24 آذار/مارس 202 1أشكُركم على الانضمام إلينا اليوم في هذه الندوة الإلكترونية بشأن الاستجابة لمرض كوفيد-19 في سوريا.
لقد زرتُ دمشق وحمص وحماة قبل بضعة أشهر، وشاهدتُ بنفسي الأثر المدمِّر للصراع الذي دام عشر سنوات والأزمة الإنسانية الناجمة عنه، والتي تفاقمت الآن بسبب كوفيد-19.
وبينما كنتُ هناك، التقيتُ بالعاملين في الخطوط الأمامية الذين ما زالوا يتحدُّون ظروف العمل الخطيرة من أجل إنقاذ الأرواح. وتحدثتُ إلى آباء متلهّفين إلى مستقبل أفضل لأبنائهم. وفي دمشق، زرتُ أحد أجنحة الطوارئ التي أعادت المنظمة تأهيلها في مستشفى يعالِج كل يوم مئات الأطفال الذين يعانون من حروق، وإصابات، وأمراض تهدد الحياة. ومع ذلك، فقد أدهشني الصمود والروح الإيجابية لهذا الشعب الذي لا يزال مصمِّمًا على إعادة السلام والازدهار إلى سوريا.
ولا يزال الوضع في سوريا مُترديًا بعد 10 سنوات من القتال. وفي الواقع، فإن الاحتياجات الإنسانية آخذة في الازدياد. إذ يعيش اليوم 90٪ من السكان تحت خط الفقر وأكثر من نصفهم في حاجة ماسَّة إلى المساعدات الصحية الإنسانية - وازدادت هذه الإحصائية من جرّاء كوفيد-19.
ولا تتوافر مياه الشرب المأمونة والغذاء الكافي للكثيرين بسهولة، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة تعقيد حالة المرض. كما أن ثُلث السكان، ومعظمهم من النساء والأطفال، مشرَّدون داخل المخيمات وفي أماكن أخرى في المناطق الشمالية الغربية والشمالية الشرقية من البلاد.
ويمثِّل المشرَّدون داخليًا في سوريا، في المخيمات والمستوطنات، وفيما بين السكان المضيفين، الفئات الفرعية الأكثر ضعفًا في صفوف السكان. ومن الصعب تطبيق التدابير الصحية والاجتماعية للوقاية من كوفيد-19 بسبب اكتظاظ المخيمات وقلة النظافة الشخصية. ويمثِّل ذلك احتمالية تلوح باستمرار في الأفق لحدوث فاشية قد تكون كارثية، خاصةً وأن الصراع المستمر قد يؤدي إلى مزيد من التشريد.
وتشير بعض التقديرات إلى أن ما بين 60% و70% من المهنيّين الصحيّين غادروا البلاد، ولا يعمل من جميع مراكز الرعاية الصحية الأولية سوى 53% وهي غير قادرة على تلبية الاحتياجات الصحية المتزايدة بسرعة. ويؤدي النقص الحاد في المعدات والإمدادات الطبية والأدوية الجيدة إلى زيادة تردِّي النظام الصحي المُدمَّر بالفعل. ثُم إن قلة فرص وصول المساعدات الإنسانية، والهجمات التي يتعرَّض لها العاملون في مجال الرعاية الصحية ومرافق الرعاية الصحية، مثل الهجوم الأخير الذي استهدف مستشفى في حلب قبل أيام قليلة، يحول دون حدوث استجابة صحية كاملة النطاق ومناسبة. ويستمر تزايُد أعداد السكان المستضعفين الذين يحتاجون إلى مساعدات صحية منذ عام 2020.
