15 آذار/مارس 2021 - بعد مرور عشر سنوات بالضبط على بداية الصراع في سوريا، ظهرت تحديات جديدة تتسبب في استمرار معاناة الشعب السوري، الذي أنهكه بالفعل الصراعُ الدائر والعنف وهشاشة الوضع السياسي وعبء الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية غير المُلباة.
وقد جلبت جائحة كوفيد-19 والأزمة الاقتصادية الإقليمية مزيداً من الدمار للأفراد والمجتمعات في جميع أنحاء سوريا. ونظراً لهشاشة الوضع، من المرجَّح أن يعجز النظام الصحي عن التصدي الناجح لكوفيد-19، وعن مواكبة الجهود العالمية الرامية إلى وقف انتشاره.
ولأن أكثر من 90% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، لا يستطيع كثير من الناس تحمُّل تكاليف الخدمات الاجتماعية الأساسية، ومنها الرعاية الصحية. وكان للصراع أثر بالغ على جميع السوريين، لا سيما الفئات الأضعف مثل النساء والأطفال والنازحين داخلياً والأشخاص ذوي الإعاقة.
ومع تحوُّل الوضع إلى حالة طوارئ طويلة الأمد، تتزايد الاحتياجات العامة. فأكثر من نصف سكان سوريا، البالغ عددهم 20.5 مليون نسمة، في حاجة ماسة إلى الخدمات الصحية. ويحتاج 15% من السكان على الأقل إلى خدمات الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي، وقد زادت هذه النسبة منذ ظهور كوفيد-19، كما أن نقص مياه الشرب المأمونة، الذي يُعزى جزئياً إلى استهداف شبكات المياه، قد جعل نسبةً تصل إلى 35% من السكان تعتمد على مصادر بديلة للمياه، غالباً ما تكون غير مأمونة. وهناك في شمال غرب سوريا عدد أكبر من الأشخاص الذين لا يحصلون على مياه مأمونة.
وما يقرب من ثلث السكان جميعاً –ومعظمهم من النساء والأطفال– لا يزالون نازحين داخلياً في مخيمات أو مستوطنات شبيهة بالمخيمات في الشمال الغربي والشمال الشرقي، ويعانون من محدودية فرص الحصول على الغذاء والمأوى ومياه الشرب المأمونة والخدمات الصحية وخدمات الإصحاح. وقد عانى سوريون كثيرون من إعاقات ناجمة عن الصراع، ومن المحتمل أن يعاني نصفهم تقريباً من عاهات تستمر طوال العمر وتتطلب دعماً متخصصاً. وفي ظل النقص الشديد في الخدمات التقويمية والرَّأبيَّة لمعالجة المصابين بجروح خطيرة، والافتقار إلى الجراحة الطارئة للمصابين بإصابات شديدة، تكون فرص تلبية احتياجات هذه الفئات السكانية المستضعفة محدودة.
ويموت الناس مبكراً بسبب عدم توفر الإجراءات المنقذة للحياة ونقص الأدوية اللازمة لعلاج الأمراض المزمنة. كما أن بعضاً من أشد الاحتياجات الإنسانية داخل سوريا ناتجٌ عن ارتفاع معدل انتشار الأمراض غير السارية، وعن نقص المرافق العلاجية المتخصصة لعلاج السكان السوريين من السرطان والأمراض المزمنة والإصابات والإعاقات.
وأما حالة البنية الأساسية للرعاية الصحية، فهي من الأمور التي تثير قلقاً بالغاً. فإن ما يقرب من ربع جميع المستشفيات وثلث مراكز الرعاية الصحية الأولية لا تزال متوقفة عن العمل، وغير قادرة على تلبية الاحتياجات الصحية المتزايدة. وتُشير بيانات حديثة لمنظمة الصحة العالمية إلى أنه لا يعمل بكامل طاقته في شمال شرق سوريا سوى مستشفى واحد من أصل 16 مستشفى عامّاً، وأما المستشفيات الأخرى، فتعمل بشكل جزئي أو لا تعمل على الإطلاق.
ويؤثر التراجع الاقتصادي وارتفاع معدلات التضخم اللذان تفاقما بسبب جائحة كوفيد-19 تأثيراً بالغاً على سُبُل العيش. ولهما أيضاً أثر كبير على البرامج الإنسانية، وهو ما يؤثر في قدرة الجهات الفاعلة في مجال العمل الإنساني على تنفيذ مشروعاتها وبرامجها بفعالية دعماً للمستضعفين من الأطفال والنساء والرجال. ولا تزال العقوبات المفروضة على البلد تؤدي إلى تفاقم الوضع المُثقَل أصلاً بأعباء تفوق طاقته، وهو ما يؤثر على جميع الناس والقطاعات، ويحدُّ من قدرة قطاع الصحة على تلبية الاحتياجات المتزايدة والتصدي للتهديدات الصحية.
