مقابلة مع الدكتور دومينيك ليغروس، رئيس الفريق المعني بالكوليرا بمنظمة الصحة العالمية.
هناك خطة جديدة لمعركة القضاء على الكوليرا. فالوثيقة التي عُنوِنَت بجدارة «القضاء على الكوليرا»، تبعث على التفاؤل وتطمح إلى عالم لا يمثل فيه ذلك المرض القديم قِدَم الزمن تهديداً للصحة العامة بعد اليوم. ويقود الدكتور دومينيك ليغروس جهود منظمة الصحة العالمية للقضاء على الكوليرا، حيث كان جزءًا أصيلًا من هذه المعركة طيلة 25 عامًا. ومن الناحية التقنيّة، يقول الدكتور ليغروس إن علاج الكوليرا أمر بسيط للغاية: فهو يبدأ وينتهي بالحصول على المياه المأمونة. غير أن واقع الحال أثبت ما يكتنفه هذا الأمر من تعقيدات كبيرة.
العبء السنوي من الكوليرا: 47 بلدًا، 2.9 مليون حالة، 95 000 وفاة
وظاهريًا، تبدو الكوليرا كما لو كانت مشكلة صحية. إذ كثيرًا ما يبتلع الناس بكتيريا الضمة الكوليرية في المياه شديدة التلوّث بالفضلات البشرية؛ فيصابون بالعدوى؛ ثم تؤدي الأعراض اللاحقة المتمثلة في القيء والإسهال العنيفيْن إلى نشر البكتيريا والمرض أكثر فأكثر، وأحيانًا يكون الانتشار بصورة جامحة للغاية. أما الحلول الصحية فهي أيضًا بسيطة، ورخيصة، ومتاحة للوهلة الأولى، متمثلة في: غليْ المياه أو كلْورتها ، وغسل اليديْن واستخدام دورة المياه بصورة صحيحة، والحصول على اللقاح الذي يوفر الحماية لأكثر من نصف عدد من يتلقّوْه.
«ظاهريًا، تبدو الكوليرا كما لو كانت مشكلة صحية. لكنها في واقع الأمر مشكلة سياسية بالدرجة الأولى».
غير أن الأسباب الحقيقية التي تجعل من الكوليرا أمراً مستعصيًا لهذه الدرجة لا تتعلق بالصحة على الإطلاق. فأولاً، يفتح نقص المياه المأمونة بابًا يصعب إغلاقه أمام عودة الكوليرا مرّة تلو المرّة. وهذا النقص في المياه المأمونة إما أن يكون ناتجاً عن، أو متأثرًا بالكوارث الطبيعية، وتغيُّر المناخ، والنزاعات المسلحة، ونقص البنية التحتية. يقول الدكتور ليغروس: «إن الكوليرا مرض ناتج عن عدم الإنصاف: فخريطة الكوليرا تتشابه إلى حدٍّ كبير مع خريطة الفقر». والجانب الصحي ليس سوى الجانب المرئي من المرض، أي النتيجة التي نراها نحن رأْي العين».
فالكوليرا إذن مشكلة سياسية بالدرجة الأولى. وفي حديثه مؤخرًا أمام تيدكس جينيف، (المنظمة المعنية بالتكنولوجيا وأنشطة الترفيه والتصميم)، أوضح الدكتور ليغرو كيف أن أكثر الناس معاناة هم الناس الـمُهمّشين الذين وقعوا في براثن الفقر وأهملتهم حكوماتهم من حيث توفير فرص الحصول على المياه النظيفة والبنية التحتية. ويتابع الدكتور ليغروس القول: «إن ما نراه في كثير من الحالات هو أطراف متنازعة يسعى كل منها للسيطرة على أجزاء منفصلة، ويتّهم كل جانب منها الآخر بالتقاعس عن الاستثمار في إمداد الناس بالمياه والبنية التحتية للإصحاح. وهذه هي نفس الدينامية التي تفسر إحجام بعض البُلدان عن التبليغ بحلات الكوليرا لديها. فإذا كان لديك بلدٌ مستقر بصورة نسبية، ولكن وضع الكوليرا به سيء للغاية، فكأنك تقول «إنني لا أُحسِن تدبير الأمور، وأعجز حتى عن توفير الخدمات الأساسية لشعبي».
إذًا، ما الذي يدعو إلى التفاؤل في ذلك؟ هل نستطيع فعلاً أن نقول كما يقول الوسم (الهاشتاج): #endcholera، أي القضاء على الكوليرا؟ في ذلك، يرى الدكتور ليغروس عددًا من النقاط المضيئة. إذ أن هناك أولاً النّهج المُنسَّق الذي تتَّبِعه فرقة العمل العالمية لمكافحة الكوليرا. وهذه الفرقة هي شبكة مكونة من خبراء في الكوليرا من منظمات أكاديمية، وحكومية، وغير حكومية، ومن وكالات الأمم المتحدة، وغير ذلك من منظمات، وهي التي تقود الاستراتيجية الجديدة لمكافحة الكوليرا. وتضمُّ فرقة العمل خبراء في الصحة، وخبراء أيضًا في المياه، والإصحاح، وجميع الخبراء المعنيّين، الأمر الذي يكفل النظر إلى الكوليرا كما هي في الحقيقة، وهي أنها تحدٍ سياسي، بل تحدٍّ مُتعدد الجوانب.
«إن آثار تناول لقاح الكوليرا الفموي رائعة. وأصبح الناس يقولون: هذا رائع، يمكننا بالفعل تحقيق إنجاز ما. إنها ليست بقضية خاسرة».
