السابع من آب/ أغسطس لعام ألفين وأربعة وعشرين
مَسَاءُ الخَيْرِ،
شُكْرًا جَزِيلًا لِحُضُورِكُمْ.
مَرَّةً أُخْرَى، كَشَفَتِ الْأَحْدَاثُ الْمُتَتَابِعَةُ وَالْجَسِيمَةُ فِي الْأُسْبُوعَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ عَنْ عُمْقِ وَتَعْقِيدَاتِ نِطَاقِ حَالَاتِ الطَّوَارِئِ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْإِقْلِيمِ. فَقَدْ شَهِدَتْ هَذِهِ الْفَتْرَةُ الْوَجِيزَةُ سِلْسِلَةً مِنَ التَّطَوُّرَاتِ الْمُقْلِقَةِ؛ بَدْءًا بِاكْتِشَافِ سُلَالَاتٍ مُتَحَوِّرَةٍ مِنْ فَيْرُوسِ شَلَلِ الْأَطْفَالِ فِي غَزَّةَ، وَمُرُورًا بِضَرَبَاتٍ عَسْكَرِيَّةٍ وَاغْتِيَالَاتٍ فِي عِدَّةِ دُوَلٍ، الْأَمْرُ الَّذِي يُنْذِرُ بِتَهْدِيدَاتٍ أَشَدَّ لِلْأَمْنِ الْإِقْلِيمِيِّ، وَوُصُولًا إِلَى إِعْلَانِ تَحَقُّقِ ظُرُوفِ الْمَجَاعَةِ فِي شَمَالِ دَارْفُورَ بِالسُّودَانِ، وَلَمْ يَقِفِ الْأَمْرُ عِنْدَ هَذَا الْحَدِّ، بَلِ امْتَدَّ إِلَى مَوْجَاتِ حَرٍّ وَفَيَضَانَاتٍ قَاتِلَةٍ تُبْرِزُ مُجَدَّدًا الْآثَارَ الْمُتَزَايِدَةَ لِلتَّغَيُّرِ الْمُنَاخِيِّ.
وأَوَدُّ بِدَايَةً إِطْلَاعَكُمْ عَلَى مُسْتَجَدَّاتِ الْأُمُورِ فِي الْأَرْضِ الْفِلَسْطِينِيَّةِ الْمُحْتَلَّةِ.
فِي الْأُسْبُوعِ الْأَخِيرِ مِنْ شَهْرِ تَمُّوزَ/ يُولْيُو وَحْدَهُ، دَعَمَتْ مُنَظَّمَةُ الصِّحَّةِ الْعَالَمِيَّةُ الْإِجْلَاءَ الطِّبِّيَّ لِنَحْوِ مِائَةِ مَرِيضٍ مِنْ غَزَّةَ يُعَانُونَ مَجْمُوعَةً مِنَ الْحَالَاتِ الطِّبِّيَّةِ الْخَطِيرَةِ، وَمَعَهُمْ مُرَافِقُوهِمْ، إِلَى بَلْجِيكَا وَإِسْبَانْيَا وَالْإِمَارَاتِ الْعَرَبِيَّةِ الْمُتَّحِدَةِ.
وَشَكَّلَ نَقْلُ خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ مَرِيضًا إِلَى الْإِمَارَاتِ الْأُسْبُوعَ الْمَاضِيَ أَكْبَرَ عَمَلِيَّةِ إِجْلَاءٍ طِبِّيٍّ مُنْذُ تِشْرِينَ الْأَوَّلِ/ أُكْتُوبَرَ أَلْفَيْنِ وَثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ. وَلَقَدِ اتَّسَمَتِ الْعَمَلِيَّةُ بِتَعْقِيدٍ بَالِغٍ، إِذْ نُقِلَ الْمَرْضَى وَمُقَدِّمُو الرِّعَايَةِ مِنْ جَمِيعِ أَنْحَاءِ غَزَّةَ إِلَى مَعْبَرِ كَرْمِ أَبُو سَالِمٍ، وَمِنْ هُنَاكَ إِلَى مَطَارٍ إِسْرَائِيلِيٍّ، قَبْلَ أَنْ يَسْتَأْنِفُوا رِحْلَتَهُمْ إِلَى الْإِمَارَاتِ الْعَرَبِيَّةِ الْمُتَّحِدَةِ.
