الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد
23 من محرّم 1438 – 24 تشرين الأول/أكتوبر 2016 - يسْتذكر العالم، في الرابع والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر من كل عام، أن مرضاً تسبَّب في إصابة الأطفال بالشلل وأودى بحياتهم منذ آلاف السنين ما زال يرتع بيْننا حتى الآن، منذراً بخطر على مستقبل الأجيال القادمة. وفي اليوم العالمي لشلل الأطفال، نستحضر معاً تلك المنحة الإلهية التي وهبَنَا الله عزّ وجلّ إياها، والتي لن تمكّننا وحسب من إيقاف عدوى ذلك المرض من الانتقال إلى أطفالنا، بل سوف تستأصل جذوة ذلك المرض من على وجه الأرض نهائياً وبلا رجعة. ومصداقاً لذلك، يعلُّمنا نبيّنا الكريم محمد صلوات الله وسلامه عليه أنه "ما أنزل الله داءً إلا وأنزل له شفاءً " (صحيح البخاري).
لقد بدأت رحلة استئصال شلل الأطفال منذ عقودٍ قليلةٍ مضت، حينما اكتُشِف لقاح شلل الأطفال. وهذا اللّقاح يحمي الأطفال من الإصابة بالمرض ومن انتقال عدواه إلى الغير. وبعد أن وقع مئات الآلاف من الأطفال فريسةً لذلك المرض في أكثر من 100 بلدٍ حول العالم، فقد بات اليومَ مـُحاصراً في بعض الجيوب المتبَقّية داخل ثلاثة بلدان وحسب. وعلى الرغم من الشوْط الكبير الذي قُطِع طيلة السنوات القليلة الماضية من أجل خفض عدد حالات الإصابة بشلل الأطفال، فإننا جميعاً لن نقبل بأقل من أن تتوفر الحماية لكل طفل وطفلة ضد الإصابة به.
يقول الله عزّ وجلّ في مـُحكَم آياته "قد خسر الذين قتَلوا أولادهم سفهاً بغير علمٍ وحرّموا ما رزقهم الله افتراءً على الله، قد ضلّوا وما كانوا مُهتدين" (سورة الأنعام آية 140). ولذلك، فإن الفريق الاستشاري الإسلامي المعني باسئصال شلل الأطفال (وهي شراكة تأسست بين الأزهر الشريف، ومجْمع الفقه الإسلامي الدولي، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومجموعة البنك الإسلامي للتنمية، إلى جانب كوكبة من علماء المسلمين، والخبراء التقنيّين، والأكاديميين) يجدد دعوته لجميع الآباء والأمهات لكي يأخذوا زمام المبادرة ويُطعِّموا أطفالهم ويحصّنوهم ضد ذلك المرض الموهِن الذي يمكن توقّيه، لاسيما الأطفال دون سن الخامسة من الذين لم يحصلوا على التطعيم من قبل. وليس ذلك إلا التزاماً دينياً يتعيّن على الوالدين الوفاء به؛ أماّ إذا غضّوا الطرْف عنه، فسيترك ذلك أطفالهم ضحيةً للشلل طيلة أعمارهم. ولنا في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ حينما قال صلوات الله عليه وسلامه: "كفى بالمرء إثماً أن يُضيّع من يعول" (رواه أبو داود).
كما يُهيب الفريق الاستشاري الإسلامي بالقيادات الدينية والمجتمعات المحلية أن يوفروا الحماية ويتعاونوا مع فرق التطعيم التي لا تألوا جهداً من أجل الوصول إلى كل طفل وطفلة لاتخاذ هذا التدبير الذي منّ الله به علينا والذي من شأنه أن يُنقذ أرواحهم. وفي اليوم العالمي لشلل الأطفال، لا يسعُنا سوى أن نتوجّه إلى هؤلاء العاملين بوافر التقدير وأن نشدّ من أزرهم، فهم يحملون أرواحهم على أكفهم من أجل تأدية واجبهم نحو أطفالنا. ونراهم في تفانيهم وإخلاصهم يذكّروننا بقول الرسول الكريم: "إن الله يحبّ إذا عمل أحدُكم عملاً أن يتقِنَه" (رواه الطبراني).
واللهَ نسألُ ختاماً أن يحفظ أطفالنا من كل سوء، وأن يمنحهم من القوة والعافية ما يمكِّنهم من تبوّؤ مكانتهم المستحقة بين أبناء هذه الأمة.
لمزيد من المعلومات: