بيان من الدكتور أحمد المنظري، مدير منظمة الصحة العالمية لإقليم شرْق المتوسّط
في اليوم العالمي للعمل الإنساني 2018 نستذكر معاً ملايين المدنيين الذين لا يكاد يمر يوم دون أن يتضرروا من النزاعات المسلحة ويكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة
19 آب/أغسطس 2018، القاهرة، مصر-- يشهد إقليم شرق المتوسط حالات طوارئ لم يسبق لها مثيل من حيث العدد، أو الحجم، أو الشدة، أفضت جميعها إلى حدوث مأساة إنسانية كبرى. إذ يحتاج أكثر من 70 مليون شخص إلى المساعدات الصحية، منهم 16 مليون نازح داخل بلدانهم، و 32 مليون شخص يواجهون حالة من انعدام الأمن الغذائي.
ويقف وراء تلك الأرقام أناس حقيقيون، كل منهم عالقٌ في هذا الوضع العبثي الذي أفرزته الحرب، ويواجه يومياً صعوبات وتحديات: كتلك الأم التي تتساءل من أين ستأتي وجبة الطعام التالية لأطفالها الجياع؛ أو ذلك المريض بالسرطان الذي يكافح من أجل إيجاد مستشفى مجهز بما يكفي لتوفير العلاج اللازم له؛ أو تلك المرأة التي تعرضت للإيذاء وامتهان الكرامة، أو ذلك الـمُسنُّ الذي اكتوى بلهيب الحر ولم يجد منه ملاذاً سوى خيمة؛ أو ذلك الطفل الذي عَلِق في تبادل لإطلاق النيران وسيقضي ما تبقى له من عمر مصاباً بالشلل.
وأصبحت بعض بُلدان الإقليم، بما فيها الجمهورية العربية السورية واليمن، الوجه الجديد للمعاناة الإنسانية. فقد انقطعت المساعدات عن الفئات السكانية المحاصرة التي تتعرض لانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان. أما اللاجئون والنازحون، وهم بالملايين، فيعيشون في المخيمات المكتظة وأماكن أخرى خارج المخيمات، الأمر الذي يعرضهم في كثير من الأحيان لظروف معيشية غير صحية. وعاودت بعض الأمراض التي طواها النسيان الظهور، وأصبح الناس يفقدون أرواحهم من جرّاء الإصابة بأمراض يمكن علاجها بسهولة وسرعة في ظل الظروف العادية. وتسببت الحركة الجماعية للسكان في انتقال الأمراض الـمُعدية عبر الحدود إلى البلدان المجاورة، الأمر الذي وضع مناطق كاملة في مواجهة الخطر.
لقد باتت الحاجة اليوم إلى تقديم المساعدات الصحية المنقذة للأرواح، وحماية الناس من الأمراض الفتاكة، وضمان حصول الجميع في كل مكان على الرعاية الصحية أكبر من أي وقت مضى. ومع ذلك، فإن ما يبعث على الأسى هو أن حجم التهديدات التي تواجه العاملين الصحيين اليوم في الأماكن المتضررة من النزاعات في الإقليم باتت هي الأخرى أكبر من أي وقت مضى. فما زالت الجمهورية العربية السورية البلد الأكثر خطورة بالنسبة للعاملين الصحيين. ولا يزال العاملون الصحيون في كل من أفغانستان، وباكستان، والسودان، والصومال، وغزة، وليبيا، واليمن معرضين للاستهداف والقتل.
ففي هذا العام وحده، وقع 423 حادث هجوم على مرافق الرعاية الصحية في بلدان إقليم شرق المتوسط وأراضيه، قُتل فيها 124 عاملاً صحياً ومريضاً. وبعيداً عن إزهاق الأرواح على هذا النحو الأرعن، فإن عواقب تلك الهجمات تمتد لأبعد من ذلك بكثير، إذ إنها تحرم آلاف الأشخاص من الحصول على الرعاية الطبية المنقذة للأرواح في الوقت الذي تشتد فيه حاجتهم إليها، مما ينجم عنه المزيد من حالات الوفاة التي يمكن تفاديها، بالإضافة إلى تراجع ثقة الفئات السكانية المتضررة في كوْن المرافق الصحية أماكن محايدة وملاذات آمنة تقدّم لهم الرعاية.
ويفقد الناس العالقين في النزاع المسلح سُبُل معيشتهم، وبيوتهم، بل وكل ما يملكون تقريباً. لذا، فإن المسؤولية تقع على عاتقنا جميعا كي نضمن ألاّ يفقد هؤلاء حقاً أصيلا من حقوقهم الأساسية: وهو الحق في الصحة. ولا بد من توفير الحماية للأطباء، وطواقم التمريض، والمساعدين الطبيين، والقائمين على التطعيم، والصيادلة، والقابلات، والمتطوعين من المجتمع المحلي وسائر العاملين الصحيين الذين يخاطرون بحياتهم كل يوم. وليس هناك ما يدعو، حتى في أوقات الأزمات، لأن يموت أي شخص بسبب عدم إتاحة الرعاية الصحية له، ولا أن يموت أحد وهو يحاول تقديم تلك الرعاية لمن يحتاج إليها.
وإننا إذ نجدد في هذا اليوم، الذي يوافق اليوم العالمي للعمل الإنساني، دعوة منظمة الصحة العالمية إلى حماية العاملين الصحيين والمرافق الصحية بموجب القانون الدولي الإنساني، ندعو إلى إتاحة المساعدات الطبية لجميع الناس المحتاجين إليها، واستدامتها، وإلى إيجاد حلول سياسية سلمية للنزاعات في الإقليم التي أثقلت كاهل ملايين المدنيين الأبرياء. لقد آن الأوان كي يُعيد الناس بناء حياتهم ومجتمعاتهم من جديد، وأن تُقال النُّظم الصحية المنهارة من عثرتها، وأن تبدأ البلدان مسيرتها نحو إعادة الإعمار والتعافي.