إذاً، فالسبب الثاني الباعث على التفاؤل هو استعمال لقاح الكوليرا الفموي. ففي عام 2013، وفي أعقاب المشاورات التي نظمتها منظمة الصحة العالمية، أُنشِأ مخزون من اللقاحات لمكافحة فاشيّة الكوليرا. ويقدم اللقاح الحماية الفورية لما يتراوح بين 50% إلى 60% من الأشخاص الحاصلين عليه، وهي الحماية التي تدوم حتى ثلاث سنوات. وهذا الأثر المدهش هو ما غيّر نظرة الناس إلى الكوليرا. يقول الدكتور ليغروس: «أخبرني وزير الصحة في الصومال [الذي نفذ حملة تطعيم جموعية بلقاح الكوليرا الفموي في عام 2017 بدعم من منظمة الصحة العالمية]: إن الجميع يتعجّب مما حدث، لأننا نقوم بالتطعيم في منطقة نعلم تمامًا أن الكوليرا تضربها في كل عام. فنحن نقوم بالتطعيم ومن ثمّ، تختفي الكوليرا! وأصبحت مراكز علاج الكوليرا خاوية من المتردّدين عليها. وأصبح الناس يقولون: هذا رائع، يمكننا بالفعل تحقيق إنجاز ما. إنها ليست بقضية خاسرة».
الغرض الاستراتيجي بحلول عام 2030: خفض الوفيات الناجمة عن الكوليرا بمقدار 90% والقضاء على سراية المرض فيما يصل إلى 20 بلدًا
ويرى الدكتور ليغروس أن الأثر المترتب على زيادة تقديم لقاح الكوليرا الفموي، المصحوب بوجود استراتيجية مُنسَّقة تهدف إلى وضع حلول لتوفير المياه المأمونة والإصحاح، سوف يفسح المجال لإزالة العوائق السياسية القائمة منذ أمد طويل: «مازال هناك عددٌ من البُلدان التي لا تزال تقول: «كلّا، ليست لدينا كوليرا». وأنا على استعداد للمراهنة بأن كل ذلك سيتغير في غضون سنتين أو ثلاثة. فتلك البُلدان بدأت ترى بالفعل النتائج التي تحققت في بُلدان أخرى، لذا، لن يكون أمامها خيار آخر».
لكننا لم ننتصر في كل شيء بعد. فما زالت جنوب آسيا تمثل تحديًا كبيرًا من أجل القضاء على هذا المرض، مع وجود ساحل البنغال الذي يُشار إليه أحيانًا بكونه «مهد الكوليرا»، نظرًا لكونه المنشأ الأوحد لجميع جوائح الكوليرا التي حدثت على مرّ التاريخ. يقول الدكتور ليغروس: «إن انتشار المرض وسريانه في ذلك الإقليم مازال مرتفعًا للغاية، ويُعزى ذلك لعوامل بيئية، ولحجم السكان، ولأن بلدًا مثل الهند لا يزال حتى الآن بعيدًا عن المشاركة الكاملة. وإذا لم يشاركنا الجميع، فلن نتمكن من تحقيق المكافحة. وإذا لم نتمكن من المكافحة، فسوف نرى المرض ينتشر إلى بُلدان وأقاليم أخرى».
كانت فاشيّة المرض هي الأسوأ على الإطلاق، إذ أزهقت أرواح 20 000 شخص خلال شهر واحد، من بين مليون لاجئ رواندي فرّوا من الإبادة الجماعية.
ويعلم الدكتور ليغرو تمام العلم عواقب انتشار المرض على نحو لا يمكن مكافحته. ففي عام 1994، عمل الدكتور ليغروس ضمن جهود الاستجابة للكوليرا في جوما (جمهورية الكونغو الديمقراطية). كانت فاشيّة المرض هي الأسوأ على الإطلاق، إذ أزهقت أرواح 20 000 شخص خلال شهر واحد، من بين مليون لاجئ رواندي فرّوا من الإبادة الجماعية. يقول الدكتور ليغروس: «لقد رأيت بنفسي أُسرًا تضع أجساد أحبائها الذين توفوا جرّاء الكوليرا على جانب الطريق حتى يتم جمعها ودفنها جماعيًا، إذ كان من الصعب حفْر التربة البركانية لعمل قبور ملائمة».
وتعتزم فرقة العمل العالمية لمكافحة الكوليرا، الشهر القادم، إصدار ما يُعرف بمسوِّغات الاستثمار، التي يرى الدكتور ليغرو أنها ستوضح للحكومات كيف يمكن لها في مقابل كل دولار تستثمره ادخار عشرة دولارات يمكن ضخها في جهود الاستجابة للكوليرا. ويُضاف إلى ذلك آلاف الأرواح التي يمكن إنقاذها. وهكذا، فسُرعان ما سيبدو لنا أن غياب الإرادة السياسية ليس بتلك العقبة التي يصعب اجتيازها. يقول الدكتور ليغروس: «لهذا السبب أُمضي وقتي في التواصل وفي نشر الدعوة. فمن خلال ذلك نستطيع أن نبرهن على أن القول بأن «في إمكاننا القضاء على الكوليرا» أمر لا يمكن الاستخفاف به على الإطلاق».
ترقبّوا مسوّغات الاستثمار المنتظرة والأعمال الأخرى للدكتور دومينيك ليغروس وزملائه، عبر متابعة فرقة العمل العالمية لمكافحة الكوليرا والوسم (الهاشتاج) #endcholera على تويتر، وكذلك من خلال الاطلاع على صفحة الكوليرا على موقع منظمة الصحة العالمية.