مسيرة حياة في استئصال الأمراض

لقد قضيت حياتي المهنية تقريبًا في العمل في برامج الاستئصال - أولاً استئصال الجدري ، ثم استئصال شلل الأطفال. لقد كانت مهنة استئصال الأمراض مهنة مجزية لي لأنني أشعر بالفضول وأود معرفة ما يحدث في العالم. وفي كل مرة أرى فيها مرضاً يعود من جديد بعد أن عملنا طويلاً من أجل القضاء عليه، أشعر بالحزن وأعرف أنه يجب علي أن أعمل على إيقاف انتشاره.

لقد عملت في برنامج استئصال الجدري في السبعينات من القرن العشرين. كنت مختصًا في علم الوبائيات - وهذا يعني أن مهمتي هي تتبُّع المرض والتخطيط لإيقافه.

اعتدنا على إجراء حملات التلقيح في الليل عندما كان الجميع نائمين، لأننا نعرف أن الجميع سيكونون في المنزل، ولن نخاطر بفقدان شخص واحد. وعندما تظهر سياراتنا في الظلام، كان الناس يتجمعون خارج منازلهم ليروا ما يحدث. فالصوماليون فضوليون جدا! عندما نجلب لهم اللقاح، كنا نصادف أحياناً من يثير بعض المشاكل، ولكن معظم الناس يسرّون برؤيتنا.

كانت الصومال آخر بلد عثر فيه على الجدري في العالم كله. عندما عرفت أننا انهينا الجدري حقاً في عام 1977، كنت سعيداً جداً. لقد طبع اسمي على وثيقة الإشهاد على انتهاء الجدري – وكان هذا شيئًا أفتخر به. لقد حررنا العالم من الجدري!

أتذكر بعدها أن أحد أصدقائي اتصل بي في عام 1997 ليخبرني أننا سنسعى لاستئصال مرض آخر، وأن علينا أن نبحث عن مرض يدعى "الشلل الرخو الحاد". تساءلت في نفسي، ما هو "الشلل الرخو الحاد"؟ أنا لم أسمع به من قبل. فشرحوا لي أن الشلل الرخو الحاد - كان عرضًا من أعراض شلل الأطفال.

ثم في أحد أيام عام 1999، تلقيت مكالمة تسألني عما إذا كنت سأشارك في برنامج الاستئصال وهو البرنامج الثاني في حياتي. وقالوا لي: "إذا كنت مستعدًا، فسنجعلك منسقًا للبرنامج. فنحن لا نعرف إذا كان هناك مرض شلل الأطفال في الصومال أم لا، ولكننا نريدك أن تأتي وترى." وكانت فرصة سانحة.

بدأنا البحث، عن حالات يشتبه في إصابتها بشلل الأطفال، لجمع عينات البراز منها ثم إرسالها إلى المختبر. وسرعان ما تأكد لنا وجود شلل الأطفال في الصومال. وبمجرد أن اكتشفنا الحالات، جاء الكثير من الناس من داخل الصومال وخارجها للمساعدة.

مسيرة «شاير» في الحملةمسيرة «شاير» في الحملة

بحلول عام 2002، عثرنا على آخر حالة لشلل الأطفال من السكان الأصليين، وكنا نظن أننا انتصرنا. حتى أنني قلت مازحًا لأصدقائي، ماذا سنفعل الآن بعد استئصال مرض شلل الأطفال؟ فقالوا لي ، لا - لا تزال هناك حالات شلل الأطفال في نيجيريا، ومصر، وباكستان وعديد من البلدان الأخرى - وقد ترد إلينا حالة جديدة. ويجب أن نكون مستعدين لوقف انتشار المرض إذا ورد إلينا.

وكان هذا توقعًا صحيحًا، فقد ظهرت لدينا فاشية في عام 2005، وفاشية أخرى في عام 2013. وقد نجحنا في إيقاف الفاشية كل مرة. وفي السنة الماضية، اكتشفنا مرة أخرى أن فيروس شلل الأطفال من النمط 2 المشتق من اللقاح ينتشر في البيئة في الصومال. وفيروس شلل الأطفال المشتق من اللقاح يسبب المرض تمامًا مثل الفيروس البري، ويجب علينا استئصاله أيضًا.

بدأنا تنظيم أنفسنا وأجرينا حملتين للتلقيح. ولكننا اكتشفنا سريان العدوى بفيروس آخر - وهو فيروس شلل الأطفال من النمط 3 المشتق من اللقاح. ونحن الآن نتصدى لفاشيتين تحتاجان إلى لقاحات مختلفة في الوقت نفسه. وإذا أخفقنا في اكتشاف الحالات ولم نلقح جميع الأطفال، فلن يمكننا إيقاف انتشار الفيروس. إنه أمر صعب، لكننا سنضع حدًا لهذه الفاشية كما وضعنا حدًا لفيروس شلل الأطفال البري من قبل.

لقد أصبحت كبيرًا في السن ومتعبًا. واستئصال شلل الأطفال أمر صعب للغاية - وهو أصعب مما كان عليه القضاء على الجدري. لقد عانيت - حتى أنني وزوجتي قد تعرضنا للاختطاف من قبل. لكنني متحمّس دائماً على الاستمرار. ولم يكن أبدًا الراتب الشهري - لكي أعيش - هو الدافع لدي، فأنا أحب العمل. يجب علي أن أعرف ما يجري في بلدي، وإذا كان شعبي آمنًا. فمهمتي، من الصباح حتى الليل، هي التأكد من استمرار الأنشطة بسلام. إن عائلتي هي السبب الحقيقي وراء التزامي ببرامج استئصال الأمراض طوال حياتي. فأنا لدي سبعة أطفال، و30 حفيدًا؛ ولم أفوّت مرة واحدة حصول أي منهم على التلقيح. أبدًا.

أنا واثق من أننا سوف ننجز هذه المهمة. وعندما نستأصل شلل الأطفال، سأكون سعيداً للغاية - وسأشارك في الإشهاد على ثاني استئصال لمرض بشري. أشعر أنني محظوظ لأنني قضيت حياتي في العمل من أجل هذين البرنامجين. وأنا فخور بأن أروي حكايات لأحفادي عن مسيرتي المهنية.

إن استئصال شلل الأطفال ليس معجزة. إنه عمل. وهذا العمل يتطلب جهدًا شاقًا من أجل القضاء على الفاشية. وليس هناك طريق آخر - فالطريق الوحيد هو العمل الجاد، لاكتشاف الحالات، والتصدي لها. ونأمل أن ننجز ذلك في الشهور القادمة. وأنا على ثقة أننا سنحقق ذلك. إن شاء الله.