9 أيار/ مايو 2024 - إنه اليوم الأول من حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في ولاية البحر الأحمر السودانية، حيث كُشِف عن وجود فيروس شلل الأطفال في عينات مياه الصرف الصحي في وقت سابق من عام 2024. ومع بزوغ الفجر، انطلق القائمون على التطعيم وهم يحملون حوامل اللقاحات المملوءة بعبوات الثلج وقنينات لقاح شلل الأطفال الفموي وفيتامين (أ)، من أجل الوصول إلى الأطفال في مجتمعاتهم المحلية. هدفهم: تطعيم كل طفل يقل عمره عن 5 سنوات في الولاية على مدار أيام الحملة الأربعة.
ومنذ بدء الصراع في السودان، في نيسان/ أبريل 2023، تعطلت البنية الأساسية الصحية وخدمات التمنيع. وتُرك مئات الآلاف من الأطفال دون تطعيم ومعرضين لخطر الإصابة بالأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، مثل شلل الأطفال. ويتفاقم هذا الوضع بسبب نزوح أعداد كبيرة من الناس.
وعندما وردت أنباء عن العينات الإيجابية لفيروس شلل الأطفال، سارعت وزارة الصحة الاتحادية إلى العمل بدعمٍ من منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف). وبعد إجراء استقصاءات مفصلة وتقييمات للمخاطر، نُشِر فريق من الخبراء التقنيين لتحديد مختلف المناطق الشديدة الخطورة التي تتطلب استجابة في جميع أنحاء السودان.
وفي الوقت الذي انطلقت فيه الحملة في ولاية البحر الأحمر، كانت المجتمعات المحلية تدرك أهدافها جيدًا. وقد اغتنم مسؤولو التعبئة الاجتماعية كل فرصة ممكنة لزيارة المجتمعات المحلية وتوعيتها بالتطعيم ضد شلل الأطفال. وقد بُثَّت الرسائل عبر الراديو ومن مكبرات الصوت على المركبات في أنحاء القرى تحث الآباء والقائمين على الرعاية على تطعيم جميع الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات في حملة التطعيم ضد شلل الأطفال التي ستبدأ في وقت قريب. كما عملت الأفرقة الصحية مع الشركاء للوصول إلى الأطفال في الأسر النازحة.
يمكننا إيصال اللقاحات إلى كل الأطفال، حتى في الأماكن الجبلية
في مركز عقيق الصحي، يتولى محمود، وهو عامل صحي وقائم على التطعيم منذ 10 سنوات، جمع اللقاحات في منطقة الخدمة الطبية التابعة له في اليوم الثالث من الحملة.
ويخطط محمود للوصول إلى المجتمعات المحلية المتنقلة والتي يصعب الوصول إليها في وادي برقيق، وفي الجبال وعلى طول الحدود مع إريتريا، حيث يقع أقرب مرفق صحي على بُعد 40 كيلومترًا. وستظل هذه المجتمعات المتنقلة في الجبال حتى بداية أيار/ مايو هذا العام. وسيسافرون إلى ريف ولاية كَسَلا مع حلول الصيف.
يقول محمود: "مع تحرك هذه الفئات السكانية دائمًا، هناك احتمال حقيقي جدًا أن يفوت أطفالهم أنشطة التطعيم. هذا يعني أنه ليس لدينا وقت نضيعه في الوصول إلى هؤلاء الأطفال".
ومع حفظ اللقاحات بأمان في صناديق باردة وحوامل اللقاحات للحفاظ على درجة الحرارة المثلى، يشرع الفريق في الرحلة من عقيق إلى وادي برقيق. وهم يسافرون بالسيارة في البداية، ثم يستخدمون الإبل والحمير في آخر ساعتين، حيث تصبح الطرق أكثر وعورةً وضيقًا.
قطرة تلو قطرة، تتحقق الحماية للأطفال
وعندما يصل محمود وفريقه، ينتظر الآباء ومقدمو الرعاية بصبرٍ في مأوى مؤقت مسقوف بالقش. ويشترك هؤلاء جميعًا في شيء واحد، ألا وهو الرغبة في حماية أطفالهم من الأمراض التي تهدد حياتهم والتي يمكن الوقاية منها.
