أيها السيدات والسادة،
لقد اختير موضوع "المستشفيات الآمنة تنقذ الأرواح أثناء الطوارئ" شعاراً ليوم الصحة العالمي لهذا العام، وهو اختيار جاء في رأيي موفّقاً. وقد يتساءل البعض، لماذا ينبغي علينا الاستثمار في توفير مرافق صحية تكون آمنة أثناء الطوارئ؟.. إن إقليمنا، إقليم شرق المتوسط، يحلّ به العديد من الأزمات الأكثر خطورة والأشد صعوبة... فالكوارث الطبيعية، والنزاعات، وغيرها من الطوارئ، ما فتئت تصيب سكان الإقليم من أقصاه إلى أقصاه، الأمر الذي يجعل الخدمات الصحية تئن تحت وطأة حملها الثقيل.
إننا لانزال جميعاً نذكر الزلزال الذي ضرب باكستان في تشرين الأول/أكتوبر عام ألفين وخمسة. فمن بين سبعمئة وستة وتسعين مرفقاً من المرافق الصحيـة الموجودة في باكستان، أصاب الدمار الكامل ثلاثمئة وثمانية وثمانين مرفقاً، ما بين مستشفيات متطوِّرة وعيادات ريفية. وكان على بقية المرافق التي استطاعت مواصلة العمل، أن تعمل بشكل يفوق طاقاتها بمراحل، كما تأثرت القوى العاملة الصحية في باكستان تأثراً شديداً بفعل ذلك الزلزال.
وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، تعرَّض نحو ثمانمئة من المرافق الصحية إلى أضرار شاملة أو جزئية، جرَّاء العديد من الأحداث في هذا الإقليم. فقد وَقَعَتْ زلازل في كلٍّ من باكستان، وجمهورية إيران الإسلامية، ونشبت نزاعات في العراق، ولبنان، وفلسطين، إلى جانب الإعصار الذي ضرب سلطنة عُمان، والفيضانات التي اجتاحت اليمن. وما من شك في أن الكوارث الطبيعية، والطوارئ على أنواعها يمكن أن تصيب كل إنسان وفي أي مكان.
ورغم أن التغيُّر المناخي، وما أعقبه من احترار في كوكب الأرض هي أمور قد تحدث بالتدريج، فإن زيادة تواتر وحدَّة الظواهر المناخية الشديدة، من عواصف عاتية، وأمواج حارة، وجدب، وفيضانات هي ظواهر مفاجئة، مما يجعل الآثار الصحية لها شديدة الوطأة.
والمرافق الصحية، أيها الإخوة والأخوات، ليست مجرد ملاط وآجُر. فإلى جانب هيكلها الإنشائي، لابد أن تتوافر لها الوظائف التي تكفُل استمرارها في تقديم الخدمات طوال مدة وقوع الحدث وإلى ما بعدها، من أجل إنقاذ الأرواح. وعادةً ما يكون الانهيار الوظيفي، وليس الضرر الإنشائي، هو سبب خروج المستشفيات من الخدمة أثناء الكوارث.
وعادةً ما تحدث الكوارث في أقل الأوقات تحسُّباً لوقوعها، رغم أننا جميعاً نعلم أن الكوارث يمكن أن تضرب في أي وقت. ولا يمكن إنقاذ الأرواح إلا إذا وُضعت الاستثمارات المطلوبة في مجالات الاستعداد للطوارئ، وتدريب القوى العاملة الصحية. وإنَّ فشل المستشفيات، وتوقُّف النظام الصحي أثناء الطوارئ بسبب الإخفاقات المادية، يحدُثان بنفس القدر بسبب زيادة العبء على هذا النظام وغياب الخطط الاحتياطية، كما إن تدريب العاملين لا يقل أهمية عن توفير الحماية المادية.
وإن مراعاة جوانب الحماية الشاملة من الكوارث في ما يختص بالزلازل والظواهر المناخية الشديدة، في التصميمات الإنشائية الجديدة، لن يزيد التكاليف الإجمالية إلا بنسبة لا تتجاوز الأربعة في المئة. وعلينا أن نتذكَّر أنه عند خروج مستشفى ما من الخدمة، فإن الآلاف من الأشخاص يُتركون بغير رعاية صحية، وإن توقُّف الخدمات الصحية الأساسية، يؤثـِّر على المدى البعيد، على إمكانات التنمية في القُطر.
ويجدر بنا أيها الإخوة والأخوات ألا نجعل من المرافق الصحية ضحيَّة أخرى للطوارئ.
وفقكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور حسين عبد الرزاق الجزائري
المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط