وذلك بعد مرور حوالي عامَيْن على ظهور آخر حالة إصابة مؤكدة لشلل الأطفال في أسيوط في أيار/مايو 2004. وقد وصفت السيدة الفاضلة سوزان مبارك، سيدة مصر الأولى، هذا الإنجاز القومي بأنه علامة مضيئة في تاريخ مصر ونقطة هامة في سجل إنجازاتها. وأشادت بالجهود الحثيثة والدؤوبة لعشرات الآلاف من العاملين بوزارة الصحة والسكان وقياداتهم على مدى سنوات طوال على كافة المستويات. كما أشادت بجهود الجهات والمنظمات والهيئات المحلية والدولية التي تعاونت مع مصر لتحقيق هذا الهدف.
جاء ذلك في الكلمة الافتتاحية التي ألقتها سيادتها مساء أمس الأربعاء بمقر منظمة الصحة العالمية، بمناسبة الاحتفال الذي أقامته المنظمة لإعلان خلوّ مصر من شلل الأطفال وخروجها من قائمة البلدان التي يتوطن بها هذا المرض.
وفي الاحتفالية نفسها التي شارك فيها لفيف من كبار المسئولين والشخصيات العامة والإعلاميين وممثلو الهيئات والمنظمات المحلية والإقليمية والعالمية وسفراء الحكومات التي تعاونت مع مصر على التحرر من شلل الأطفال، وجه الدكتور حسين الجزائري المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط التهنئة للسيدة الفاضلة سوزان مبارك، سيدة مصر الأولى، على هذا الإنجاز العظيم وأكد أن اهتمامها الشخصي ودعمها القوي كان لهما أعظم الأثر والإسهام الأكبر في تحقيق هدف تخلص مصر من شلل الأطفال.
وأكد المدير الإقليمي أن معركة مصر مع مرض شلل الأطفال كانت طويلة وشرسة، إذْ مثَّل وقف سراية (انتقال) الفيروس في مصر تحدياً حقيقياً للبرنامج العالمي لاستئصال شلل الأطفال.
وقد أكَّد الدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة والسكان أن استئصال شلل الأطفال من مصر كان أحد الأهداف القومية التي استلزمت تضافر كافة الجهود وانتهاج استراتيجيات مبتكرة لم يسبق لها أن استُخدمت من قبل في أي بلدٍ آخر، تستهدف مشاركة عناصر المجتمع الفاعلة مما أدى إلى تراجع حالات شلل الأطفال المؤكَّدة بحيث لم يتم تسجيل أي حالة منذ أيار/مايو 2004. وأوضح الوزير أن تحقيق هدف الاستئصال تطلَّب جهود مئة ألف عامل صحي وممرضة و13 ألف مراقب صحي قاموا بتوزيع 15 مليون جرعة تطعيم باستخدام ثلاثة آلاف سيارة وبلغت تكلفة الحملات 300 مليون جنيه مصري. وتوجَّه بالشكر لمنظمة الصحة العالمية وكافة الشركاء مؤكِّداً أن دورهم كان له أبلغ الأثر في تحقيق هذا الإنجاز، كما نوَّه بدور المؤسسات المحلية والدولية في هذا الشأن.
وبدورها نوهت الدكتورة إرما ماننكور، ممثلة منظمة اليونيسيف بمصر، بنجاح مصر في القضاء على شلل الأطفال الذي اعتبرته بمثابة حركة اجتماعية كاملة مؤكدة أن آثار هذا الإنجاز لن تقتصر فوائده على أطفال مصر فحسب بل ستعمّ أطفال العالم أجمع. وأضافت إن من حق وزارة الصحة والسكان المصرية أن تفخر بعامليها الذين تحملوا العبء الأكبر في تحقيق إنجاز متميز حقاً ويمثل نموذجاً تحتذي به البلدان التي مازال يتهددها شلل الأطفال، كما يحق لجميع الشركاء المحليـين والدوليـين أن يشعروا بالفخر لمشاركتهم في تحالف استلهم من السيدة الفاضلة سوزان مبارك، سيدة مصر الأولى، روح التفاني والالتزام.
