23 كانون الأول/ديسمبر 2020 - مضى عام تقريباً منذ أن بدأت جائحة كوفيد-19 تنتشر حول العالم، وتُعرِّض حياة الملايين للخطر، وتفرض على النُّظُم الصحية تحديات غير مسبوقة، وتزيد اقتصادات البلدان ضَعفاً إلى ضَعفها. وقد أصبحت المرافق الصحية مكتظة ومنهكة، ويواجه العاملون في مجال الرعاية الصحية نقصاً عالمياً في القدرات والموارد ومعدات الوقاية الشخصية، مما يجعلهم أكثر الفئات تعرضاً للمخاطر في مكافحة هذا التهديد الجديد.
قال الدكتور أحمد ماضي، استشاري أمراض الرئة في مستشفى الصدر في مصر، من سريره في المستشفى بعد أن ثبتت إصابته بمرض كوفيد-19: "بينما أنا راقد على سريري في العناية المركزة، أتنفس بصعوبة، وأعاني من ألم رهيب ينهش كل جزء من جسدي الذي لم يبق فيه شيء غير متصل بأنابيب وخراطيم، أراقب نظرات زملائي من الأطباء والتمريض ما بين خوف ورجاء، وأشاهد تحركات سريعة ومضطربة لتجهيز جهاز التنفس الاصطناعي بسبب هبوط حاد في نسبة الأكسجين بدمي".
وأضاف: "أعلم أن قُصُور جهازي التنفسي الرباني هو بداية الطريق إلى نهايتي المحتومة، تلك النهاية التي طالما شاهدتها وأنا الطبيب المسؤول عن علاج هذا المرض الذي أستطيع أن أرى نهايته الآن بوضوح. كل ما أرجو إن بادر بي الأجل وحانت لحظة الفراق أن يتكفل الله بحفظ أسرتي وأطفالي الذين افتقدهم بشدة".
توفي الدكتور ماضي بعد أيام قلائل من تسليم هذه الرسالة إلى زملائه في العمل.
وقال الدكتور ريتشارد برينان، مدير الطوارئ الصحية: "قلوبنا مع أُسر الذين فقدوا أحباءهم ودعواتنا لهم. إن فقدانهم خسارة فادحة للإقليم بأسره الذي نَكُنُّ فيه كل التقدير للعاملين الصحيين على تفانيهم والتزامهم رغم أنهم يعملون في بعض الأماكن الأكثر تعقيداً في العالم".
تهديدات مُضاعَفة تواجه العاملين الصحيين في إقليم شرق المتوسط
في إقليم شرق المتوسط الذي يواجه فيه بالفعل كثير من العاملين الصحيين مخاطر كبيرة، أضافت جائحة كوفيد-19 طبقة جديدة من التعقيد إلى التحديات التي يواجهونها. فإلى جانب العمل في مناطق النزاعات وفي أماكن غير آمنة، والتعرض لخطر الهجمات المباشرة وغير المباشرة، يتعرَّض العاملون الصحيون الآن لتهديد إضافي.
وبينما تواصل بلدان الإقليم الإبلاغ عن أعداد متزايدة من حالات الإصابة المؤكدة بمرض كوفيد-19 بين سكانها، تتزايد أيضاً المخاطر التي تواجه العاملين الصحيين.
قال خالد محمد، وهو تقنيّ مُختبَريّ يعمل في المختبر المركزي في صنعاء: "تمنيت بشدة ألا يصل كوفيد-19 إلى اليمن، لأننا نعاني بالفعل من الكوليرا والدفتريا وحمى الضنك والملاريا وسوء التغذية، إضافةً إلى الصراع الدائر الذي دمر النظام الصحي الضعيف أصلاً". وأضاف: "نعم، أخشى على صحتي وصحة عائلتي، ولكن إذا كنت أستطيع تقديم المساعدة، فلن أتأخر عن تقديمها أبداً. إنني أعمل بلا كلل على مدار 24 ساعة لإجراء اختبارات كوفيد-19. وهذا أقل ما يمكن أن أفعله".
وعلى الرغم من أن العاملين الصحيين يمثلون أقل من 3% من السكان في معظم البلدان، وأقل من 2% في معظم البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، فإن نحو 14% من حالات كوفيد-19 التي أُبلِغت بها منظمة الصحة العالمية كانت من العاملين الصحيين. وقد ترتفع هذه النسبة في بعض البلدان إلى 35%. وقد أودى كوفيد-19 بحياة آلاف من العاملين الصحيين على مستوى العالم.
يقول الدكتور برينان: "على الرغم من التحديات والمخاطر، فإن العاملين في مجال الرعاية الصحية في جميع أنحاء الإقليم يواصلون عملهم، واضعين المصلحة العامة فوق كل شيء ".
وفي اليمن، تشير الأعداد الرسمية الصادرة عن السلطات الصحية إلى وجود 407 حالات إصابة بين العاملين في مجال الرعاية الصحية من أصل 2087 حالة إصابة مؤكدة بكوفيد-19 أُعلِن عنها حتى 13 كانون الأول/ديسمبر 2020.
قال سامي الحاج، وهو طبيب شاب يعمل في مستشفى العلوم والتكنولوجيا في صنعاء: "جائحة كوفيد-19 جعلت اليمن والعاملين في مجال الرعاية الصحية في الصفوف الأمامية تحت ضغط شديد. إننا نُعرِّض حياتنا للخطر من أجل إنقاذ أرواح شعبنا. وقد رأيت كثيراً من الأطباء يمرضون ويُوضَعون على أجهزة التنفس الصناعي والمراقبة، ومنهم من تعرض لما هو أسوأ، وهو الموت، وهو أصعب ما يمكن مشاهدته".
وفي الفترة من 1 تشرين الأول/أكتوبر إلى 15 كانون الأول/ديسمبر فقط، أعلن الأردن عن وفاة 23 طبيباً، وهو العدد الأكبر منذ بداية الجائحة. وقال بشر الخصاونة، رئيس وزراء الأردن، عبر مواقع التواصل الاجتماعي: "كلنا حزن وألم على وفاة كوكبة من أبطال خط الدفاع الأول من الأطباء في مواجهة وباء كورونا، رحمهم الله جميعاً".
قال السيد عزيز الله أصغري، وهو ممرض يعمل في وحدة العناية المركزة في المستشفى الأفغاني الياباني في مدينة كابول في أفغانستان: "في بداية جائحة كوفيد-19، لم يكن أحد مستعداً للعمل في المستشفى الأفغاني الياباني المُخصَّص لمرضى كوفيد-19 هنا في كابول، لأن الموارد المتاحة لحماية العاملين الصحيين كانت محدودة، وكان الخطر شديداً جداً. لكن عدد المرضى كان يتزايد يومياً، لذلك قررت المخاطرة وبدأت أعمل ممرضاً في وحدة الرعاية المركزة لمساعدة المرضى ذوي الحالات المرضية الشديدة أو الحرجة. وبعد بذلك بفترة وجيزة، أُصِبتُ بالعدوى، وأثبت الاختبار أيضاً إصابة أفراد أسرتي، ومنهم والدتي. وفقدتُ أمي التي لم تكن قد تجاوزت 42 عاماً ولم تكن تعاني من أي حالة مرضية كامنة".
"لا أستطيع حتى الآن تفسير وفاة أمي. لقد شعرت بفراقها من أعماق روحي، فلا جرح أعمق من جرح فقدان أحبائك على هذا النحو. لكنني أريد أن أقف بجانب الناس وأحاول إنقاذ أحبائهم. فالعهد الذي قطعته على نفسي عند التخرج، وحبي لأهل بلدي شجّعاني على مواصلة عملي في المستشفى الأفغاني الياباني، وعلى خدمة المرضى بطاقة أكبر".
ومن بين آلاف العاملين الصحيين في البرنامج الإقليمي لشلل الأطفال الذين يدعمون الاستجابة لجائحة كوفيد-19، أٌصيب نحو 256 عاملاً، ووافت المنية ثلاثة منهم.
التأكُّد من توفير الحماية البدنية والنفسية للعاملين في الرعاية الصحية
إن العاملين الصحيين أشد الفئات عرضةً لخطر العدوى بسبب مخالطتهم المتكررة عن قرب لحالات كوفيد-19 المؤكدة والمشتبه فيها. كما أن النقص العالمي في معدات الوقاية الشخصية قد جعل العاملين الصحيين أهدافاً سهلة للفيروس، وحتى الذين يمكنهم الحصول على معدات الوقاية الشخصية قد لا يكونون مُدرَّبين تدريباً كافياً على استعمالها استعمالاً صحيحاً. وتزداد أيضاً احتمالية تعرضهم للعدوى بسبب ضعف تدابير الوقاية من العدوى ومكافحتها في المرافق الصحية التي تعالج مرضى كوفيد-19.
ورغم أن كثيراً من العاملين الصحيين يصابون بالعدوى في المستشفيات والمرافق الصحية، يصاب أيضاً بعضهم بالعدوى بسبب التعرُّض للفيروس في الأوساط المجتمعية، ومنها منازلهم.
لكن الإصابة بمرض كوفيد-19 ليست الخطر الوحيد الذي يواجه العاملين الصحيين. بل يتعرض العاملون الصحيون في بعض الأحيان للتمييز باعتبارهم ناقلين محتملين للمرض، ويتعرضون للوصم وأحياناً للعنف، وذلك لأن كثيراً من العاملين في الصفوف الأمامية يخالطون عن قرب المرضى المصابين بالعدوى.
يقول سامي الحاج الذي يعمل في مستشفى العلوم والتكنولوجيا في صنعاء: "إنني أتفهم الخوف من العاملين في مجال الرعاية الصحية. وهو خوف مُبرَّر نظراً للوضع الصحي المتدهور. ولكن شعبنا يحتاج إلينا وإلى خبراتنا. وأحث نفسي وزملائي الأطباء على أن نتخطّى هذه المشكلة معاً وأن يدعم بعضنا بعضاً خلال هذه الفترة العصيبة لكي ننجو من الجائحة".
كما أن بعض العاملين الصحيين مُعرَّضون أيضاً للإصابة باضطرابات أو أمراض نفسية وعاطفية أو حتى الوفاة الناجمة عنها، وذلك بسبب تعرضهم لمستويات من المرض والوفاة لم يشهدوها من قبل قطّ.
ولأن الجائحة لها تأثير سلبي على الصحة النفسية للعاملين في مجال الرعاية الصحية، تعكف منظمة الصحة العالمية وشركاؤها في مجال الصحة على بذل قصارى جهدهم لضمان عدم إغفال أحد. ويُقدَّم الدعم إلى العاملين الصحيين في الصفوف الأمامية من خلال حِزَم الصحة النفسية التي تُقدِّم إرشادات ونصائح عملية لمساعدتهم على مواجهة الضغوط.
وعملت المنظمة وشركاؤها على زيادة إمدادات معدات الوقاية الشخصية على الرغم من النقص العالمي لهذه المعدات. وحتى 15 كانون الأول/ديسمبر 2020، بلغ إجمالي شحنات معدات الوقاية الشخصية 290 شحنة أُرسِلت إلى 6 بلدان في الإقليم من المركز الإقليمي للإمدادات اللوجستية التابع للمنظمة في دبي، إلى جانب أدوية ومعدات أخرى لدعم الاستجابة لكوفيد-19. كما قدمت المنظمة وشركاؤها في مجال الصحة الدعم لتدريب العاملين في الرعاية الصحية في شتى أنحاء الإقليم على إرشادات الوقاية من العدوى ومكافحتها للحد من خطر انتشار الفيروس في مرافق الرعاية الصحية. وتُقدِّم المنظمة أيضاً دورات مجانية على منصتها المفتوحة (Open WHO) لتدريب العاملين الصحيين على استخدام معدات الوقاية الشخصية وغيرها من تدابير الوقاية من العدوى ومكافحتها على النحو الصحيح.