الدكتور حامد جعفري، مدير برنامج استئصال شلل الأطفال في إقليم منظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، يدعو إلى التحلي بالعزم والإصرار عند مواجهتنا لآخر عقبات استئصال المرض
24 تشرين الأول/أكتوبر 2019 - بصفتي المدير الجديد لبرنامج استئصال شلل الأطفال في إقليم شرق المتوسط -وهو آخر منطقة في هذا الكوكب لا يزال يتوطّن فيها فيروس شلل الأطفال البري- من السهل أن يتسلَّل إليّ شعور بالإحباط. لكنني، على النقيض من ذلك، مفعمٌ بالنشاط والأمل.
لقد شاركتُ، منذ أكثر من عِقدين، في وضع أسس برنامج استئصال شلل الأطفال في هذا الإقليم. وأصبح الإقليم في الوقت الحالي خالياً من شلل الأطفال، باستثناء باكستان وأفغانستان. وقد توليتُ قيادة ما يمكن أن تُطلقوا عليه أصعب مرحلة يمكن أن تعيها الذاكرة الحديثة. وكان يعتريني شعور عميق بعدم اكتمال العمل، مثل العديد من الأشخاص الذين عملوا في مجال استئصال شلل الأطفال في الماضي. وبعد سنوات من انحسار حالات الإصابة، شهد عام 2019 إصابة أكثر من 80 طفلاً بشلل الأطفال، وكان أكثر من ثلثيهم في باكستان.
وكثيراً ما نتحدث عن بلوغ "آخر ميل" على طريق استئصال شلل الأطفال. وقد أحرزنا بالفعل تقدماً مذهلاً منذ إطلاق المبادرة العالمية لاستئصال شلل الأطفال في عام 1988 بهدف تخليص العالم من مرض يمكن توقِّيه باللقاحات ويؤدي إلى إصابة أكثر من 350000 طفل بالشلل كل عام. وتمكنَّا من استئصال الفيروس في عدد قليل من المناطق فقط على مدار الأعوام الثلاثين الماضية.
لكن حتى وجود حالة إصابة واحدة بشلل الأطفال يعني الكثير عندما يكون هدفنا هو الاستئصال.
والحقيقة المُرَّة هي أننا لم نبلغ هذا الهدف لأن إقليمنا ليس في وضع يؤهِّله إلى تحقيق مبتغاه. لكنني أدرك أن بإمكاننا بلوغ الهدف إذا تحلَّيْنا بقدر كاف من العزم والإصرار. ومن الأمانة أن أُقِر ببعض العقبات التي قد تقف حجر عثرة أمام وصولنا إلى هذا الميل الأخير أو قد تؤدي إلى ما هو أسوأ، أيْ انتكاسة الإقليم.
ولا يزال شلل الأطفال البري يسري في عدد قليل من المستودعات الرئيسية في باكستان وأفغانستان. وكانت تلك المستودعات مصدراً لحدوث فاشيات واسعة النطاق لشلل الأطفال هذا العام، كما كان الحال في كثير من الأعوام السابقة.
ويُعد الوصول إلى الأطفال جزءاً من التحدي، إذ لا نتمكَّن حالياً من الوصول إلى جميع الأطفال.
ويُعتبر التطعيم عن طريق زيارة المنازل مقياساً دقيقاً، لكن قد لا يكون ذلك ممكناً دوماً في المناطق التي تعصف بها النزاعات وتفتقر إلى الأمن. وأدت الزيادة الأخيرة في المحتوى المغلوط المُعارض للقاحات المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي إلى مزيد من الإرباك لعائلات صغار الأطفال. وندرك أيضاً أن المجتمعات التي يستحكم فيها شلل الأطفال هي من المجتمعات الأكثر افتقاراً إلى الخدمات، ويسود فيها شعور متزايد بالإحباط لأن التطعيم ضد شلل الأطفال يُعتبر الأولوية الصحية الوطنية الوحيدة.
لقد استعرضتُ عناصر البرنامج مع الجهات الحكومية والشركاء، ووضعنا استراتيجيات للتغلب على هذه التحديات، ونُصغي بكل تقدير إلى المجتمعات المحلية لتلقِّي آرائهم. وينتابني الخوف على العاملين الصحيين الذين يكرّسون جهودهم لتطعيم الأطفال في كل مكان. وما نحتاج إليه الآن هو إرادة وطنية موحدة وعزيمة لا تتزعزع. إذ تتطلب زيادة قبول اللقاحات وتعزيز تمنيع السكان إرادة سياسية على كل المستويات. وندعو قادة المجتمعات المحلية والبرلمانيين والمؤسسات الاجتماعية والمدنية والأكاديمية إلى تحمُّل المسؤولية الجماعية لضمان الاستماع إلى المجتمعات وإطلاعها على المستجدات ودعمها.
كما أننا بحاجة أيضاً إلى تعزيز التطعيم الروتيني. إذ تُثبت فاشيات شلل الأطفال المشتقَّة من اللقاحات التي وقعت مؤخراً في الإقليم أن مستويات المناعة منخفضة على نحو خطير في بعض المناطق.
ولهذا السبب يعمل برنامج شلل الأطفال بشكل وثيق مع برامج التمنيع الأخرى والشركاء المعنيين بالتمنيع. فلم يكمل عدد كافٍ من الأطفال جدول التطعيم الوطني الموصى به الذي من شأنه أن يحميهم من مرض شلل الأطفال والحصبة والدفتيريا وغيرها من الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات. ونحن مصممون بكل عزم على تغيير هذا الوضع.
وأخيراً، علينا أن نتذكَّر أن شلل الأطفال لا تقف أمامه الحدود. ففي وقت سابق من هذا العام، اكتُشف فيروس شلل الأطفال في إيران. وبفضل الترصُّد والتمنيع الروتيني القويين، تم احتواء الفيروس، لكنني أخشى ألا يحالفنا الحظ في المرة القادمة.
وفي سبيل التغلب على هذه العقبات، شرعت كلٌ من باكستان وأفغانستان في إجراء تغييرات تحويلية. وأفتخر بفِرق العمل الجريئة والمُغامِرة في هذيْن البلدَيْن وفي جميع بلدان الإقليم التي تعمل على مواصلة الترصُّد القوي للمرض وإيجاد طرق مبتكرة لدمج التطعيم وتعزيز البرامج الصحية الأخرى. ومن المنتَظر في هذا اليوم العالمي لشلل الأطفال أن تعلن رسمياً اللجنة العالمية للإشهاد على استئصال شلل الأطفال عن استئصال فيروس شلل الأطفال البري من النمط 3 على الصعيد العالمي، مما يؤكِّد مجدداً قدرتنا على تخليص العالم في نهاية المطاف من جميع سلالات شلل الأطفال.
ومن أجل زيادة نطاق مواردنا المالية، نعمل مع الحكومات والسلطات المحلية لإنجاز المزيد بموارد أقل. ويتيح لنا الدعم الذي تقدمه الجهات المانحة إيجاد طرق جديدة لتطعيم الأطفال. ولكن علينا جميعاً بذل المزيد من الجهد من أجل بلوغ هدفنا.
نُشرت هذه المقالة لأول مرة في صحيفة "ذا ناشيونال" بمناسبة اليوم العالمي لشلل الأطفال 2019.