4 تشرين الأول/ أكتوبر - تأتي هذه الإحاطة بين حدثيْن بالغيْ الأهمية يتلاقى فيهما صناع القرار. الحدث الأول هو الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي شرفت بحضورها الشهر الماضي، وفيها جدد زعماء العالم التزامهم وجهودهم وتضامنهم لمكافحة تهديدات الجائحات وتعزيز التغطية الصحية الشاملة. أما الحدث الثاني فهو الاجتماع السنوي للّجنة الإقليمية لشرق المتوسط، الذي سينعقد الأسبوع المقبل. وسيجتمع أعضاء اللجنة لاستعراض التقدُّم الـمُحرَز في تحقيق التزاماتنا الجماعية للنهوض بالصحة في جميع أنحاء الإقليم، والاتفاق على ترتيب للأولويات للأشهر والسنوات المقبلة.
تواجه بلدان إقليم شرق المتوسط عددًا غير مسبوق من الطوارئ الصحية الناتجة عن هشاشة الدول والصراعات، والظواهر المناخية القصوى بسبب تغير المناخ وغيرها من الكوارث الطبيعية والتكنولوجية، وحالات النزوح الجماعي، وصور التفاوت الاقتصادي.
وحتى منتصف عام 2023، زاد عدد من احتاجوا إلى مساعدات إنسانية، ومنها مساعدات إنسانية صحية، عن 363 مليون إنسان على مستوى العالم منهم 140 مليون إنسان في إقليمنا وحده. ولا شك أن هذا العدد سيزيد مع حالات الطوارئ الأخيرة، ومنها كارثة الفيضانات التي ضربت ليبيا والنزاع المسلح المستمر في السودان.
ومن بين 22 بلدًا وأرضًا في الإقليم، ما زالت النزاعات المسلحة الممتدة تخرّب 9 من البلدان والأراضي، مما أدى إلى زيادة الإصابات الشديدة والنزوح والهجمات على مرافق الرعاية الصحية. ومما يزيد من الضغط على أنظمة الرعاية الصحية الضعيفة أن إقليمنا يضم وحده 55% من اللاجئين في العالم.
بلغ تأثير تغير المناخ على إقليمنا مستوى مقلقًا. ففي عامي 2022 و2023، شهد الإقليم خمس من بين أكبر 10 كوارث طبيعية حدثت في العالم، ومنها الجفاف والفيضانات الجارفة والزلازل.
أما عن الفاشيات، فإن هناك تزايد في فاشيات الأمراض، ومنها فاشيات لأمراض سبق القضاء عليها. وفي عام 2023، وثَّق الإقليم حتى الآن 63 فاشية للأمراض يتسبب كل منها في إصابات ووفيات يمكن الوقاية منها.
وبرغم شدة حالات الطوارئ التي يمر بها الإقليم، وخطر الكوارث المُركَّبة، فإن النقص الشديد في التمويل يعوق استجابتنا.
وبعد مرور ما يقرب من ستة أشهر على اندلاع الحرب في السودان، توقفت 70% من المستشفيات في البلاد عن العمل، كما ارتفعت مستويات سوء التغذية ارتفاعًا هائلًا.
وواجهت ليبيا كارثة في أعقاب العاصفة دانيال، فقد تسببت الفيضانات المميتة في مقتل وإصابة الآلاف، وتشريد عشرات الآلاف غيرهم، وتعطيل الخدمات الصحية. وتعمل المنظمة على توسيع نطاق جهودها لتلبية الاحتياجات الصحية المستجدَّة. وتنضم إلينا اليوم زميلتي هلا خضري، من المكتب القُطري للمنظمة في ليبيا، لتقديم أحدث المعلومات عن الوضع الراهن.
وما يزال اليمن، الذي يغيب عن أذهان العالم كثيرًا، في محنة. فملايين البشر يحتاجون إلى مساعدات صحية، في ظل عدم عمل المرافق الصحية إلا في حدود ضيقة ووصول سوء التغذية بين الأطفال والحوامل إلى مستويات وخيمة.
وفي أفغانستان، يهدد نقص التمويل توافر الخدمات الصحية الأساسية، لا سيّما للنساء والأطفال.
وفي الصومال، أثر الجفاف وفاشيات الأمراض وانعدام الأمن في ملايين البشر. وتجتهد المنظمة وشركاؤها بلا كلل في ظل ظروف صعبة لمواجهة حالات الطوارئ المتعددة هناك.
أما عن الجمهورية العربية السورية، فإنه ما لم يتوفر تمويل كافٍ قبل نهاية 2023، فإن استشارات الإصابات الشديدة مهددة بالتوقف، وكذلك اللقاحات الحيوية للأطفال الأصغر من 5 سنوات.
وكل هذه الأزمات التي ذكرناها تسبب معاناة لا داعي لها وخسائر في الأرواح يمكن الوقاية منها. ولهذا، علينا أن نتحرك الآن لاتخاذ إجراءات حاسمة لإنقاذ الأرواح وبناء نظم صحية قادرة على الصمود من أجل المستقبل.
الحصول على رعاية صحية جيدة حق أساسي من حقوق الإنسان، وليس امتيازًا من الامتيازات. ورؤيتنا الإقليمية "الصحة للجميع وبالجميع" تسعى إلى توفير هذا الحق، وحصول كل إنسان في الإقليم عليه. ومن خلال تكاتف الجهود، يمكننا أن نكفل عالمًا أوفر صحة وأكثر إنصافًا.