19 آب/أغسطس 2020 - لقد وصلنا في الآونة الأخيرة إلى مرحلةٍ قاسيةٍ أخرى على الصعيد العالمي، حيث أُبلِغ عن أكثر من 21 مليون حالة إصابة بمرض كوفيد-19. وأوشكنا في إقليمنا على بلوغ مليونَيْ حالة إصابة. ولكن لم يفُتْ الأوان بعد للتغلُّب على الجائحة.
ولدينا أمل كبير في اكتشاف لقاح فعّال لمرض كوفيد-19، وفي هذا الصدد، يجري تداول كثير من الأخبار والمعلومات الدقيقة وغير الدقيقة.
ولا يوجد حتى الآن أي لقاح قد استوفى شروط منظمة الصحة العالمية للوقاية من مرض كوفيد-19. ولكن تُبذَل جهود هائلة في جميع أنحاء العالم لتطوير لقاح فعّال وآمن. وتتعاون المنظمة مع الشركات والجهات الراعية، وكذلك مع التحالف العالمي من أجل اللقاحات والتمنيع (GAVI)، والائتلاف المعني بابتكارات التأهُّب لمواجهة الأوبئة (CEPI) وغيرهما، من خلال مبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة مرض كوفيد-19 من أجل تسريع عملية اختبار اللقاحات (المُسماة ACT Accelerator)، فضلاً عن توسيع نطاق عمليات التصنيع لضمان تكافؤ فرص حصول جميع البلدان على اللقاحات فور التوصل إليها.
وعلى مستوى العالم، يوجد حالياً 29 لقاحاً مرشَّحاً في مرحلة التجارب السريرية، و138 لقاحاً مرشَّحاً في مرحلة التقييم قبل السريري. وهناك تسعة لقاحات مرشَّحة أظهرت نتائج واعدة، وتمر بالفعل بتجارب المرحلة الثانية أو الثالثة.
ولكن لا يزال يوجد العديد من الأمور المجهولة في هذا الصدد. فتطوير لقاح ضد كوفيد-19 هو التحدي الأكثر إلحاحاً في وقتنا الحالي. كما أن تطوير لقاح واحد أو أكثر من اللقاحات المأمونة والفعّالة هو أحد التحديات الأكثر تعقيداً التي نواجهها. وعلى عكس عملية تطوير اللقاحات في الماضي، يجب العمل بالتوازي على توسيع نطاق التصنيع واستكمال التجارب البشرية للقاحات المرشحة.
ونأمل في حالة التوصل إلى لقاح ناجح بحلول نهاية العام، أن تكون هناك جرعات كافية متاحة لحماية الفئات السكانية الأكثر عُرضة للخطر في جميع البلدان بطريقة مُتسلسِلة خلال عام 2021.
ولكن رغم تفاؤلنا الحذر، يجب ألا نعتمد في مكافحة هذه الجائحة على لقاح مستقبلي. بل يجب أن نستخدم جميع الأدوات المتاحة لنا بالفعل. ويعني ذلك، بالنسبة للبلدان، ضرورة تنفيذ تدابير الصحة العامة الأساسية لاكتشاف الحالات وعزلها واختبارها وتقديم الرعاية لها، وتتبُّع المخالطين لها وإخضاعهم للحجر الصحي. ويعني ذلك، بالنسبة للأفراد، أن نفعل كل ما في وسعنا لحماية أنفسنا والمحيطين بنا. ويعني ذلك الحفاظ على مسافة آمنة بين الأفراد، والمواظبة على تنظيف الأيدي، وتجنب الأماكن المزدحمة والمغلقة، وارتداء كمامة حيثما يُوصى بذلك.
ومع استمرار البحث عن لقاح آمن وفعّال ضد كوفيد-19، يجب أن نتذكر أيضاً أن هناك لقاحات آمنة وفعّالة متاحة بالفعل لأمراض أخرى ولكن معدل استخدامها ظل ينخفض على مدار الأشهر السبعة الماضية بسبب الجائحة الحالية.
وتشير البيانات الجديدة إلى أن الاضطرابات في تقديم خدمات التمنيع والإقبال عليها تهدد بضياع التقدم الذي أُحرِز بصعوبة شديدة لتغطية مزيد من الأطفال والمراهقين بمجموعة أوسع من اللقاحات. فعلى سبيل المثال، شهد العالم انخفاضاً في التغطية باللقاح المضاد للدفتيريا والتيتانوس والسعال الديكي للمرة الأولى منذ 28 عاماً بسبب الانخفاض الكبير في عدد الأطفال الذين أكملوا ثلاث جرعات من هذا اللقاح خلال جائحة كوفيد-19.