وفي شمال شرق سوريا، حيث يعيش نحو 2.6 مليون شخص، فيما لا تزال الحالة الأمنية مضطربة في ظل وجود بؤر عنف تُسهِم في زعزعة الاستقرار وهشاشة الوضع بوجه عام. والنازحون داخلياً في هذه المنطقة من أشد الفئات ضعفاً في البلد بأكمله، كما أن معظم الذين يعيشون في المخيمات أطفال دون سن 17 سنة ونساء.
وأما في شمال غرب سوريا، فإن أكثر من ثلثي سكان الإقليم البالغ عددهم 4.1 ملايين نسمة (76% منهم من النساء والأطفال) نازحون يعيشون في مخيمات في إدلب وشمال حلب. ويعني الصراع الدائر أن المجتمعات المستضيفة والسكان النازحين قد يُجبَرون على ترك منازلهم والنزوح أكثر من مرة دون أي ضمان لسلامتهم.
منظمة الصحة العالمية في الصفوف الأمامية للاستجابة
على الرغم من جميع التحديات، استجابت منظمة الصحة العالمية بمرونة وسرعة للمخاوف والمطالب السريعة التغيُّر. وتعمل المنظمة على الوصول إلى جميع الناس في كل أنحاء سوريا من خلال مكتبها الرئيسي في دمشق ومكاتبها الفرعية في سوريا، إلى جانب عمليات عابرة للحدود من محور غازي عنتاب في تركيا. فمن دمشق، تُنسِّق المنظمة ثلاثة فرق عمل معنية بالصحة النفسية والصحة الإنجابية والإعاقة، وأربعة منتديات تنسيقية في المخيمات في شمال شرق سوريا، وخمس مجموعات دون وطنية من قطاع الصحة. ومن مدينة غازي عنتاب التركية، تُنسِّق المنظمة عمليات عابرة للحدود بالتعاون مع أكثر من 70 شريكاً.
وترفع شبكة تضم أكثر من 1700 مرفق صحي في شتى أنحاء البلد تقارير إلى نظام ترصُّد الأمراض الذي تدعمه المنظمة. ولهذا الأمر أهمية بالغة في اكتشاف الفاشيات والاستجابة لها بسرعة، لا سيما في بلد يكون سكانه مُعرَّضين بشدة للأمراض المعدية.
وفي ظل تفاقم حالة الطوارئ الإنسانية، تعمل المنظمة عن كثب مع وكالات الأمم المتحدة الأخرى والمنظمات غير الحكومية الشريكة لتنفيذ استجابة موحدة لوباء كوفيد-19. وتعمل المنظمة مع اليونيسف ومع الشركاء في جميع المحافظات الأربع عشرة في سوريا لتوفير لقاحات كوفيد-19 تكفي 20% من السكان المعرضين لخطر شديد، وذلك من خلال مرفق كوفاكس، وبما يشمل الشمال الغربي والشمال الشرقي.
وتعاونت المنظمة في عام 2020 مع جهات مانحة وطنية ودولية ومحلية لدعم أكثر من مليون إجراء طبي، وأكثر من 8 ملايين مقرر علاجي، و700 ألف استشارة لمرضى العيادات الخارجية، منها استشارات/ علاجات تتعلق بالصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي والإصابات الشديدة. وفي عام 2020، تلقى أكثر من 2.6 مليون طفل لقاحَي الحصبة وشلل الأطفال.
وعملت المنظمة جنباً إلى جنب مع متخصصين في الرعاية الصحية لتقديم أكثر من 10 آلاف جلسة لإعادة التأهيل البدني؛ وتمكنت 1500 امرأة حامل من الحصول على الرعاية المُقدَّمة من قابلات ماهرات في حالات الولادة العادية والطارئة؛ وأُحيِل 12 ألف مريض للحصول على علاج متخصص؛ وتلقى آلاف المهنيين الصحيين تدريباً شمل التدبير العلاجي السريري لمرضى كوفيد-19، والوقاية من العدوى ومكافحتها، والترصُّد والاستجابة.
إن الشعب السوري واقعٌ في أزمة تحتاج إلى حل سياسي، وفي الوقت الذي تُلتمس فيه حلول لهذه الأزمة على الصعيد السياسي، لا تزال منظمة الصحة العالمية ملتزمةً بمواصلة دعمها للشعب السوري، من خلال حماية الصحة العامة وخدمة المستضعفين. وتعمل بمقتضى رؤيتهاالإقليمية على ضمان "الصحة للجميع وبالجميع" - ومنهم الشعب السوري.
ولنتذكر، في هذه الذكرى السنوية، أن علينا أن نضطلع بمسؤولياتنا عن دعم الشعب السوري، ويجب أن نجعله يتمسك بالأمل. ولنحرص جميعاً، نحن الشركاء والمانحين والداعمين، على حشد ملايين من أهل الكرم والسخاء لتقديم الإغاثة المتواصلة.
لمزيد من المعلومات:
ايناس همام
مسؤولة الإعلام والتواصل بمكتب منظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط