اليوم العالمي لحقوق الإنسان 2011

وقّع كل بلد من البلدان في إقليم شرق المتوسط معاهدة واحدة على الأقل من المعاهدات المعنية بحقوق الإنسان، ومن بينها الحق في الصحة وسائر الحقوق الأخرى ذات الصلة بالظروف الواجب توافرها من أجل تعزيز أنماط الحياة الصحيّة السليمة.

إن الحق في الصحة هو أحد الحقوق الإنسانية الأساسية وفقاً لما أقرّه دستور منظمة الصحة العالمية "التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه هو أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان". ولكن هذا الحق، ومعه حقوق اجتماعية أخرى، كان مصيره التجاهل لوقت طويل، حيث هيمنت القضايا السياسيّة على أولويّات البلدان، مما أدّى إلى تراجع التدخّلات الإنمائيّة الفاعلة لما من شأنه تعزيز الصحّة باعتبارها حقّاً إنسانيّاً أصيلاً. غير أنّ الأشهر الماضية شهدت تحوّلات جادّة منادية بالتغيير في عدد من بلدان إقليم شرق المتوسّط، تمثّلت في المطالبة الشعبيّة بتلبية الحقوق الإنسانيّة في أبعادها المرتبطة بالحالة الاجتماعية والنفسية والجسدية، وليس فقط الحقوق السياسية. وكان هذا النداء لأول مرة بهذه الدرجة من الوضوح والثقة والإجماع، فكانت أولى الشعارات التي تعالت في الربيع العربي هي "الخبز، الحرية، العدالة الاجتماعية"، وهي النداءات التي أطبقتها وسائل التواصل الاجتماعي واستمرَّت ولا تزال في دعمها والترويج لها.

وبمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، يحتفل المكتب الإقليمي لمنظّمة الصحّة العالميّة لشرق المتوسّط بدور وسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز حقوق الإنسان بوجه عام والحق في الصحة بوجه خاص.

لقد أدت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً في إحداث التغيير والتحول في هذه المنطقة، إذ انطلقت منها الشرارة الأولى التي ألهبت أحداث الربيع العربي الذي يُتوقع له أن يأتي بقدر أكبر من الاحترام لحقوق الإنسان والاعتراف بها، سواء الاجتماعية منها أم السياسية. فلم يجد الناس عبر العالم وسيلة أفضل من وسائل التواصل الاجتماعي للتضامن من أجل حقوقهم والمطالبة بها ولجعل أصواتهم مسموعة.

ولم يكن دور وسائل التواصل الاجتماعي أقل أهمية في إبراز الحاجة إلى الإدراك الكامل "لحق الصحة للجميع" بلا أي تمييز؛ وهو الدور الذي تم توثيقه جيداً خلال الحملات التي قام بها النشطاء حول: مكافحة التعذيب، والحصول على الدواء، والأحوال المعيشية في السجون، وسائر الموضوعات المماثلة.

إن الدور الذي باستطاعة وسائل التواصل الاجتماعي أن تضطلع به هو دور حيوي في حياتنا من أجل النجاح في إدراك الحقوق الصحية على كافة المستويات وعلى خلاف التوقعات. فقد ثبت الآن أن التغيير إنما يأتي عندما يريده الشعب ويطالب به ويدعو إليه. والأمر ذاته ينطبق على الحقوق الصحية؛ فوسائل التواصل الاجتماعي قادرة على أن تجعل الحق في الصحة مطلباً مكفولاً للجميع.

فتبادل المعلومات، وإشراك الأفراد، ونسف الحواجز التي تعوق المعرفة، واتخاذ الإجراءات بما يسمح للناس أن يتخذوا قرارات مستنيرة بشأن صحتهم وحقوقهم الصحية، وإلقاء الضوء على الفجوات وتجسيرها، وإنهاء التمييز، كل هذا يمكن تحقيقه من خلال التشجيع على إقامة شبكات أكبر وتواصل أقوى ونقل المعلومات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

وحيث أنّ جيل الشباب اليوم هو من يوجِّه بوصلة وسائل التواصل الاجتماعي، فإننا بصدد أن نشهَد تحولاً واعداً في استخداماتها. فالحكومات والمسؤولون يوجهون رسائلهم عبر هذه الوسائل كإشارة لاهتمامهم والتزامهم بالتغيير الذي طالبت به الشعوب، وهو الأمر الذي سوف يَترُك أثراً إيجابيّاً على عملنا التضامني في مجال تأمين الحقوق الإنسانيّة.

إننا ندعو إلى إعداد مواد إعلاميّة واتّصاليّة عالية المردود من خلال وسائل التواصل هذه، بوصفها طريقة فعالة لتمرير الرسالة الصحيحة للعامة، ولتصحيح المفاهيم والممارسات الخاطئة، والضارّة بالصحة.

وتأتي أهمية هذه المناسبة في تجديد الدعوة إلى بناء شراكات أقوى مع أفراد ومؤسسات من بلدان ومنظمات أخرى ومن مختلف القطاعات من أجل تبادل الخبرات والتعلّم من تجارب الدول في سبيل إدراك الحقوق الصحية.

كما يؤكِّد المكتب الإقليمي لمنظّمة الصحّة العالميّة لشرق المتوسّط على أولويّة توثيق قصص النجاح، من خلال شبكات التواصل الاجتماعي؛ فالنقل السريع للمعلومات الذي توفره هذه الشبكات يمكِنه إلى حد كبير تعظيم الأثر من أجل إدراك الحقوق الإنسانيّة على نحو أفضل. وإلى جانب ذلك فإنّ المنظّمة تدعو إلى حوار أعمق على جميع المستويات باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي حول كيفية إعداد الدساتير ووثائق الحكم الجديدة بحيث تعكس طموحات الشعوب في تلبية حقوقهم بما فيها الحق في الصحّة؛ وهو أمر يجب أن يولَى العناية التي يستحقها في البرامج المستقبليّة للدول بحيث تعطىَ الأولوية للإنسان وحقوقه.

ومع احتفالنا بالنجاح الذي حققته وسائل التواصل الاجتماعي في صيغتها الالكترونيّة من حيث الدفع في اتجاه حقوق الإنسان، فإننا ندعو إلى الاهتمام والعناية بوسائل التواصل الاجتماعي المحلية المتاحة والتي تمثِّل موروثاً ثقافيّاً في تبادل المعلومات والخبرات، في ظلّ احترام التقاليد والعادات الإيجابيّة، في الاستناد إلى المعارف والقيَم المتداولة في تأمين الحقوق الإنسانيّة وإنفاذ العدالة، بما يشمل السَرْد الشفهي والقَصَص الشعبي، وغيرها من الوسائل الاتّصاليّة الفاعلة.

واليوم، يجدد المكتب الإقليمي لشرق المتوسط التزامه بتوطيد الحقّ في الصحة على جميع المستويات، محليّاً وإقليميّاً وعالميّاً، وهو التزام انصهرت معه حواجز المسافة في بوتقة واحدة، ولأول مرة، بفضل وسائل التواصل الاجتماعي.