وفي كلمته، أكد الدكتور أورشريك بالكان، ممثل نادي الروتاري الدولي أن الروتاري عضو نشط في التحالف الدولي لاستئصـال شلــل الأطفــال منـذ الثمانينات، حيث بلغت إسهاماتـه الماديـة على الصعيـد العالمي حتى الآن 600 مليون دولار، فضلاً عن دور الروتاري في تحفيز القيادات الحكومية لتبني هدف الاستئصال ودعم أنشطته. وأكد ممثل الروتاري أن لجنة الشركاء في مصر ستواصل العمل معاً للحفاظ على الإنجاز المتحقق، ونوه في هذا الصدد بأهمية الاستمرار في أنشطة التطعيم حتى يتم التخلص من الفيروس من جميع أنحاء العالم.
يذكر أن معاناة مصر من مرض شلل الأطفال تعود إلى سنوات بعيدة، حيث سجلت أولى حالات الإصابة بشلل الأطفال على جدارية فرعونية منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام.
وعلى مدى العقود الأخيرة وجهت الحكومات المصرية المتعاقبة جهوداً لمكافحة هذا المرض الذي يتسبب لضحاياه في الإعاقة مدى الحياة. إلا أن الظروف البيئية غير المواتية في بعض الأنحاء والكثافة السكانية العالية كانت تحول دون تحقيق التقدم المطلوب في مجال التغلب على شلل الأطفال من مصر. وحتى أوائل الثمانينات كانت معدلات الإصابة تقدر بنحو عشرة آلاف إلى خمسة عشرة ألف إصابة سنوياً. وقد مثل عام 1988 نقطة تحول في تاريخ مكافحة شلل الأطفال في مصر بعد أن شاركت في اعتماد المبادرة العالمية لاستئصال شلل الأطفال.
ومنذ ذلك الحين أخذت أنشطة القضاء على شلل الأطفال تتعاظم من خلال برنامج متكامل يشمل التطعيم الروتيني وحملات التطعيم القومية المكثفة باستخدام أفضل أنواع اللقاحات وتبني استراتيجيات التطعيم الأكثر فعالية والتي تـتلاءم مع الطبيعة الجغرافية والبيئية لمصر مثل استراتيجية التطعيم من بيت إلى بيت.كما تم إنشاء نظام فعال للترصد لاكتشاف كل حالات الإصابة. وترافق ذلك مع تكثيف دور الإعلام في نشر الوعي بين جموع المواطنين وتعزيز دور المجتمع المدني للمشاركة في المهمة الصعبة والاستعانة بعلماء الدين والمشاهير من الفنانين وغيرهم.
وأمكن - من خلال مئة ألف من العاملين الصحيـين والممرضات و13 ألف مراقب صحي وعشرات الآلاف من شباب المتطوعين الوصول إلى كافة الأنحاء في القرى والنجوع والمناطق العشوائية والمدن الكبرى والمناطق النائية لتحقيق نسبة التطعيم المستهدفة والتي تـتجاوز 95% وتصل الى جميع الأطفال دون الخامسة. وقد كان لوعي الأهالي وأولياء الأمور وتعاونهم مع فرق التطعيم وحرصهم التام على تطعيم أطفالهم دور بالغ في انجاح حملات التطعيم وتفعيلها وتحقيق الأهداف المرجوة منها.
وقد تعاون مع وزارة الصحة والسكان المصرية العديد من الحلفاء الدوليـين مثل منظمة الصحة العالمية واليونيسيف والروتاري الدولي والوكالة الامريكية للتنمية الدولية ومراكز مكافحة الامراض في الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة اليابانية ومؤسسة ميلندا وبيل جيتس.
وساهمت المجموعة الاستشارية التقنية لاستئصال شلل الأطفال من مصر بتقديم المشورة والتوجيه الاستراتيجي حتى بلغ برنامج شلل الأطفال في مصر درجة رفيعة من التقدُّم مكنته من تحويل الحلم إلى حقيقة ملموسة بل وجعلت من التجربة المصرية نموذجاً يحتذى وخبرة يتم تطبيقها بالفعل في بلدان الإقليم التي لم تـتخلص بعد من شلل الأطفال مثل باكستان وأفغانستان أو التي عاد إليها الفيروس مرة أخرى، كالسودان واليمن.
ومن الجدير بالذكر أن جميع البلدان التي أصبحت خالية من شلل الأطفال يجب عليها مواصلة أنشطة التطعيم سواء الروتينية أو التكميلية حتى يتوقف سريان الفيروس في العالم بأسره ويصبح العالم متحرراً من شلل الأطفال.