21 حزيران/ يونيو 2023 - تشبه الآلية الواسعة للبرنامج العالمي لاستئصال شلل الأطفال إلى حد كبير طريقة العمل الداخلية للساعة؛ فهي شبكة من الأشخاص والمنظمات والبرامج المترابطة التي تُعد معًا أقوى من مجموع أجزائها. والتعاون هو أساس الاستئصال، وتؤدي كل جهة من جهات الاستئصال دورًا في تقريب البرنامج من أهدافه.
ولكن في بعض الحالات، تطور كل جهة من جهات الاستئصال قدرات أو ممارسات تمكّن من تحقيق قفزات برنامجية. والدكتور همايون أصغر هو أحد تلك العوامل المحركة الكبيرة للتقدم. كما أن مبادراته المتعلقة بالفحص المختبري المبكر لعينات البراز المأخوذة من الأطفال المصابين بالشلل الرخو الحاد، وجهوده الرامية إلى إنشاء شبكة أقاليمية من المختبرات وإنشاء شبكة رائدة كبيرة من مواقع الترصُّد البيئي في مصر هي ابتكارات تُمكّن اليوم قدرات البرنامج في مجال الترصُّد. ونحن نعرف مكان الفيروس، حتى في غياب حالات شلل الأطفال المسبب للشلل، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى عمله.
وكان الدكتور همايون يعمل مع موظفي المختبر الوطني لفيروس شلل الأطفال والخبيرة الاستشارية السيدة أنيميك فان ميدلكوب، بمناسبة وضع أول نظام لإدارة البيانات المختبرية لفيروس شلل الأطفال في باكستان1988، عندما انضم الدكتور همايون إلى المعهد الوطني للصحة في العاصمة الباكستانية إسلام أباد، وكان شلل الأطفال يصيب أكثر من 1000 طفل بالشلل في جميع أنحاء العالم كل يوم، وكان يجري للتو إعداد المبادرة العالمية لاستئصال شلل الأطفال. ورصد الدكتور همايون فرصة لوقف انتشار فيروس شلل الأطفال عن طريق تتبّعه - ويعني ذلك تحديد الأطفال المصابين بالشلل الرخو الحاد الذين أصيبوا بعدوى فيروس شلل الأطفال، والأطفال الذين يعانون الشلل لأسباب أخرى. وفي عام 1991، بدأ الدكتور همايون في الاتصال بأطباء الأطفال، ثم بالقائمين على التطعيم في وقت لاحق، لجمع عينات البراز من الأطفال الذين كانوا مصابين بالشلل الرخو الحاد لاختبار إصابتهم بعدوى فيروس شلل الأطفال. وفي إشارة إلى مساهمة الأطباء والقائمين على التطعيم، عرض الدكتور همايون النتائج على الفور على الشخص المُبلِّغ، بغض النظر عن موقعه.
وسدت المعلومات فجوة بالنسبة للأطباء الذين أرادوا معرفة سبب إصابة مرضاهم بالمرض، وقدمت مستوى جديدًا من التفاصيل عن مكان وجود الفيروس. وسرعان ما انتشر الخبر وبدأ المزيد والمزيد من الأطباء في إرسال عينات براز مرضى الشلل الرخو الحاد. ومع تزايد هذه الممارسة، اقتضى الأمر إضفاء الطابع الرسمي على العمليات على النحو التالي: كان على الدكتور همايون وزملائه التأكد من وصول عينات البراز إليهم في الظروف المناسبة للفحص، مما أدى إلى وضع مجموعة من المعايير وإجراءات تشغيل معيارية حول نقل عينات البراز - وهو ما يعرف اليوم بسلسلة التبريد العكسية.
بدء ترصُّد الشلل الرخو الحاد في باكستان
كشف هذا النظام الجديد النقاب عن فجر عصر من الترصد التفصيلي والمنهجي للشلل الرخو الحاد، وهو أكثر الأعراض شيوعًا بين أعراض الإصابة بفيروس شلل الأطفال وأكثرها كشفًا عن الإصابة. ونبع ذلك من الثقة المتبادلة والتعاون مع جهات التنسيق في المجتمع المحلي، وأعاد التأكيد على اعتقاد الدكتور همايون القائل: "إذا قَدَّمتَ الخدمة للمجتمع، فإن المجتمع سيخدمك".
