9 شباط/ فبراير 2022 - في غضون أيام قليلة، سيصل إجمالي عدد المصابين بمرض كوفيد-19 في إقليمنا إلى 20 مليون شخص. وعلى مدى السنتين الماضيتين، كانت الخسائر الناجمة عن الجائحة مهولة، حيث فقد أكثر من 324,000 شخص حياتهم، وشهد الاقتصاد تراجعًا كبيرًا، فضلًا عن الانقسامات الاجتماعية والاضطرابات الأسرية.
ولا يزال الفيروس يستهدف الأشخاص في جميع بلدان الإقليم دون تمييز، بغض النظر عن العمر، أو الجنس، أو المهنة، أو الموقع الجغرافي. ولكننا نعلم مَنْ هم الأشخاص الأكثر عرضةً لخطر الإصابة بالأعراض الوخيمة للمرض والوفاة، ألا وهم كبار السن، والمرضى المتعايشون مع أمراض أخرى، ومنقوصو المناعة، والعاملون الصحيون في الخطوط الأمامية. وحتى أقوى النظم الصحية تعاني ضغطًا شديدًا، في إقليمنا وفي سائر أقاليم منظمة الصحة العالمية.
وقد حدثت زيادة هائلة في عدد حالات الإصابة بكوفيد-19 خلال الأسابيع الستة الماضية، حيث تجاوز المتوسط اليومي 110,000 حالة. كما سجل عدد الوفيات ارتفاعًا خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، حيث بلغ المتوسط اليومي 345 حالة وفاة، إلا أن مستوى هذه الزيادة أقل مما كان عليه خلال الموجات السابقة، ويؤكد ذلك أنَّ للتلقيح دورًا في الوقاية من الأعراض الوخيمة والوفيات.
ولا تزال اللقاحات من أفضل الأدوات لإنقاذ الأرواح. وعلى الرغم من التحديات العديدة، تلقى بالفعل الآن أكثر من 35% من سكان الإقليم التلقيح بالكامل، رغم أن معدلات التلقيح الكامل تختلف اختلافًا كبيرًا بين البلدان – إذ تتراوح بين 1% و94%. ومرة أخرى، يُشكل عدم الإنصاف سمة مميزة لهذه الجائحة. وبينما تظل اللقاحات أداة بالغة الأهمية، يتطلب نجاحنا اتباع نهج شامل يضم الحكومات والمجتمعات المحلية في صميم الاستجابة.
ولأكثر من عامين، شدَّدت منظمة الصحة العالمية على أن الاستجابة لكوفيد-19 ليست مسؤولية الحكومات والشركاء وحدهم، وإنما تتطلب اتباع نهج يشمل المجتمع بأسره. ولذا، يُعد إشراك المجتمع المدني والمجتمعات المحلية أمرًا بالغ الأهمية للاستجابة لكوفيد-19، وحالات الطوارئ، والنهوض بالتغطية الصحية الشاملة.
وأريد الآن أن أُركِّز على الدور الحاسم للمجتمعات المحلية في تحديد مسار هذه الجائحة، ولماذا حتى الآن أدت انتكاساتنا في هذا الجانب إلى زيادة مستمرة في سريان المرض، وعدد حالات الإصابة، والوفيات.
عادةً ما نقول إن الفاشيات –والجوائح– تبدأ وتنتهي في المجتمعات المحلية. فمنذ بداية الجائحة، عملت منظمة الصحة العالمية وشركاؤها دون كلل أو ملل من أجل إشراك الأطراف المعنية الرئيسية في المجتمعات المحلية، مثل قادة المجتمع، والقيادات الدينية، والعاملين في مجال الرعاية الصحية، ومنظمات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام. ويشمل ذلك تزويدهم بالمعرفة، والموارد، والمساحة اللازمة للمشاركة في القرارات الخاصة بكيفية تنفيذ وتطبيق تدابير الاستجابة لكوفيد-19.
لقد تعلمنا طوال هذه الجائحة أننا بحاجة إلى بذل مزيد من الجهد لإشراك مجتمعاتنا المحلية وتمكينها لتكون مجتمعات ذات استجابة نشطة وفعالة. وهدفنا هو تسليط الضوء على الدور الحاسم الذي تؤديه هذه المجموعات في تمكين الأفراد والأسر من حماية أنفسهم والآخرين، فضلًا عن التأكد من أن جهود الاستجابة لكوفيد-19 مقبولة ومتاحة لأولئك الذين نعمل جاهدين لحمايتهم.
وفي بداية الجائحة، وفي ظل إدراك وجود حاجة إلى اتباع نهج مشترك للانخراط مع المجتمعات المحلية، أنشأت المنظمة الفريق العامل الإقليمي المشترك بين الوكالات المعني بالتواصل بشأن المخاطر والمشاركة المجتمعية في إقليم شرق المتوسط/ وإقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالشراكة مع الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، واليونيسف.
وفي الآونة الأخيرة، تم إضفاء الطابع الرسمي على شراكتنا الطويلة والقوية مع الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر من خلال مذكرة تفاهم بين الوكالتين. ومن الأمور المحورية التي ترتكز عليها هذه الشراكة هو استثمارنا المشترك وجهودنا المتضافرة لإشراك المجتمعات المحلية وتمكينها لتكون ذات استجابة نشطة وفعالة في إطار الاستجابة لكوفيد-19، لا سيما في البلدان المتضررة من النزاعات والمجتمعات المحلية التي يصعب الوصول إليها.
وعلى مدار العامين الماضيين، نجحنا في تحقيق ذلك من خلال مشروعات تهدف إلى تعزيز الشراكات المجتمعية في مجال التصدي لكوفيد-19، وإنشاء آليات لإبداء الآراء المجتمعية حتى يتسنى سماع صوت المجتمع، وعقد دورات تدريبية وبناء قدرات الشركاء من المجتمع، ومنهم القيادات الدينية، والعاملون الصحيون، وقادة المجتمع، وغيرهم.
وينضم إلينا اليوم زميلنا من الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، السيد محمد شفيق، الذي سيُطلعنا على بعض الجهود المتضافرة المبذولة حاليًا لتعزيز المشاركة المجتمعية في الإقليم.
ولكن لا يزال الطريق أمامنا طويلاً. فمن أجل بناء مجتمعات قادرة على الصمود في وجه الأزمات، نحتاج إلى أن تكون المجتمعات أنفسها مدركة للدور الحاسم الذي تؤديه حتى تصبح أطرافًا أكثر نشاطًا في المعركة ضد كوفيد-19. ونحتاج إلى مجموعة من التدابير المُصممة خصيصًا والشاملة التي من شأنها أن تحقق التوازن بين حماية حقوق الأفراد، وحرياتهم، وسبل عيشهم، وفي الوقت ذاته تحمي صحة وسلامة أكثر أفراد المجتمعات ضعفًا. كما نحتاج إلى التزام سياسي، وشراكات مع المجتمع المدني، وفرص وترتيبات واضحة نُشرك من خلالها الشركاء من المجتمع في جميع جوانب استجابتنا. وفي إطار رؤيتنا الإقليمية لعام 2023 "الصحة للجميع وبالجميع"، لن تنتهي هذه الجائحة بدون التضامن والعمل الجماعي من جانب جميع الناس، ومنهم المجتمعات المحلية والأفراد.
وتقع على عاتقنا جميعًا –كأفراد وأشخاص من المجتمع المحلي– مسؤولية اتخاذ إجراءات يُمكن أن تحدد، بل ستُحدِّد، مسار هذه الجائحة، ومسؤولية ضمان إنقاذ الأجيال المقبلة مما نعانيه حاليًا.