وَتُعْزَى صُعُوبَةُ الرِّحْلَةِ وَطَبِيعَتُهَا الشَّاقَّةُ، إِلَى حَدٍّ كَبِيرٍ، إِلَى إِغْلَاقِ مَعْبَرِ رَفَحَ مُنْذُ السَّادِسِ مِنْ أَيَّارَ/ مَايُو الْمَاضِي. وَمِمَّا لَا رَيْبَ فِيهِ أَنَّ عُبُورَ هَؤُلَاءِ الْمَرْضَى مِنْ مَعْبَرِ رَفَحَ إِلَى مِصْرَ كَانَ سَيُتِيحُ لَهُمْ مَسَارًا أَيْسَرَ وَأَقْصَرَ بِكَثِيرٍ، مُخَفِّفًا عَنْهُمُ الْكَثِيرَ مِنَ الْمُعَانَاةِ وَالْمَشَقَّةِ. وَلَقَدْ دَأَبْنَا مُنْذُ أَشْهُرٍ عَلَى الدَّعْوَةِ لِفَتْحِ جَمِيعِ الطُّرُقِ الْمُمْكِنَةِ أَمَامَ الْمَرْضَى، وَعَلَى رَأْسِهَا مَعْبَرَا كَرْمِ أَبُو سَالِمٍ وَرَفَحَ إِلَى الْأُرْدُنِ وَمِصْرَ، وَمِنْ هُنَاكَ إِلَى بُلْدَانٍ أُخْرَى.
وَنُوَاصِلُ أَيْضًا الدَّعْوَةَ إِلَى اسْتِئْنَافِ تَحْوِيلِ الْمَرْضَى وَعَمَلِيَّاتِ الْإِجْلَاءِ إِلَى الضِّفَّةِ الْغَرْبِيَّةِ، وَخُصُوصًا الْقُدْسَ الشَّرْقِيَّةَ، إِذْ لَا يَزَالُ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ آلَافِ شَخْصٍ فِي غَزَّةَ بِحَاجَةٍ إِلَى الْإِجْلَاءِ الطِّبِّيِّ.
وَثَمَّةَ قَلَقٌ بَالِغٌ جَرَّاءَ اكْتِشَافِ نَوْعٍ مُتَحَوِّرٍ مِنْ فَيْرُوسِ شَلَلِ الْأَطْفَالِ مِنَ النَّمَطِ الثَّانِي فِي عَيِّنَاتٍ بِيئِيَّةٍ فِي غَزَّةَ. وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ عَدَمِ اكْتِشَافِ أَيِّ حَالَاتٍ سَرِيرِيَّةٍ لِشَلَلِ الْأَطْفَالِ حَتَّى الْآنَ، فَإِنَّ الْمَخَاطِرَ الْمُحْدِقَةَ بِالْأَطْفَالِ جَسِيمَةٌ وَكَثِيرَةٌ، الْأَمْرُ الَّذِي يَسْتَدْعِي مِنَّا تَحَرُّكًا عَاجِلًا لِاحْتِوَاءِ الْفَيْرُوسِ وَالْحَيْلُولَةِ دُونَ انْتِشَارِهِ. وَلِهَذِهِ الْغَايَةِ، تَتَعَاوَنُ مُنَظَّمَةُ الصِّحَّةِ الْعَالَمِيَّةُ مَعَ وِزَارَةِ الصِّحَّةِ وَالْيُونِيسِفِ فِي اتِّخَاذِ عِدَّةِ تَدَابِيرَ رَئِيسِيَّةٍ، وَمِنْهَا مَثَلًا خُطَطٌ لِعِدَّةِ حَمَلَاتِ تَطْعِيمٍ ضِدَّ شَلَلِ الْأَطْفَالِ.
