أيها السيدات والسادة،
يمثِّل يوم الصحة العالمي الذي يتم الاحتفال به كل عام، فرصة فريدة لزيادة الوعي بالقضايا الهامة المتعلقة بالصحة، بما يوفره من مناخ طيب، على الصعيد العالمي والإقليمي والقُطري، لإذْكاء روح البحث والتحاور، التي تقود إلى إحداث التغيـير المستهدَف في عملية صنع القرار، واتخاذ الإجراءات المطلوبة. ويحتفل يوم الصحة العالمي هذا العام بجميع العاملين الصحيِّـين الذين كانوا دائماً وسوف يظلون دائماً (( يعملون معاً من أجل الصحة )) لإنقاذ الأرواح وتعزيز الصحة لدى بني الإنسان.
إن القوى العاملة الصحية تشمل كلّ من المهنيِّـين الصحيِّـين المدرَّبين مثل الأطباء، والممرضات، والقابلات، والصيادلة، وأطباء الأسنان، ومساعدي المختبرات وغيرهم من أعضاء الجهاز التقني المساعد، إلى جانب المهنيِّـين غير الصحيِّـين العاملين في مجال الأنظمة الصحية مثل المديرين، والاقتصاديِّـين وإخصائيـِّي تكنولوجيا المعلومات وغيرهم من أعضاء الجهاز الإداري المساعد. كما يندرج بين هؤلاء أيضاً، الأشخاص الذين اكتسبوا بعض المعارف والمهارات المرتبطة بالرعاية، ويتطوعون لدعم الخدمات الصحية في الأسر والمجتمعات.
وعلى الرغم من حجم ونطاق عمل القوى العاملة الصحية، فإن الطلب المتزايد على الخدمات الصحية والخفض الذي يجرى على التكاليف والاستثمار غير الكافي في المجال الصحي، قد أدى إلى إرهاق العاملين الصحيـين وزيادة العبء عليهم، مع انخفاض أجورهم وعدم تقديم الدعم الكافي لهم. ومن ثـَمَّ، فإن الحاجة ملحة كي نلقي نظرة متفحصة على المشكلات التي تواجه تخطيط وتدريب وإدارة القوى العاملة الصحية.
لاشك أن مناطق عديدة من العالم تعاني من أزمة متزايدة في القوى العاملة الصحية. ففي البلدان النامية يواجه العاملون الصحيون صعوبات اقتصادية، وبنية أساسية متدهورة وقلاقل اجتماعية. وفي البلدان الصناعية، ومع ازدياد متوسط العمر المأمول وارتفاع معدلات انتشار الأمراض المزمنة، تعاظمت الحاجة لمزيد من الأطباء والعاملين الصحيـين. وأفرزت هذه الأوضاع بعداً آخر للمشكلة بالنسبة للبلدان النامية حيث يتم اجتذاب المزيد والمزيد من العاملين الصحيـين للهجرة من بلدانهم إلى البلدان الصناعية. على جانب آخر، فإن التفاوت الموجود في إقليم شرق المتوسط بين العرض والطلب، والتوزيع الجغرافي غير المتوازن في المرافق الصحية بين الريف والحضر وكذا في أعداد المهنيِّـين على اختلاف فئاتهم، يمثِّل بعداً آخر من أبعاد هذه الأزمة. علاوة على ذلك، وحتى في البلدان التي يكون معدل العاملين الصحيِّـين فيها مرتفعاً مقابل عدد السكان، فإن أعداد العاملين الأجانب تفوق أعداد الوطنيِّـين منهم، وهذا الوضع يحرم هذه البلدان من وجود قدرات وطاقات وطنية على نحو مستمر أو دائم، وهو أمر يتطلَّب بحثاً جدياً على المدى البعيد.
إن النُظُم الصحية في شتى بقاع العالم تواجه الآن أزمة ذات أبعاد ثلاثة هي النقص في أعداد العاملين الصحيـين وانخفاض الروح المعنوية ونقص الثقة. وتقدر منظمة الصحة العالمية أعداد العاملين الصحيـين على مستوى العالم بحوالي 60 مليون رجل وامرأة. كما تقدَّر وجود نقص في العاملين الصحيـين يبلغ الملايـين. ويوجد حالياً، في إقليم شرق المتوسط، أكثر من مليونَيْ عامل صحي. ومع ذلك، وبُغْيَة رفع المعدل الإقليمي لعدد العاملين الصحيـِّين لكل 1000 من السكان، من 4.6 ليصل إلى المعدل العالمي الحالي، وهو 9.3، فإن الحاجة الفورية والعاجلة تتطلَّب الاستعانة بخدمات أكثر من مليونَيْن آخرين من هؤلاء العاملين الصحيِّـين.
لقد كان تطوير الموارد البشرية الصحية مجالاً حيوياً في العمل المشترك بين المكتب الإقليمي لشرق المتوسط والبلدان الأعضاء منذ نشأته أي منذ أكثر من نصف قرن مضى. فدعم المكتب الإقليمي البلدان الأعضاء لتطوير قدراتهم لإعداد العاملين الصحيـين في المجالات ذات الأولوية، وذلك من خلال التوجُّه المجتمعي للتثقيف الصحي، وتعزيز التخطيط والإدارة على المستوى الوطني.
ومن القضايا الأخرى الهامة التي تتعلق بالاستثمار في مجال الموارد البشرية الصحية، تخصيص الاعتمادات المالية من قِبَل الحكومات للقطاع الصحي بوصفه استثماراً في مجال التنمية الشاملة. وفي هذا الخصوص، قام المقر الرئيسي لمنظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع مكاتبها الإقليمية الست، بإصدار تقرير عالمي بعنوان: (( اختيارات صحية صعبة الاستثمار في التنمية الصحية - دروس من البلدان النامية )).
ولاشك أن تغيُّر أدوار العاملين الصحيِّـين ومهامهم تجاوباً مع النظم الصحية المتغيرة والاحتياجات الصحية المتنامية للشعوب، يتطلَّب مراجعة دائمة وإصلاحاً لعملية تطوير الموارد البشرية.
إن ((أزمة العمالة الصحية )) – كشعار ليوم الصحة العالمي لهذا العام، تحمل في ثناياها إشارة البدء لعقد من السنوات سيتم تكريسه لتطوير الموارد البشرية الصحية، كأولوية لمنظمة الصحة العالمية وبلدانها الأعضاء، واستراتيجيات وإجراءات يمكن اتخاذها لمعالجة القضايا المختلفة.
وإنني أدعو، في هذا المقام، جميع الدول للاستثمار بشكل أكبر في هذا المجال والاستفادة الـمُثْلَى من فرص التعاون والدعم على المستوى الدولي والإقليمي والبلداني من أجل إدخال التحسينات الجوهرية المطلوبة لتحقيق التوازن في ما يتعلق بأوضاع العاملين الصحيِّـين والارتقاء بمستوى الكفاءة في أدائهم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
الدكتور حسين عبد الرزاق الجزائري
المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط