بيان المدير الإقليمي بشأن البعثة إلى سوريا

rd-meets-young-boy

8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 لقد عدتُ مؤخراً من بعثة إلى سوريا استغرقت أربعة أيام، حيث التقيتُ بمسؤولين على جميع المستويات، وعاملين صحيين، وشركاء، ودوائر أكاديمية، وغيرهم، لمعرفة المزيد عن الوضع الصحي بوجه عام، وللتوصُّل إلى سُبُل جديدة للعمل معاً من أجل تعزيز تقديم الخدمات، ولحماية السوريين من التهديدات الحالية، وللمساعدة في تقوية النظام الصحي الذي دمّرته الأزمة.

وقد التقيتُ بالعاملين الصحيين في الخطوط الأمامية والمرضى في دمشق وحمص وحماة، ومن بينهم الطفل جعفر البالغ من العمر 6 سنوات الذي يتردد على أحد مراكز الرعاية الصحية في حمص التابع لإحدى المنظمات غير الحكومية والذي تدعمه منظمة الصحة العالمية للخضوع لجلسات الغسيل الكلوي ثلاث مرات في الأسبوع للمساعدة في بقائه على قيد الحياة ونموه. وأخبرني الأطباء في المركز نفسه عن أم لطفليْن أعميَيْن ظلّت منتظرة طوال سنتين لإجراء عملية رأب الأوعية الدموية في القلب، وتمكَّنت أخيراً من إجراء هذه العملية المنقذة للحياة الأسبوع الماضي فقط.

وفي مستشفى الأطفال في دمشق، زرتُ قسم الطوارئ الجديد الذي أعادت المنظمة تأهيله بدعم من اليابان، والذي يستقبل في المتوسط 300 طفل يومياً، حيث رأيتُ طاقماً متخصصاً يستقبل المرضى المحالين من جميع أنحاء البلاد المصابين بحروق وإصابات وحالات عدوى مهددة للحياة.

والتقيتُ طوال فترة وجودي في سوريا بالأطباء وطواقم التمريض وغيرهم من العاملين الصحيين الذين تحمّلوا سنوات من العمل بكل شجاعة تحت تهديد الهجمات خلال الحرب، وما زالوا صامدين حتى الآن من أجل إنقاذ الأرواح على الرغم من قلة الموارد. وقال لي أحد الأطباء: «كنا نخدم شعبنا في الظروف العادية؛ ونحن نخدمه في هذه الظروف الاستثنائية فلكَ أن تتخيل ما واجهناه وما نواجهه الآن».

rd-syria

ونحن في منظمة الصحة العالمية نتحدث عن قدرة النُظم الصحية على الصمود، وأهميتها في ضمان صحة جميع الناس وعافيتهم، لا سيّما أثناء الأزمات. ولكن في سوريا، رأيتُ القدرة على الصمود والروح الإيجابية لهذا الشعب الذي لم يستسلم، ولا يزال عازماً على إعادة السلام والازدهار إلى بلده على الرغم من اليأس الذي واجهه على مدى قرابة عقد من الزمان.

لكن الدمار الناجم عن الحرب لا يزال جلياً في سوريا، كما أن التعقيدات المستجدة - مثل كوفيد-19 - فاقمت أعباء الناس الذين أنهكهم بالفعل الصراع المستمر وفاشيات الأمراض والكوارث الطبيعية، ومنها الحريق الهائل الأخير الذي دمّر سُبُل عيش الكثيرين.

ولا يزال نصف جميع المهنيين الصحيين خارج البلاد، ولا يعمل سوى 48% من المستشفيات العامة و48% من مراكز الرعاية الصحية الأولية بكامل طاقتها. ولا يزال هناك نقص في أعداد العاملين الصحيين واللوازم الطبية والمعدات والأدوية، حيث لا يتوفر ما يقرب من خُمس الأدوية المنتَجة محلياً بسبب الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية على إنتاج المستحضرات الصيدلانية المحلية.

فالناس يعانون ويموتون بسبب نقص الأدوية اللازمة لحالات مثل ارتفاع ضغط الدم والسُكري والفشل الكلوي. وتتعرّض المعدات الرديئة النوعية التي تُستخدم على مدار نوبتيْن ليلاً ونهاراً للضغط الشديد بسبب ارتفاع الطلب عليها والقيود المفروضة على استيراد قطع الغيار؛ وقد أدّت العقوبات إلى تفاقم الوضع الذي كان متردياً أصلاً، الأمر الذي أثّر على جميع الناس وجميع القطاعات، ولا سيّما قطاع الصحة.

والأطباء المهرة بحاجة ماسّة إلى موارد تمكّنهم من إجراء العمليات الجراحية المنقذة للحياة وغيرها من الإجراءات الطبية اللازمة. وطلاب الطب مصممون على خدمة بلادهم ولكنهم يشعرون بالإحباط بسبب الثغرات العديدة التي سيواجهونها باعتبارهم مقدمي خدمات في الخطوط الأمامية.

ومع أن الشعب السوري يعيش حالة من الحرب والجوع والمرض، فقد أصبح يواجه الآن تهديداً آخر يلوح في الأفق: مثل العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم، إذ نتوقع موجة أخرى من كوفيد-19 في سوريا.

وبينما نواصل تقديم الإمدادات وتوسيع نطاق القدرة على إجراء الاختبارات في جميع أنحاء البلاد من خلال اتباع نهج "جميع الأساليب"، رأيت التزاماً رفيع المستوى عبر جميع مستويات الشركاء وجميع القطاعات لمكافحة الجائحة بما يتماشى مع توصيات منظمة الصحة العالمية. ومع ذلك، لا تزال القدرة على إجراء الاختبارات محدودة، ويظل التزام عموم الناس باستخدام الكمامات والتباعد البدني منخفضاً، ولا يزال العاملون الصحيون معرّضين بشدة للخطر بسبب الافتقار إلى معدات الوقاية الشخصية.

إن الشعب السوري أمامه طريق طويل وشاق. ولكن على الرغم من الدمار والحرمان، فإن هناك قدرة هائلة على الصمود وأملاً مشجعاً؛ وسنواصل دعمنا لجميع السوريين في كل خطوة على الدرب، ولا سيّما الفئات الأكثر ضعفاً، مهما كانت الظروف التي يواجهونها. ورغم كل هذه التحديات، فقد تمكّن السوريون من الحفاظ على مستوى أساسي من الرعاية الصحية يمكننا البناء عليه بدعم من المجتمع الدولي وشركائنا الملتزمين داخل البلاد وخارجها.