بينما يجتمع زعماء العالم في بروكسل في 4-5 نيسان/أبريل، ما زالت حجم الكارثة الإنسانية في سوريا يتكشف. فقد استمر الصراع لأكثر من ست سنوات بلا هوادة. وكما هو الحال دائماً، فإن المدنيين هم من يتحملون أفدح الخسائر: فما يقرب من 300 ألف شخص قد قتلوا و1.5 مليون شخص أصيبوا بجروح، ومنهم الآلاف من النساء والأطفال. ويحتاج حالياً حوالي 13 مليون شخص داخل سوريا و5 ملايين لاجئ في البلدان المجاورة إلى المساعدات الصحية العاجلة.
ويُغَض الطرف أحياناً عن المأساة والبؤس البشري خلف هذه الأرقام : فتاة عمرها 17 عاماً فقدت ساقها اليمنى في هجوم بقذائف الهاون التي سحقت جسدها وروحها. وامرأة عمرها 45 عاماً أصيبت باكتئاب شديد حتى أنها تسمع أصواتاً تهددها بقتل أطفالها. وفتاة عمرها خمس سنوات رأت والدها وأخوها يموتان، والآن تستيقظ من نومها في كل ليلة وهي تصرخ. وصبي عمره 12 عاماً يبكي من الألم المبرح لإصابته بالسرطان، بينما يخبر الأطباء والدته بعدم توفر الأدوية اللازمة لتخفيف ألمه. في كل جزء من البلاد، تحطمت حياة الملايين ودمرت، وتضاعفت الاحتياجات الصحية أكثر من أي وقت مضى.
في داخل سوريا، أدى العدد المحدود من الموظفين الطبيين المتخصصين، وسيارات الإسعاف، والمعدات واللوازم الطبية إلى تزايد أعداد الوفيات التي كان يمكن تفاديها. وما زالت أعداد كبيرة من الجرحى السوريين يموتون أو يواجهون إعاقات دائمة نتيجةً لعدم قدرتهم على الوصول إلى الرعاية الطبية. كما يلقون حتفهم من مضاعفات الأمراض المزمنة التي يمكن التحكم فيها بسهولة بتوفير العلاج. وقد فرَّ ثلثا العاملين الصحيين المتخصصين من البلاد، وأُغلِقَت أكثر من نصف المستشفيات العامة والمرافق الصحية أو أصبحت تعمل جزئياً. وانخفض الإنتاج المحلي للأدوية بمقدار 70% تقريباً. ويزيد انقطاع خدمات المياه والإصحاح من تعرّض الملايين من الناس لخطر وقوع الفاشيات، كما انخفضت معدلات تمنيع الأطفال بمقدار النصف. وتتفاوض منظمة الصحة العالمية باستمرار مع جميع أطراف النزاع لإتاحة وصول الإمدادات الطبية والعاملين في المجال الطبي. ونجحت منظمة الصحة العالمية وشركاؤها، في العام الماضي وحده، في تقديم 10 ملايين علاج طبي، ووفروا 6 ملايين استشارة صحية، وقدموا مليوني تدخل جراحي، ولقحوا مليوني طفل ضد شلل الأطفال من خلال ثلاث حملات وطنية. ولكن هذا لا يعدو سوى خطوة واحدة في اتجاه الوفاء بجميع الاحتياجات.
وهناك قلق بالغ نظراً لأن أكثر من 640 ألف إنسان يعيشون في مناطق محاصرة، والوضع عندهم حرج للغاية، كما تُنزع من القوافل المتجهة إليهم الأدوية، وتُحجب عنهم المعونة الإنسانية.
وطوال فترة الصراع، استمرت هجمات واسعة النطاق على العاملين الصحيين وعلى المرافق الصحية. وفي عام 2016، أفاد الشركاء الصحيون الموجودون ميدانياً بوقوع 338 هجمة على مرافق الرعاية الصحية والعاملين الصحيين، وقد قتل 31 عاملاً صحياً وأصيب 94 جريحاً على الأقل. وفي هذا العام وحده، أبلغ عن شن 27 هجوماً إضافياً.
