تمثِّل السلامة على الطرق أولوية وطنية، نظراً لما يرتبط بها من تطبيق لأنماط السلوك القويم في إطار الأبعاد التنموية، المرتبطة بالحدِّ من الحوادث على الطرق وتداعياتها. وتأييداً لهذه الأولوية الصحية التنموية، تدشِّن جمهورية مصر العربية برنامجها الوطني للسلامة المرورية ضمن عشر دول مختارة لمشروع "السلامة على الطرق - RS10"، وذلك تأميناً لمعايير الصحة العامة في توقِّي إصابات الحوادث والتخفيف من تداعياتها، ومواكبةً للتوجُّه العالمي لتعزيز الثقافة المرورية، وتلبيةً للأولويات الإقليمية للحدِّ من حوادث السير.
وفي سياق مواصلة الجهود في هذا المجال، يأتي هذا البرنامج ممثلاً لصيغة تضامنية في العمل المؤسسي الذي يجسِّد الرؤية الوطنية المتكاملة لأدوار القطاعات المعنيَّة، بما يشمل الجانب الحكومي، ومؤسسات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، والأفراد، وبالشراكة مع منظمة الصحة العالمية وشركاء دوليِّين، نحو تشكيل وعي عام بحجم المشكلة وأعبائها، وتطبيق صيغة عملية ملائمة للتدخل الفاعل. ويتزامن هذا التدشين مع إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة عن أوّل "عقد للعمل من أجل السلامة على الطرق 2011 - 2020" لوضع حدّ لارتفاع معدل الوفيات الناجمة عن التصادمات المرورية.
ومشروع "السلامة على الطرق - RS10"، مبادرة دولية، وتعمل في إطارها لجنة قومية من الوزارات المعنيَّة، مثل وزارات النقل، والداخلية، والصحة والسكان، والتعليم، والتعليم العالي، والإعلام، فضلاً عن هيئات ومنظمات أهلية، وكذلك الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وتتعاون مع هذه الجهات لجنة دولية تنسِّقها منظمة الصحة العالمية، وتمولها مؤسسة بلومبرغ.
وستكون مصر الدولة الأولى إقليمياً التي يطبَّق فيها المشروع، وذلك في إطار الجهود الحثيثة التي تُبذل للحدِّ من الوفيات والإصابات الناجمة عن التصادمات على الطرق. وسوف يتم إطلاق المشروع في الواحدة من ظهر يوم الاثنين، 11 تموز/يوليو 2011، بمعهد التدريب القومي، التابع لوزارة الصحة والسكان، في فعالية يحضرها ممثلو كافة الجهات المشاركة، وخبراء دوليون وخبراء منظمة الصحة العالمية في المقر الرئيسي والمكتب الإقليمي ومكتب منظمة الصحة العالمية في مصر، ويفتتحها الدكتور حسين عبد الرزاق الجزائري، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط.
ويهدف المشروع - الذي سيطبَّق في تسعة بلدان أخرى هي روسيا وتركيا وكينيا والمكسيك وفيتنام وكمبوديا والصين والهند، إلى رفع مستوى الأمان على الطرق من خلال التصدِّي لمشكلة السرعة وتعزيز استخدام أحزمة الأمان، إذْ إن تخطِّي السرعة المسموح بها هو أحد الأسباب الرئيسية لوقوع التصادمات على الطرق في مصر، كما أن التطبيق الحازم لاستخدام أحزمة الأمان هو أحد التدخلات الوقائية الفعَّالة للحدِّ من الإصابات والوفيات الناجمة عن التصادمات.
وقد بدأت الأطراف المشاركة ومعها لجنة التنسيق عملية الإعداد لتطبيق المشروع في مصر منذ أشهر، وأثمر عملها الحثيث حتى الآن عن وضع 16 جهازاً لكشف السرعة (الرادار) على الطريق الدائري، وفي غضون أسبوع واحد انخفض عدد مخالفات تجاوز السرعة من 40 ألف مخالفة إلى 4 آلاف مخالفة فقط على هذا الطريق. ويستهدف المشروع مبدئياً محافظتي القاهرة والإسكندرية على أن يعمَّم تدريجياً على سائر المحافظات.
ومن الأهداف الهامة الأخرى للمشروع التأكُّد من تطبيق التشريعات والقوانين الخاصة بالسلامة على الطرق، ورفع مستوى إدارة البيانات والمعلومات من خلال التنسيق بين كافة الجهات المعنية.
يذكر أن التصادمات على الطرق تمثِّل عبئاً شديد الوطأة على كاهل قطاعات عديدة، في مقدّمتها القطاع الصحي ونُظُم الرعاية الصحية. ولهذه المشكلة ملامح خاصة في مصر، إذ إنها أكثر وقوعاً بين الذكور عنها بين الإناث بنسبة 76% و26% على التوالي. ويمثّل الشباب وصغار البالغين الفئة الأكبر بين ضحايا التصادمات، ما يعني أن الخسارة فادحة في الفئة العمرية الأكثر إنتاجية في المجتمع، الأمر الذي يعرِّض المجتمع لخسارة الحاضر والمستقبل معاً. والمؤسف أن 50% من الوفيات تقع بين عائلي الأسر في المرحلة من 15 إلى 44 عاماً مما يرسم بُعداً اجتماعياً خطيراً للمشكلة.
كما أن للمشكلة وجهها الاقتصادي المفزع، إذْ تكلف البلدان ذات الدخل المنخفض والدخل المتوسط (ومن بينها مصر) ما بين 1%إلى 2% من الناتج القومي الإجمالي أي أكثر من مجموع المساعدات التنموية الدولية التي تحصل عليها هذه البلدان.
ومن ملامح مشكلة التصادمات على الطرق في مصر أيضاً أنها، على عكس الاعتقاد الشائع، تقع في الطرق الأقل ازدحاماً بالمركبات، إذْ يغري هذا الوضع هواة مخالفة حدود السرعة بالقيادة المتهورة. وهذا ما يتسبَّب كذلك في ازدياد نسبة التصادمات في أيام العطلات، وخصوصاً الجمعة، وفي ساعات الصباح الباكر وفي المحافظات قليلة الكثافة السكانية مثل جنوب سيناء.
ومن شأن التصدِّي لمشكلة السرعة وتحقيق الأمان على الطرق أن يعود بفوائد جمَّة على الاقتصاد، فهو يعني توفير جانب لا يستهان به من الإنفاق الطبي، والإنفاق لتعويض التلفيات والخسائر، والإنفاق لإعادة التأهيل، والأمر الأهم هو إنقاذ الأرواح التي تُزهق في التصادمات على الطرق، وهو أمر لا يمكن تعويضه بأي ثمن.