وَلَا بُدَّ لِي هُنَا مِنَ التَّحَلِّي بِالْوُضُوحِ وَأَنْ أُؤَكِّدَ أنَّنَا بِحَاجَةٍ إِلَى وَقْفٍ دَائِمٍ لِإِطْلَاقِ النَّارِ، لِضَمَانِ تَنْفِيذِ هَذِهِ الْحَمَلَاتِ بِنَجَاحٍ. وَأُشَدِّدُ هُنَا عَلَى أَنَّ الْإِخْفَاقَ دُونَ تَحْقِيقِ ذَلِكَ يَعْنِي الْمُجَازَفَةَ بِانْتِشَارِ الْفَيْرُوسِ عَلَى نِطَاقٍ أَوْسَعَ، وَحَتَّى عَبْرَ الْحُدُودِ.
ثَانِيًا؛ يُسَاوِرُ الْمُنَظَّمَةَ قَلَقٌ بَالِغٌ إِزَاءَ التَّصْعِيدِ الْمُتَوَاصِلِ لِلْأَحْدَاثِ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْإِقْلِيمِ.
فَخِلَالَ الْأُسْبُوعَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ، أَدَّتِ الضَّرَبَاتُ الْقَاتِلَةُ ضِدَّ الْمَدَنِيِّينَ وَالْكِيَانَاتِ السِّيَاسِيَّةِ وَالْبِنَى التَّحْتِيَّةِ إِلَى تَفَاقُمٍ سَرِيعٍ لِمَخَاطِرِ انْدِلَاعِ حَرْبٍ أَوْسَعَ نِطَاقًا.
وَمِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ أَنَّهُ يَتَحَتَّمُ عَلَيْنَا الِاسْتِعْدَادُ وَالتَّحَسُّبُ بِشَكْلٍ مَلْمُوسٍ لِاتِّسَاعِ الصِّرَاعِ وَمَا قَدْ يَنْطَوِي عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ تَدَاعِيَاتٍ، وَهَا هِيَ مُنَظَّمَةُ الصِّحَّةِ الْعَالَمِيَّةُ تَضْطَلِعُ بِدَوْرِهَا فِي هَذَا الصَّدَدِ. فَفِي لُبْنَانَ، نَعْكُفُ عَلَى نَشْرِ خُبَرَاءَ فِي حَالَاتِ الطَّوَارِئِ وَإِرْسَالِ الْإِمْدَادَاتِ الْحَيَوِيَّةِ لِدَعْمِ وِزَارَةِ الصِّحَّةِ. وَزَوَّدْنَا أَيْضًا مَرْكَزَ عَمَلِيَّاتِ الطَّوَارِئِ التَّابِعَ لِوِزَارَةِ الصِّحَّةِ بِالْمُعِدَّاتِ وَالدَّعْمِ الْفَنِّيِّ وَالْكَوَادِرِ اللَّازِمَةِ لِتَنْسِيقِ أَنْشِطَةِ الطَّوَارِئِ وَضَمَانِ سَلَامَةِ أَنْظِمَةِ التَّرَصُّدِ وَتَوَفُّرِ الْإِمْدَادَاتِ الْكَافِيَةِ فِي الْمُسْتَشْفَيَاتِ. وَعَزَّزَتِ الْمُنَظَّمَةُ أَيْضًا قُدُرَاتِ ثَمَانِيَةٍ وَتِسْعِينَ مُسْتَشْفًى عَلَى التَّدْبِيرِ الْعِلَاجِيِّ لِلْإِصَابَاتِ الْجَمَاعِيَّةِ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى التَّخْزِينِ الْمُسْبَقِ لِعِشْرِينَ مَجْمُوعَةً مِنْ لَوَازِمِ إِسْعَافِ الْمُصَابِينَ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمُسْتَلْزَمَاتِ الْمُنْقِذَةِ لِلْحَيَاةِ.
وَنَتَعَاوَنُ أَيضًا مَعَ الْمَسْؤُولِينَ الصِّحِّيِّينَ فِي سُورِيَا وَإِيرَانَ وَالْأُرْدُنِ وَبُلْدَانٍ أُخْرَى لِوَضْعِ خُطَطِ طَوَارِئَ احْتِيَاطِيَّةٍ. وَإِنَّنَا لَنَأْمَلُ وَنَدْعُو أَلَّا نَضْطَرَّ يَوْمًا إِلَى تَفْعِيلِ هَذِهِ الْخُطَطِ.