وإذا لم يستمر ويُكثَّف التلقيح المنتظم ضد جميع الأمراض التي يمكن توقّيها باللقاحات في الأشهر المقبلة، فنخسر بعض المكاسب الصحية التي تحققت في مجال صحة الأطفال في العقود القليلة الماضية.
قبل أن نبدأ في الإجابة عن أسئلتكم، أود أن أتوقَّف قليلاً للحديث عن اليوم العالمي للعمل الإنساني، الذي تحتفل به الأمم المتحدة اليوم لنشيد بشجاعة العاملين في المجال الإنساني ومجال الرعاية الصحية في جميع أنحاء الإقليم وخارجه، ولنعرب عن تقدرينا لصمودهم وتفانيهم في العمل.
إن العاملين الصحيين والعاملين في المجال الإنساني في إقليمنا يعملون في ظل ظروف من أصعب الظروف في العالم، حيث تعاني بلدان كثيرة من عدم الاستقرار السياسي، والصراعات العنيفة، والكوارث الطبيعية، والعديد من فاشيات الأمراض. وفي واقع الأمر، يضم إقليمنا 9% من سكان العالم، ولكن يعيش فيه 43% ممن يحتاجون إلى مساعدات إنسانية. وفي السنوات السابقة، كانت أعداد الهجمات التي تستهدف العاملين في الرعاية الصحية في إقليمنا من أكبر الأعداد على مستوى العالم.
وفي هذا العام، أدت جائحة كوفيد-19 إلى زيادة العبء المُلقَى على كاهل العاملين في المجال الإنساني في إقليمنا. كما أن العاملين في مجال الرعاية الصحية يزداد خطر إصابتهم بالعدوى، ويعانون من الإنهاك، ويعملون في بعض الأحيان بموارد محدودة، وقد اختار كثيرون منهم البقاء بعيداً عن أسرهم حتى لا يُعرِّضوا أهلهم للعدوى المحتملة. وقد تعرَّض بعضهم للاعتداءات والتمييز، مما زاد من شدة الضغط النفسي عليهم وعرَّض سلامتهم للخطر.
وفي الأسبوع الماضي، شهدنا جميعاً شجاعة المتطوعين من المجتمع المحلي، والعاملين في مجال العمل الإنساني والعاملين الصحيين في لبنان، في أعقاب انفجار مرفأ بيروت الذي أودى بحياة قرابة 200 شخص وأصاب الآلاف وشرَّد مئات الآلاف. وقد حظيت هذه الاستجابة لهذه الأزمة الإنسانية الكبرى بإشادة واسعة النطاق، ولكنني أود اليوم أيضاً أن أُحيِّي هؤلاء جميعاً على شجاعتهم وجهودهم. وقد تضرَّر كثير من العاملين الصحيين شخصياً من الانفجار أو كان لهم أحباء في عداد القتلى أو المصابين. ولكنهم ثابروا على أداء مهمتهم لإنقاذ الأرواح وعالجوا المصابين أينما استطاعوا – في الشوارع، وعلى أرضيات المستشفيات، بل وفي المرافق الصحية التي لم تكن بها كهرباء بسبب تضررها.
وقد فقد بعضهم حياتهم، فأتقدم إلى أسرهم بخالص التعازي. وتبيَّن فيما بعد أن البعض الآخر ممن يعملون تحت ضغط شديد أُصيبوا بعدوى كوفيد-19، ونحن في منظمة الصحة العالمية نبذل قصارى جهدنا لضمان حصولهم على الإمدادات التي يحتاجون إليها لحمايتهم في الوقت الذي تواجه فيه البلاد زيادة انتقال العدوى.
واليوم، أوَّد أن أتوجَّه بالشكر إلى جميع العاملين في المجال الإنساني والصحي في إقليمنا وخارجه على التضحيات التي يقدمونها على الصعيديْن الشخصي والمهني، وعلى ما أبدوه من إيثار، وعلى التزامهم الثابت بإنقاذ الأرواح. وتماشياً مع موضوع هذا العام لليوم العالمي للعمل الإنساني، فإن هؤلاء هم الأبطال الحقيقيون.