23 أيلول/سبتمبر 2021 - يضم إقليم شرق المتوسط، الذي أمثله، 22 بلدًا في شمال أفريقيا، وأنحاء الشرق الأوسط، كما يمتد لأجزاء من جنوب آسيا. وقد عانى الإقليم من أزمات متعددة حتى قبل جائحة كوفيد-19، وهو موطن لما يبلغ 43% من الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية على مستوى العالم، كما يُعد مصدرًا لنحو 64% من اللاجئين في العالم.
ونواجه 10 طوارئ إنسانية واسعة النطاق في سائر الإقليم، إضافةً إلى جائحة كوفيد-19، و5 فاشيات وكوارث طبيعية أخرى - والتي تُشكل مُجتمعة احتياجات صحية هائلة وتتطلب عملًا إنسانيًا ضخمًا.
وتُعد معظم هذه الأزمات الإنسانية طويلة الأمد حيث يمتد بعضها على مدى عقود، مثل أفغانستان والصومال. وتتسم تلك الأزمات بسنوات من الصراع المستمر، والاضطرابات الاجتماعية والسياسية التي عصفت بحياة الملايين.
ومع ظهور جائحة كوفيد-19، ازداد الوضع تفاقمًا. فقد أدت الجائحة إلى إجهاد النظم الصحية الهشة بالفعل، وهي بالنسبة لكثير من الناس مجرد تهديد آخر من بين العديد من التهديدات التي يتحتم عليهم مواجهتها بالإضافة إلى النزوح، والجوع، والمرض، والنزاع، والفقر.
وخلال الأسبوع الماضي، سنحت لي الفرصة للسفر مع أخي العزيز الدكتور تيدروس إلى بلدين تتزايد بهما الاحتياجات الصحية، ويتصاعد فيهما يوميًا خطر وقوع كارثة إنسانية.
وقد لاحظنا في كل من لبنان وأفغانستان أن النظم الصحية أوشكت على الانهيار، وأن العاملين الصحيين تحت ضغط هائل، وأن السكان يواجهون صعوبات جمة من أجل تلبية احتياجاتهم الأساسية.
وقد أبلغَنا اﻷطباءُ في كلا البلدين أن النقص - بما في ذلك نقص اﻷدوية واﻹمدادات - يجعلهم غالبًا ما يضطرون إلى اتخاذ قرارات صعبة بشأن اختيار المرضى الذين يتعين علاجهم. وفي أفغانستان، يعاني ما يقرب من ثلثي العيادات والمستشفيات من نفاد مخزون الأدوية الأساسية.
أما في لبنان، فأدى الانخفاض الحاد في قيمة العملة إلى جعل المرتبات الشهرية للموظفين الصحيين لا تتجاوز نسبة ضئيلة مما كانوا يتقاضوه منذ عام. وفي أفغانستان، لم يتقاض معظم العاملين الصحيين في النظام العام رواتبهم منذ شهور، بَيْدَ أن ما يزيد على 90% منهم يواظبون على الذهاب إلى العمل يوميًا، وهو ما يُبرهن على الالتزام والتفاني الاستثنائيين في وقت يشهد ضغطًا هائلًا.
غير أن هجرة ذوي الكفاءات والمهارات من العاملين الصحيين فرارًا من الأزمة الاقتصادية في لبنان ومن انعدام الأمن في أفغانستان بدأت تتسبب في خسائر فادحة.
وفي لبنان، يؤثر نقص الوقود، الذي يمس جميع جوانب الحياة، على النظام الصحي أيضًا. وبسبب هذا النقص، تؤدي قلة توفر الكهرباء إلى حرمان المرضى من الخدمات الصحية الأساسية، بل وأحيانا الخدمات المنقذة للحياة. وقد شهدت أسعار الأدوية الـمُنقِذة للحياة ارتفاعًا مهولًا، ويكاد يكون المعروض منها ضئيلاً للغاية. وبما أن أكثر من 55% من سكان البلد يعيشون تحت خط الفقر، يزيد هذا بدرجة كبيرة من مخاطر المضاعفات الطبية الناجمة عن الأمراض المزمنة بالنسبة للمرضى الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف العلاج أو الحصول عليه.
وفي أفغانستان، تتسبب التخفيضات الأخيرة في تمويل أكبر مشروع صحي في إغلاق مزيد من المرافق الصحية كل يوم. وفي بعض المناطق، سمعنا بالفعل عن وفاة أمهات وأطفال نتيجة لانخفاض فرص الحصول على الرعاية.
وعلاوة على كل هذا، يضيف كوفيد-19 مزيدًا من التهديدات لكل من الاستجابة الصحية والسكان أنفسهم. فالأشخاص الذين يقع على عاتقهم العديد من المطالب المتنافسة والضغوطات لا يرون كوفيد-19 من نفس منظور البلدان النامية الأكثر استقرارًا. فقد رأينا التزامًا محدودًا بارتداء الكمامات وبغيرها من التدابير الوقائية، مما يثير المخاوف بشأن تزايد انتقال العدوى في الأشهر المقبلة. وخاصة عندما نعلم أن تحوُّر دلتا آخذ في الانتشار في كلا البلدين.
وخلال الزيارات، سمعنا قصصًا محبطة جعلتنا أكثر تصميمًا على إيجاد أي فرصة لمواصلة عملنا المنقذ للحياة وتوسيع نطاقه.
وهناك بالفعل فرص لذلك. ففي كلا البلدين، أعرب القادة الذين التقينا بهم عن التزامهم بضمان صحة وعافية سكانهم، وطلبوا منا مواصلة عملنا وتوسيع نطاق الدعم الذي نقدمه.
وقد حصلنا على التزام القيادات الصحية، والتزام موظفينا المتفانين في عملهم في هذين البلدين، وأيضًا التزام شركائنا التنفيذيين. ولكننا نحتاج إلى التزام أكبر من جانب جهاتنا المانحة في كلا البلدين. ففي أفغانستان، يهدد توقف التمويل من جانب المانحين الدوليين استمرارية مشروع سيهاتماندي الذي يدعم 2300 مرفق صحي ويُعتبر العمود الفقري للنظام الصحي الوطني. إننا نناشد تلك الجهات المانحة سرعة الالتزام بمواصلة تمويلها لبرنامج حيوي ومنقذ للحياة يخدم عشرات الملايين من الأفغان.
ونحن، في منظمة الصحة العالمية، نعمل بنشاط في جميع مجالات الاستجابة الصحية الإنسانية. ونحن على أتم استعداد للقيام بالمزيد، شريطة أن تتدفق الموارد.
وخلال جميع اجتماعاتنا التي عُقدت على مدار الأسبوع الماضي، تصدرت المشهد رسالة رئيسية واحدة، وهي أنه: على الرغم من تغيُّر القيادات في هذين البلدين، لم يتغير الرجال والنساء والأطفال الأبرياء الذين ما زالوا يحدق بهم الخطر ويحتاجون إلى دعمنا.
وسوف نستمر في الدعوة بكل قوة إلى اعتبار الصحة حقًا محايدًا وأساسيًا من حقوق الإنسان. وفي إطار رؤيتنا الإقليمية لتحقيق الصحة للجميع، لا يسعنا أن تخلى – ولن نتخلى – عن شعب لبنان وأفغانستان وغيرهما.