وكانت فاطمة، أم محمد البالغ من العمر 4 سنوات، قد زارت المركز الصحي قبل بضعة أشهر. وبينما تلقى طفلها الذي يعاني من سوء التغذية العلاج، فقد أُبلِغَت عن الحملة المقبلة للتطعيم ضد شلل الأطفال. ولم تتردد فاطمة في تطعيم أطفالها، لأنها تعلم أن هذه هي أفضل هدية يمكن أن تقدمها لهم.
وتقول فاطمة: "في كل مرة يصل القائمون على التطعيم، أخرج أطفالي لتلقّي اللقاحات، وهم جميعًا في حالة جيدة".
ويتولى الفريق إعطاء لقاح شلل الأطفال الفموي قطرة تلو الأخرى لطفلٍ ثم لآخَر بهدف حماية جميع الأطفال الموجودين في المأوى من شلل الأطفال. ويمكن أن يسبب هذا المرض الإصابة بالشلل وحتى الوفاة إذا لم يحصل الأطفال على التطعيم لمراتٍ كافية.
وبنهاية اليوم، كان الفريق قد طَعَّمَ 180 طفلًا، منهم 29 رضيعًا تقل أعمارهم عن 12 شهرًا، وبعض الأطفال الذين لم يحصلوا على أي جرعات من اللقاحات من قبل. وانبهر محمود بأعداد الأطفال التي تسنّى الوصول إليها، وقال أن تغيير السلوك في هذا المجتمع لم يحدث بين عشية وضحاها. فهذا التغيير ثمرة سنوات من الجهود المنتظمة للتثقيف الصحي التي بذلها المرشدون الصحيون والعاملون الصحيون والمتطوعون.
ويقول محمود، متحدثًا عن الآباء ومقدمي الرعاية: "حَرِصنا على إشراكهم باستمرار من خلال دورات التثقيف الصحي وإذكاء التوعية. وقد أبلغناهم بأن التطعيم شكل من أشكال الحماية، وضربنا أمثلة بأطفال من المجتمع المحلي لم يتلقوا التطعيمات، وكيف عانوا من الأمراض. ونتيجة لذلك، أصبحوا أكثر قبولًا للتطعيم".
واقترن ذلك أيضًا بمشاركة قادة المجتمع المحلي، مثل عمدة وادي برقيق المحلي، الذين أصبحوا منذ ذلك الحين دعاة لصحة الطفل وحملات التطعيم.
ويقول محمود، بطل الخط الأمامي لجهود التمنيع: "هؤلاء هم أهلنا وأطفالنا، لذلك نبذل قصارى جهدنا لشمولهم في الحملات الصحية والتمنيع الروتيني".
وإجمالًا، قدَّمَت حملة ولاية البحر الأحمر التي استمرت 4 أيام لقاح شلل الأطفال وفيتامين (أ) لأكثر من 200000 طفل تقل أعمارهم عن 5 سنوات. وستبدأ حملات مماثلة في 8 ولايات أخرى معرضة لخطر شديد في السودان في أواخر أيار/ مايو 2024 لضمان حماية جميع الأطفال الضعفاء الذين يمكن الوصول إليهم، بغض النظر عن مكان وجودهم.
معلومات أساسية عن جهود المبادرة العالمية لاستئصال شلل الأطفال في السودان:
في خضم الحرب في السودان، قَدَّمَ شركاء المبادرة العالمية لاستئصال شلل الأطفال، مثل اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية، الدعم للبلد لمنع زيادة انتشار فاشية شلل الأطفال فيه.
وتتولى اليونيسيف شراء اللقاحات وإيصالها، وتقود أنشطة التعبئة الاجتماعية على مستوى المجتمعات المحلية لزيادة الإقبال على خدمات التطعيم. كما توجه الجهات الرئيسية المعنية بالحملات مثل مسؤولي التعبئة الاجتماعية والزعماء الدينيين وقادة المجتمعات المحلية ووسائل الإعلام، بشأن أدوارهم.
ودأبت منظمة الصحة العالمية على تقديم الدعم التقني لوضع خطط مصغرة، وبناء قدرات القائمين على التطعيم، ورصد حملات التطعيم أثناء الحملات وبعدها. ويأتي ذلك في إطار الجهود المستمرة التي تبذلها المنظمة لدعم ترصُّد فيروس شلل الأطفال والاستجابة التقنية لمنع انتشاره وتعزيز مناعة الأطفال بوسائل منها إطلاق حملات التطعيم ضد شلل الأطفال.