وفي إطار سعي الدكتور همايون وزملائه إلى سد الثغرات في ترصُّد الأمراض وإضفاء الطابع الرسمي على ممارسة فحص عينات مأخوذة من مرضى الشلل الرخو الحاد، فقد نجحوا في إنشاء أول مختبر لشلل الأطفال في باكستان.
ويقول الدكتور حامد جعفري، مدير برنامج استئصال شلل الأطفال في إقليم منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط، أن هذه المساهمة في استئصال شلل الأطفال لا مبالغة فيها.
"لقد زرع الدكتور همايون بذور ترصُّد الشلل الرخو الحاد في باكستان من خلال مبادرته الخاصة وتحركه، كما أنه رعى ودَعَمَ شبكة المختبرات في إقليم شرق المتوسط؛ وبوصفه أحد مهندسي شبكة المختبرات الإقليمية والعالمية، فقد ساهم في بناء إرث عظيم".
النهوض بعمل الإقليم
وعلى مدار العقود المنصرمة، ساعد الدكتور همايون شبكة المختبرات في الإقليم على زيادة حجمها ومهارتها، وذلك بإدخال ممارسات جديدة مثل فحص مياه الصرف الصحي للكشف عن فيروس شلل الأطفال (الترصُّد البيئي)، ثم تسخير هذه الممارسة الجديدة لاختبار وجود أمراض أخرى، كان آخرها كوفيد-19. كما أخذ الممارسة من إقليم شرق المتوسط إلى الإقليم الأفريقي، داعمًا مختبر شلل الأطفال في نيجيريا لإدخال الترصُّد البيئي.
وقد مَكَّن فحص الفيروس وتتبُّع في عينات البراز ومياه الصرف الصحي البرنامج من تحديد أنواع مختلفة من فيروس شلل الأطفال، وبناءً على ذلك، استُحدثت ممارسة لإجراء تسلسل النوكليوتيدات الذي يقدّم صورةً أكمل لسلالة الفيروسات ويسمح للعلماء بتحديد الفصيلة التي ينتمي إليها أي فيروس من فيروسات شلل الأطفال. ويعزو الدكتور همايون هذه الإنجازات إلى موظفي المختبرات، الذين عززوا قدرتهم على تشخيص شلل الأطفال دون انتظار نتائج المختبرات العالمية المتخصصة الأخرى.
دعم الآخرين في النمو
ومنذ انضمامه إلى إقليم منظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط في شباط/فبراير 2002، شغل الدكتور همايون عدة مناصب، منها عالم الفيروسات، والمستشار الإقليمي لمختبرات الصحة العامة، وأخيرًا كمنسق لترصُّد فيروس شلل الأطفال ودعم المختبرات وإدارة البيانات في الإقليم. ويُرجِع الدكتور همايون الفضلَ في ذلك إلى مُرشدَين على وجه الخصوص ألهما مسيرته المهنية، وهما الدكتور الراحل حلمي وهدان، المدير السابق لشلل الأطفال في إقليم منظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، والدكتور أولين كيو، عالم فيروس شلل الأطفال - وقد حاولَ الدكتور همايون على مدار مسيرته المهنية دفع هذا الإلهام إلى الأمام.
وقالت الدكتورة نعمة سعيد عابد، ممثلة منظمة الصحة العالمية في السودان: "لقد عمل الدكتور همايون على توجيه العلماء الشباب واختصاصيي المختبرات في جميع أنحاء الإقليم ودعمهم للنهوض بمهاراتهم ووظائفهم." "لقد كان قائدًا حقيقيًا في مجاله".
ولعل من غير المثير للدهشة أن يعتقد الدكتور همايون أن أحد العوامل الرئيسية لاستئصال شلل الأطفال لا يكمن في المختبر، بل في الناس: في تمكين القوى العاملة وإشراكها من خلال تحفيزها على التعليم والتدريب والترقية.
وبمناسبة تقاعده في أيار/ مايو 2023، أعرب الدكتور همايون عن عرفانه لأنه تمكَّن من مشاهدة مرحلتين رئيسيتين مهمتين والإسهام فيهما، وهما: استئصال فيروس شلل الأطفال البري من النمطين 2 و3.
وعندما يحدث استئصال فيروس شلل الأطفال البري من النمط 1، يقول: "سأهتف من الخطوط الجانبية، إلى جانب العديد من المساهمين الحيويين الآخرين في إرث البرنامج".