أَمَّا فِي السُّودَانِ، فَإِنَّ الْمُسْتَوَى الْمُفْزِعَ مِنْ انْعِدَامِ الْأَمْنِ الْغِذَائِيِّ يَكْشِفُ عَنْ وَاقِعٍ مَأْسَاوِيٍّ تَقْشَعِرُّ لَهُ الْأَبْدَانُ. وَيُظْهِرُ أَحْدَثُ تَحْلِيلٍ أَجْرَتْهُ لَجْنَةُ مُرَاجَعَةِ الْمَجَاعَةِ، ضِمْنَ التَّصْنِيفِ الْمَرْحَلِيِّ الْمُتَكَامِلِ لِلْأَمْنِ الْغِذَائِيِّ، أَنَّ الْعُنْفَ الْمُسْتَمِرَّ قَدْ دَفَعَ أَجْزَاءً مِنْ شَمَالِ دَارْفُورَ، وَلَا سِيَّمَا مُخَيَّمُ زَمْزَمَ، إِلَى هَاوِيَةِ الْمَجَاعَةِ. وَمُخَيَّمُ زَمْزَمَ أَحَدُ أَكْبَرِ مُخَيَّمَاتِ النَّازِحِينَ دَاخِلِيًّا، إِذْ يُقَدَّرُ عَدَدُ سُكَّانِهِ بِنَحْوِ خَمْسِمِائَةِ أَلْفِ شَخْصٍ عَلَى الْأَقَلِّ. وَقَدْ ذَكَرَتِ اللَّجْنَةُ أَنَّ مَنَاطِقَ أُخْرَى فِي السُّودَانِ –فِي دَارْفُورَ وَغَيْرِهِ– قَدْ تَكُونُ عَلَى شَفَا الْمَجَاعَةِ، وَأَنَّ خَطَرَ اتِّسَاعِ نِطَاقِ الْمَجَاعَةِ لَا يَزَالُ قَائِمًا مَا دَامَ النِّزَاعُ مُسْتَمِرًّا ووُصُولُ الْمُسَاعَدَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ مُقَيَّدًا.
إِنَّ هَذَا التَّدَهْوُرَ الْمَأْسَاوِيَّ، الَّذِي كَانَ بِالْإِمْكَانِ تَفَادِيهِ تَمَامًا، يَرْفَعُ سَقْفَ التَّحَدِّيَاتِ أَمَامَ عَمَلِيَّاتِنَا الْإِنْسَانِيَّةِ وَيَزِيدُ مَخَاطِرَهَا بِشَكْلٍ كَبِيرٍ. فَنَحْنُ بِحَاجَةٍ مَاسَّةٍ إِلَى الْوُصُولِ إِلَى الْمُحْتَاجِينَ عَبْرَ جَمِيعِ الطُّرُقِ الْمُمْكِنَةِ، وَخَاصَّةً الْمَعَابِرَ الْحُدُودِيَّةَ. وَقَدْ حَقَّقْنَا نَجَاحًا مُتَوَاضِعًا الْأُسْبُوعَ الْمَاضِيَ، إِذْ تَمَكَّنَّا مِنْ إِيصَالِ بَعْضِ الْإِمْدَادَاتِ الطِّبِّيَّةِ إِلَى شَرْقِ دَارْفُورَ وَجَنُوبِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا أَرَدْنَا حَقًّا تَلْبِيَةَ الِاحْتِيَاجَاتِ الْمُلِحَّةِ الْمُنْقِذَةِ لِحَيَاةِ الْفِئَاتِ الْأَكْثَرِ ضَعْفًا وَعُرْضَةً لِلْمَخَاطِرِ فِي دَارْفُورَ، فَإِنَّ فَتْحَ مَعْبَرِ أَدْرِي الْحُدُودِيِّ بَيْنَ تَشَادَ وَالسُّودَانِ أَمْرٌ حَيَوِيٌّ لَا غِنَى عَنْهُ.
وَفِي شَتَّى أَنْحَاءِ السُّودَانِ، لَا يَزَالُ النِّزَاعُ يُسَبِّبُ نُزُوحَ الْآلَافِ وَتَشْرِيدَهُمْ. وَكَمَا أَشَرْتُ سَابِقًا، لَا يَزَالُ السُّودَانُ يُمَثِّلُ أَكْبَرَ أَزْمَةِ نُزُوحٍ فِي الْعَالَمِ، إِذْ أُجْبِرَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِلْيُونَ شَخْصٍ عَلَى تَرْكِ دِيَارِهِمْ. وَلَقَدْ تَفَاقَمَ الْوَضْعُ بِشِدَّةٍ عَلَى إِثْرِ الْأَمْطَارِ الْغَزِيرَةِ الْأَخِيرَةِ فِي الشَّرْقِ وَالْجَنُوبِ وَالْغَرْبِ، فَقَدْ أَجْبَرَتِ الْمَزِيدَ وَالْمَزِيدَ مِنَ النَّاسِ عَلَى النُّزُوحِ، وَعَرْقَلَتْ إِيصَالَ الْمُسَاعَدَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ.
لَقَدْ أُصِبْتُ بِالذُّهُولِ –وَالْغَضَبِ الشَّدِيدِ– عِنْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى تَقْرِيرِ مُنَظَّمَةِ هيومن رايتس ووتش الَّذِي يَسْتَعْرِضُ بِالتَّفْصِيلِ انْتِشَارَ الْعُنْفِ الْجِنْسِيِّ عَلَى نِطَاقٍ وَاسِعٍ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْبِلَادِ. فَقَدْ تَعَرَّضَتْ فَتَيَاتٌ لَا تَتَجَاوَزُ أَعْمَارُهُنَّ تِسْعَ سَنَوَاتٍ وَنِسَاءٌ فِي السِّتِّينَ مِنَ الْعُمْرِ لِلِاغْتِصَابِ وَالِاغْتِصَابِ الْجَمَاعِيِّ عَلَى أَيْدِي الْأَطْرَافِ الْمُتَحَارِبَةِ. وَلَعَلَّ اتِّخَاذَ الِاغْتِصَابِ الْمُمَنْهَجِ سِلَاحًا فِي هَذِهِ الْحَرْبِ هُوَ الْوَجْهُ الْأَكْثَرُ وَحْشِيَّةً وَفَظَاعَةً فِي هَذَا النِّزَاعِ.
وَمَرَّةً أُخْرَى، تَبْذُلُ الْمُنَظَّمَةُ قُصَارَى جَهْدِهَا لِدَعْمِ النَّاجِينَ. وَتُدَرِّبُ مُنَظَّمَةُ الصِّحَّةِ الْعَالَمِيَّةُ الْعَامِلِينَ الصِّحِّيِّينَ عَلَى التَّدْبِيرِ الْعِلَاجِيِّ السَّرِيرِيِّ لِلْحَالَاتِ الَّتِي تَعَرَّضَتْ لِلِاغْتِصَابِ، وَتَقْدِيمِ الدَّعْمِ النَّفْسِيِّ وَالِاجْتِمَاعِيِّ، وَالْإِحَالَةِ، مَتَى أَمْكَنَ، إِلَى الخِدْمَاتِ الْأَسَاسِيَّةِ الْأُخْرَى.
وَفِي أَنْحَاءٍ أُخْرَى مِنَ الْإِقْلِيمِ، تَتَسَبَّبُ الظَّوَاهِرُ الْمُنَاخِيَّةُ الْقُصْوَى، وَمِنْهَا الْفَيَضَانَاتُ وَمَوْجَاتُ الْحَرِّ وَالْعَوَاصِفُ، فِي تَعْطِيلِ حَيَاةِ النَّاسِ وَسُبُلِ عَيْشِهِمْ. وَقَدْ وَرَدَتْنَا تَقَارِيرُ عَنْ وَفَيَاتٍ وَإِصَابَاتٍ نَجَمَتْ عَنْ مَوْجَاتِ الْحَرِّ فِي بَعْضِ بُلْدَانِ الْمَنْطِقَةِ.
وَقَدْ أَسْفَرَتِ الْفَيَضَانَاتُ الْعَارِمَةُ الَّتِي اجْتَاحَتْ أَفْغَانِسْتَانَ مُؤَخَّرًا عَنْ سُقُوطِ ثَمَانِيَةٍ وَخَمْسِينَ قَتِيلًا وَإِصَابَةِ ثَلَاثِمِائَةٍ وَثَمَانِينَ شَخْصًا.
وَقَدْ سَارَعَتْ مُنَظَّمَةُ الصِّحَّةِ الْعَالَمِيَّةُ إِلَى دَعْمِ نِظَامِ الرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ عَبْرَ إِيصَالِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةٍ وَسِتِّينَ طُنًّا مِتْرِيًّا مِنَ الْإِمْدَادَاتِ الطِّبِّيَّةِ، وَنَشْرِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ سَيَّارَةَ إِسْعَافٍ لِلْإِحَالَاتِ، وَتَفْعِيلِ أَنْظِمَةِ إِدَارَةِ التَّدْبِيرِ الْعِلَاجِيِّ لِلْإِصَابَاتِ الْجَمَاعِيَّةِ، وَإِرْسَالِ سِتَّةَ عَشَرَ فَرِيقًا مُتَنَقِّلًا لِلصِّحَّةِ وَالتَّغْذِيَةِ.
وَتَأْتِي هَذِهِ الْفَيَضَانَاتُ وَمَوْجَاتُ الْحَرَارَةِ فِي سِيَاقِ مُنَاخٍ قَاسٍ يَزِيدُ وَتِيرَةَ وُقُوعِ الْحَوَادِثِ الْمُنَاخِيَّةِ الْقَاسِيَةِ وَشِدَّتِهَا. وَلِهَذِهِ الْحَوَادِثِ أَيْضًا آثَارٌ أَوْسَعُ نِطَاقًا عَلَى الصِّحَّةِ، وَمِنْهَا زِيَادَةُ انْتِشَارِ الْأَمْرَاضِ الْمَحْمُولَةِ بِالنَّوَاقِلِ وَالْأَمْرَاضِ الْمَحْمُولَةِ بِالْمَاءِ، وَزِيَادَةُ مُضَاعَفَاتِ الْأَمْرَاضِ غَيْرِ السَّارِيَةِ، وَخَفْضُ إِنْتَاجِ الْغِذَاءِ، وَتَقَلُّصُ الْقُوَى الْعَامِلَةِ الصِّحِّيَّةِ، وَتَضَرُّرُ الْبِنَى التَّحْتِيَّةِ الصِّحِّيَّةِ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْأَثَرِ النَّفْسِيِّ وَالْعَقْلِيِّ.
وَيُشَكِّلُ تَغَيُّرُ الْمُنَاخِ تَهْدِيدًا جَوْهَرِيًّا لِصِحَّةِ الْبَشَرِ. لِذَا حَانَ الْوَقْتُ لِلِانْتِقَالِ إِلَى إِجْرَاءَاتٍ جَمَاعِيَّةٍ وَمَلْمُوسَةٍ، وَإِدْرَاكِ أَنَّ هَذَا التَّهْدِيدَ لَا يَعْرِفُ وَلَا يَقِفُ عِنْدَ الْحُدُودِ، الْأَمْرُ الَّذِي يَجْعَلُ الْجَمِيعَ عُرْضَةً لِلْخَطَرِ.
الزَّمِيلَاتُ وَالزُّمَلَاءُ الْأَعِزَّاءُ،
فِي الْخِتَامِ، أَوَدُّ الْعَوْدَةَ إِلَى مَوْضُوعِ التَّوَتُّرَاتِ السِّيَاسِيَّةِ الْمُتَصَاعِدَةِ فِي الْإِقْلِيمِ.
