23 آب / أغسطس 2020 - بعد أسبوعين من الانفجار الذي ألحق أضراراً بعدة مناطق في بيروت، لا يزال مستشفى الكرنتينا الحكومي يعاني من الدمار. ويقع هذا المستشفى على بُعد بضع مئات من الأمتار من مركز الانفجار، وهو أحد المستشفيات الثلاثة التي دُمِّرت تماماً في المنطقة.
وقد أجرت فِرَقٌ تابعة لمنظمة الصحة العالمية تقييماً سريعاً للمستشفى بعد وقوع الكارثة وتوصلت إلى أن 80% من مبنى المستشفى القديم قد تضرَّر بشدة وأن هيكله غير آمن بسبب الانفجار. وتضرر أيضاً 30% من مبنى المستشفى الجديد.
وكان مستشفى الكرنتينا قبل الانفجار معروفاً بأنه مستشفى للفقراء، إذ كان يُقدِّم الرعاية الطبية للأسر غير المشمولة بتأمين أو ضمان اجتماعي ولا تستطيع تحمُّل تكاليف الرعاية الخاصة، فلم يكن هذا المستشفى يردُّ أحداً. وكان يخدم أيضاً مرضى قادمين من أنحاءٍ كثيرة خارج بيروت لأنه كان أحد المستشفيات الحكومية القليلة في لبنان التي بها وحدة رعاية مركزة لحديثي الولادة.
وفي وقت الانفجار، كان قسم الأطفال في مستشفى الكرنتينا يضم ثمانية أطفال حديثي الولادة في وحدة الرعاية المركزة التي تقوم على رعاية حديثي الولادة الذين يُولدون مبكراً ويحتاجون إلى حاضنات خاصة، أو ذوي الأعضاء الضعيفة الذين لا يستطيعون مغادرة المستشفى دون رعاية خاصة.
عادت فاطمة غدير، رئيسة ممرضات قسم الأطفال، بالذاكرة إلى وقت الانفجار وقالت: "كان همنا الوحيد هو إجلاء الأطفال. فأنشأنا سلسلة بشرية لإخراج الأطفال من المستشفى إلى مكان آمن بأسرع ما يمكن".
وكانت الجدران الخارجية لوحدة الرعاية المركزة لحديثي الولادة وأرضية قسم الأطفال في المستشفى قد لحقت بهما أضرار بالغة، وتضرر بشدة أيضاً كثير من غرف الحاضنات. ولكن لم يَمُتْ أو يُصَبْ أي طفل، ولله الحمد. وأضافت الممرضة غدير: "الحاضنات مصنوعة من زجاج البلكسي المتين والسميك جداً، مما حمى الأطفال من الحطام المتساقط".
وقالت الممرضة فاطمة مسلماني التي تعمل في المستشفى منذ 11 عاماً: "كان أول رد فعل لنا هو خطف الأطفال والجري بهم إلى مكان آمن. وكان زملائي مُصابين وملطخين بالدماء. وكانت ساقي قد أُصيبت بكدمة شديدة. ولكن كان شغلنا الشاغل هو إخراج الأطفال إلى بر الأمان. فحملت طفلين وحملت إحدى زميلاتي ثلاثة أطفال بين ذراعيها، وحرصنا على إخراجهم من المبنى في أسرع وقت ممكن".
وكان في غرفة العمليات في وقت الانفجار طفل عمره أربعة أشهر يخضع لعملية جراحية بسبب تَضَيُّق بواب معدته. وحينما سمع الجراحون صوت الانفجار وانطفأت الأضواء، أحاطوه بأجسادهم لحمايته، واستخدموا أضواء هواتفهم المحمولة لخياطة الجرح قبل نقل الطفل إلى مستشفى آخر في البقاع، حيث تمت العملية بنجاح.
وبينما كانت الممرضة فاطمة تسير في ممرات المستشفى وسط النوافذ المحطمة والهياكل المعدنية الملتوية والمصابيح المكسورة المتدلية من الأسقف المكشوفة، انضم إليها زملاء آخرون من الطاقم الصحي، ولا يزال كثير منهم في حالة صدمة من الوضع الذي وصل إليه المستشفى الذي يتنقلون فيه كما لو كانوا تائهين في منطقة غريبة. وكان بعض أعضاء فريق التمريض في صحة جيدة تُمكِّنهم من مباشرة العمل.
يقول أحمد طفيلية، الممرض المشرف على غرفة الطوارئ: "كنتُ في طريقي إلى المستشفى لبدء نوبتي الليلية حينما وقع الانفجار. وكانت الطرق في حالة فوضى، ولكني أكملت طريقي إلى المستشفى لأرى ماذا حدث ولأُقدم المساعدة. وحينما وصلتُ، توجهتُ مباشرة إلى قسم الأطفال لأنني كنتُ أعلم أن لدينا أطفالاً على أجهزة التنفس وفي الحاضنات يلزم نقلهم إلى مستشفيات أخرى على الفور. وفي طريقي، رأيتُ أُمّاً تحمل رضيعها الذي كان في الرعاية المركزة. وظنَّت أنه لا يزال على قيد الحياة، ولكنه كان قد مات في وقت حدوث الانفجار. فقد كان ضعيفاً جداً، وكانت فرص نجاته ضئيلة. فأخبرتُ الأم التي انهارت حينما غطيتُ وجه رضيعها بقطعة قماش وأبلغتُ طاقم الإسعاف".
ويخشى الآن موظفو المستشفى أن يفقدوا وظائفهم إذا لم يُرمَّم المستشفى قريباً، ولكنهم يشعرون بقلق أكبر إزاء تأثير إغلاق المستشفى على الأشخاص الذين يحتاجون إلى خدماته. تقول الممرضة فاطمة: "ينبغي ألا نكون آخر من يتلقى التمويل لأن هذا مستشفى حكومي. ففي ذلك ظلم للموظفين وللأسر الفقيرة التي تعتمد علينا من أجل بقاء أطفالهم على قيد الحياة".
ونظراً لشدة الأضرار، أوصى فريق التقييم التابع لمنظمة الصحة العالمية، الذي يتألف من ممرضة، ومهندس مدني، ومهندس طبي بيولوجي، وطبيب، بهدم المبنى القديم وتشييد المبنى الجديد وترميمه ليكون بمثابة المستشفى الرئيسي بتكلفة إجمالية قدرها 9.5 مليون دولار أمريكي.