18 أيلول/سبتمبر 2022، الخرطوم، السودان - عُدتُ للتو من زيارة للسودان، حيث أمضيتُ ثلاثة أيام بين ثلاث ولايات، هي: الخرطوم والقضارف والجزيرة، ملتقيًا بقادة المجتمع، ومسؤولي الصحة على المستوى الاتحادي ومستوى الولايات، والعاملين في مجال الرعاية الصحية، والشركاء في مجال الصحة، وغيرهم من أصحاب المصلحة، ممَّن يتعاونون لتعزيز صحة وعافية الجميع في السودان.
إن التحديات التي تواجه السودان تحديات هائلة ومعقدة، وقد لمستُ بنفسي ما يواجهُه أبناء المجتمع والعاملون الصحيون والمسؤولون عن الصحة والعاملون في منظمة الصحة العالمية والشركاء في مجال الصحة الذين تعمل المنظمة معهم، في ظل موارد محدودة ووضع اقتصادي وسياسي محفوف بالتحديات.
وفي مخيم للَّاجئين في ولاية القضارف، التقيتُ بأسر إثيوبية نجت من أماكن الصراع، لتُواجه الظروف المناخية القاسية والأمراض المتفشية مثل الملاريا.
وشملَت زيارتي أيضًا المجتمعات في المناطق التي تضررت بالفيضانات في ولاية الجزيرة، وشاهدتُ تجمعات المياه الراكدة التي تمثل بيئة خصبة للأمراض التي تنتقل عن طريق المياه وعن طريق النواقل.
ويومًا بعد يوم، يتضح الارتباط بين تغيُّر المناخ والأحوال الجوية القاسية، ومنها الجفاف والفيضانات اللذان لم يسلم منهما السودان مؤخرًا، والصحة. وتُواصل منظمة الصحة العالمية دقَّ ناقوس الخطر للتوعية بالارتباط بين الجفاف والأمن الغذائي والجوع والمرض. فبالإضافة إلى سوء التغذية والمضاعفات الطبية التي يمكن أن تحدث نتيجة مثل تلك الظروف، فإن انخفاض المناعة يجعل الناس أكثر عرضةً للإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه وبالنواقل، وخاصة عندما تقِلُّ فرص الحصول على المياه المأمونة.
وجميع الأطراف، من السلطات الصحية ومنظمة الصحة العالمية واليونيسيف وغيرهم من الشركاء في مجال الصحة والقوى العاملة الصحية المُخصَّصة لهذه الجهود، قد عقدوا العزم على احتواء هذه الأزمة الصحية المتعددة الأبعاد التي يبدو أن مرور الأعوام لا يزيدها إلا تفاقمًا، وتزيد من وطأتها التهديداتُ الجديدة، مثل الاضطرابات المدنية، والنزاعات القَبَلية، ومرض كوفيد-19، وجدري القرود، والأحوال الجوية التي يزدادُ تطرُّفها يومًا بعد يوم.
وفي ولاية الجزيرة، حيث تضررَت أكثرُ من 24 ألف أسرة من الفيضانات هذا العام في حصيلة هي الأعلى منذ عام 2013، أخبرني الوالي أنه يُعيد تفعيل دور مجلس الصحة بما يكفل اتباع نهج متعدد القطاعات في مواجهة حالات الطوارئ ويُعزِّز من الرقابة والتنسيق.
والعمود الفِقَري لأي نظام صحي هو القوى العاملة الصحية الماهرة، ولكن فرار العاملين الصحيين من السودان بحثًا عن فرص أفضل في الخارج قد أدى إلى حركة هجرة هائلة للكفاءات، مما ترك النظام الصحي السوداني في أمَسِّ الحاجة إلى الدعم بالخبرات الطبية المتخصصة.
ويتعاون فريق متخصص من موظفي المنظمة، على الرغم من تأثرهم شخصيًّا بالتهديدات المذكورة، مع جميع أصحاب المصلحة الرئيسيين، لضمان دعم ترصُّد الأمراض، وتقديم الخدمات الصحية اللازمة إلى الفئات الأكثر ضعفاً، ومنهم الأطفال والحوامل والمحتاجون إلى الدعم النفسي.
وخلال زيارتي، سجَّلنا نهاية تفشي فيروس شلل الأطفال الدائر المشتق من اللقاحات من النمط 2 (cVVPV2) في السودان، وهو ما يشهد بمهارة واجتهاد العاملين الصحيين ومسؤولي الصحة العامة في السودان، وبالالتزام الذي لا نظير له من حكومة السودان بوقاية الأطفال من الشلل بسبب هذا المرض.
وشهدْنا أيضًا تعزيز جهود احتواء الملاريا من خلال أعمال مواجهة مكثفة يقودها السودان بدعم من منظمة الصحة العالمية وشراكة دحر الملاريا.
إن شعب السودان، الصامد كعهدنا به دائمًا، قد عقد العزم على إحراز تقدُّم في مجال الصحة. وقد رأينا الأطباء السودانيين، ولأول مرة في تاريخ البلاد، يُجرون جراحات زرع الكبد داخل البلاد. وفي العام الماضي، أنقذوا مئات الأطفال بإجراء جراحات قلب مهمة. أما مركز بحوث الورم الفطري في جامعة الخرطوم، وهو مركز من مراكز التعاون التابعة لمنظمة الصحة العالمية، فيتعاون مع عشرات المراكز الطبية في جميع أنحاء العالم للمساهمة في جهود البحث والتطوير على الصعيد العالمي، لمواجهة هذا المرض الذي ينخر في أجسام المصابين به.
ولكن في مثل هذه الظروف التي تكتنفها التحديات، فإن الممكن ليس كثيرًا. ولذلك، فإنه ما لم تُعالج الجذور الأساسية لهذه الأزمة الصحية، فإننا نخاطر بفقدان الإمكانيات الواعدة للسودان التي تُؤهِّله للاستمرار في تحقيق التقدم في مجال الصحة.
ويومًا بعد يوم تُثبت لنا الأحداث أن السلام والصحة هدفان لا ينفصلان، وأن السلام لا يتحقق إلا بعد توفر الصحة، والصحة لا تتوفر إلا إذا ساد السلام.
وإلى أن تستقر الحالة السياسية والاقتصادية في السودان، وإلى أن تُعالَج آثار تغيُّر المناخ على الصعيد العالمي، ستستمر هذه التحديات في عرقلة جهودنا الجماعية لحماية صحة ورفاه الملايين من الرجال والنساء والأطفال، الذين تُركوا لمصيرهم في مواجهة أقسى الظروف بدعم محدود من المجتمع الدولي لا يتجاوز جهود الاستجابة الإنسانية اللحظية.
للحصول على مواد مسموعة ومرئية من السودان، يرجى الضغط هنا.