إِنَّ السُّكَّانَ الْمَدَنِيِّينَ، الَّذِينَ يَرْزَحُونَ بِالْفِعْلِ تَحْتَ وَطْأَةِ الْعُنْفِ وَيُعَانُونَ الْجُوعَ وَالْمَرَضَ، يَجِبُ أَلَّا يَتَعَرَّضُوا لِمَزِيدٍ مِنَ التَّهْدِيدَاتِ.
وَعَلَيْنَا إِعَادَةُ بِنَاءِ النُّظُمِ الصِّحِّيَّةِ لَا الْإِمْعَانُ فِي تَدْمِيرِهَا، وَذَلِكَ لِكَيْ تَسْتَطِيعَ تِلْكَ النُّظُمُ تَحَمُّلَ الْمَزِيدِ مِنَ الصَّدَمَاتِ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ تُؤَثِّرَ فِينَا جَمِيعًا، وَلَيْسَ أَقَلَّهَا الْجَائِحَةُ التَّالِيَةُ.
إِنَّ الْجُهُودَ الْمَبْذُولَةَ فِي سَبِيلِ تَحْسِينِ فُرَصِ الْحُصُولِ عَلَى الرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ فِي هَذِهِ الْبُلْدَانِ تَأَثَّرَتْ بِالْفِعْلِ بِمَحْدُودِيَّةِ الْقُدُرَاتِ وَالْمَوَارِدِ الصِّحِّيَّةِ، وَآثَارِ الْعُقُوبَاتِ، وَالْبِنْيَةِ التَّحْتِيَّةِ الْمُدَمَّرَةِ. وَلَا يَسَعُ هَذِهِ الْجُهُودَ تَحَمُّلُ الْمَزِيدِ مِنَ الْعَرَاقِيلِ.
وَيَجِبُ أَنْ يَنْصَبَّ تَرْكِيزُنَا الْجَمَاعِيُّ عَلَى دَفْعِ خُطَّةِ الصِّحَّةِ الْإِقْلِيمِيَّةِ قُدُمًا، وَتَجَنُّبِ تَعَرُّضِهَا لِمَزِيدٍ مِنَ الِانْتِكَاسَاتِ.
إِنَّ كُلَّ دَوْلَةٍ عُضْوٍ لَهَا مَصْلَحَةٌ فِي ضَمَانِ الْأَمْنِ الْبَشَرِيِّ وَالصِّحِّيِّ لِإِقْلِيمِنَا. وَلَا بُدَّ مِنْ بَذْلِ كُلِّ الْجُهُودِ الدُّبْلُومَاسِيَّةِ لِمَنْعِ تَفَاقُمِ هَذَا الْوَضْعِ الْمُقْلِقِ.
وَبَيْنَمَا تَتَعَاوَنُ الْمُنَظَّمَةُ مَعَ الشُّرَكَاءِ فِي سَبِيلِ إِنْقَاذِ كُلِّ حَيَاةٍ نَسْتَطِيعُ إِنْقَاذَهَا، فَإِنَّنَا نَحْتَاجُ إِلَى الْتِزَامَاتٍ مِنْ جَمِيعِ الْأَطْرَافِ الْمُتَحَارِبَةِ بِاحْتِرَامِ قُدْسِيَّةِ الرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ احْتِرَامًا تَامًّا غَيْرَ مَشْرُوطٍ.
إِنَّنَا بِحَاجَةٍ إِلَى الْوُصُولِ غَيْرِ الْمَشْرُوطِ وَغَيْرِ الْمُقَيَّدِ إِلَى جَمِيعِ الْمُحْتَاجِينَ إِلَى الرِّعَايَةِ وَالْمُسَاعَدَةِ.
وَنَحْنُ بِحَاجَةٍ إِلَى مُبَاشَرَةِ الْعَمَلِ الْإِنْسَانِيِّ بِمَنْأًى عَنِ التَّسْيِيسِ وَالْهَجَمَاتِ.
وَنَحْنُ أَيْضًا بِحَاجَةٍ إِلَى تَمْوِيلٍ مُسْتَدَامٍ.
وَخِتَامًا –وَكَمَا نُؤَكِّدُ مِرَارًا وَتَكْرَارًا– فَإِنَّنَا فِي أَمَسِّ الْحَاجَةِ إِلَى السَّلَامِ.