ويجد السوريون الذين يغادرون البلاد أنفسهم في موقف ضعيف للغاية، حيث تعيش الغالبية العظمى ممن لجئوا إلى البلدان المجاورة تحت خط الفقر. ويتعرض كل من اللاجئين والمجتمعات المضيفة لهم لخطر متزايد من الإصابة بالأمراض المعدية بسبب أماكن المعيشة المكتظة، والفرص المحدودة للحصول على المياه المأمونة، والإمكانية المحدودة في الحصول على خدمات الرعاية الصحية الأولية. وأدت زيادة الطلب على الخدمات الصحية إلى مشقة كبيرة تتمثل في الأعباء الناتجة عن عدد المرضى الهائل، وإرهاق الموظفين الصحيين، والنقص في الأدوية والمعدات. ونجحت منظمة الصحة العالمية في علاج هذا النقص بتدريب آلاف العاملين الصحيين في سوريا في مجالات رعاية الجروح والصحة النفسية والتغذية.
وفي عام 2016، عقد المجتمع الدولي اجتماعاً في لندن من أجل مساعدة السوريين الذين تأذوا من هذه الحرب، وتعهد بتقديم دعم كبير للمساعدة الإنسانية ولحماية الملايين من الضعفاء داخل سوريا واللاجئين السوريين في البلدان المجاورة، وكذلك تقديم دعم إضافي لتعزيز قدرة المجتمعات المحلية المضيفة للاجئين. ولكن بحلول نهاية العام، جرى تمويل 29% فقط من استجابة القطاع الصحي في سوريا، مما ترك الملايين يتعرضون للخطر، وترك الآلاف يموتون من حالات مرضية كان يمكن توقيها بسهولة بتوفير العلاج المناسب في الوقت المناسب. وفي عام 2017، مازالت حالة التمويل لاستجابة القطاع الصحي السوري مزرية، ولا تلبى سوى أقل من 6% من متطلباته.
"أنا قلق بشدة إزاء عواقب نقص التمويل من المجتمع الدولي للاستجابة الإنسانية لقطاع الصحة في سوريا. وإذا واصلنا المستويات الحالية للتمويل، فسيحرم أكثر من 13 مليون إنسان في سوريا من الرعاية الصحية الأساسية اللازمة لوقايتهم ولعلاجهم من المرض. وسيحرم 5 ملايين إنسان تقريباً من الرعاية المنقذة للحياة في حالات الطوارئ. نحن بحاجة إلى أن نتطلع إلى المستقبل ونبدأ في المساهمة في إعادة البناء التدريجي للنظام الصحي السوري أيضاً. كما يلزم اتخاذ إجراءات عاجلة بشأن الملايين من اللاجئين والمجتمعات المضيفة في البلدان المجاورة، حيث تضع الزيادة الضخمة على طلب الخدمات الصحية عبئاً هائلاً على البنية الأساسية للصحة العامة،" هكذا ذكر الدكتور ميشيل تيرين، المدير الإقليمي لحالات الطوارئ في منظمة الصحة العالمية.
في عام 2017، ناشدت منظمة الصحة العالمية وشركاؤها الصحيون توفير مبلغ 455 مليون دولار أمريكي لاستجابة القطاع الصحي في سوريا، إضافة إلى مبلغ 373 مليون دولار لاستجابة القطاع الصحي في البلدان الخمسة المضيفة للاجئين (تركيا، ولبنان، والأردن، ومصر، والعراق). وأضاف الدكتور تيرين "ما زالت منظمة الصحة العالمية وجميع شركائها ملتزمين التزاماً تاماً بالاستجابة للاحتياجات الصحية للسوريين والمجتمعات المحلية المضيفة لهم في الإقليم، وسوف يواصلون تقديم المساعدات العاجلة. فإن لدينا مسؤولية جماعية لضمان وصول الدعم إلى من هم أكثر احتياجاً، وأن يظل أملهم في مستقبل أفضل على قيد الحياة".