وأُبلِغ حتى الآن عن ما مجموعه 47966 حالة إصابة بمرض كوفيد-19 في سوريا، مع ما يقرب من 2168 حالة وفاة. ولاحظنا خلال الأسبوعيْن الماضييْن زيادة حادة في عدد الحالات، لا سيِّما في المناطق التي تُسيطر عليها الحكومة وفي شمال شرق البلاد. وهذا مماثل للاتجاهات التي نشهدها حاليًا في جميع أنحاء الإقليم، بل وفي أجزاء أخرى من العالم. وقد أُرسِلت عينات مؤخرًا إلى أحد المختبرات الإقليمية لمساعدتنا على تحديد ما إذا كان ينتشر في سوريا أحد التحوُّرات الجديدة التي تتسبب في زيادة الحالات في بلدان أخرى.
وهناك ضعف في التزام عموم الناس بتدابير الوقاية مثل ارتداء الكمامات والتباعد البدني. كما أن العاملين في الخطوط الأمامية معرَّضون بشدة لخطر الإصابة بالفيروس بسبب عدم كفاية مخزونات معدات الوقاية الشخصية. كما سيفرض شهر رمضان المبارك المُقبِل تحديات إضافية حيث يجتمع الناس عادةً للصلاة والإفطار.
ويمثِّل بدء استخدام لقاحات كوفيد-19 على الصعيد العالمي بارقة أمل لنا جميعًا. وأغتنم هذه الفرصة كي أُعرِب عن خالص تقديري لمرفق كوفاكس الذي يهدف إلى ضمان التخصيص العادل والمنصف للقاحات في جميع أنحاء العالم.
وفي ظل حالة الطوارئ الإنسانية الكبرى هذه، تعمل المنظمة عن كثب مع الشركاء لإطلاق استجابة شاملة لمرض كوفيد-19، بوسائل منها مرفق كوفاكس. وسوف نستفيد من برامج التمنيع القائمة لتطعيم 20% من سكان سوريا، بمَنْ فيهم العاملون في الخطوط الأمامية والسوريون المعرَّضون لمخاطر شديدة، بحلول نهاية عام 2021. وستشمل حملات التطعيم التي تُدار من كلٍ من دمشق وغازي عنتاب الفئات الضعيفة والمحرومة من الخدمات في جميع أنحاء سوريا؛ ويمثِّل "المخزون الاحتياطي" للمساعدات الإنسانية خيارًا إذا لم يمكن تغطية هذه الفئات بخدمات التطعيم من خلال الخطط الحالية والخطط المُصغَّرة. ونلتزم بالعمل مع السلطات الصحية والشركاء في مجال التوزيع والتخطيط الدقيق لضمان التوزيع العادل والمنصف للقاحات.
ولم يتلقَّ التطعيم سوى عدد قليل من العاملين الصحيين في سوريا حتى الآن؛ وعلى الرغم من نقص اللقاحات على الصعيد العالمي، فإننا نعمل بجِد مع مرفق كوفاكس لضمان حصول السوريين في جميع أنحاء البلاد على هذه الأدوات، بمَن فيهم الأشخاص الذين يعيشون في مناطق يصعب الوصول إليها. غير أن المجتمع العالمي قد يواجه تحديات تتعلق بإنتاج اللقاحات أو تصنيعها، الأمر الذي قد يتسبب في بعض التأخير في تلقِّي التطعيم والبدء به فعليًا في مختلف بلدان العالم، على النحو المأمول في الربع الثاني من هذا العام.
وبالتوازي مع ذلك، نواصل توسيع نطاق قدرات الترصُّد والاختبار والعزل فيما يتعلق بكوفيد-19 في جميع أنحاء سوريا، وكذلك تدريب العاملين الطبيين على التدبير العلاجي السريري لمرض كوفيد-19، وتدريب أفرقة الصحة العامة على الاستجابة السريعة.
ولطالما كان التعاون والشراكة المتعددتا القطاعات عاملًا محوريًا في عمل المنظمة في سوريا على مر السنين - وكان ذلك أمرًا بالغ الأهمية على مدار العام الماضي بصفةٍ خاصة. وفي عام 2020، عملت المنظمة جنبًا إلى جنب مع الجهات المانحة والشركاء والمجتمعات المحلية من أجل توفير الخدمات الصحية الأساسية، ومن بينها أكثر من 11 مليون استشارة في العيادات الخارجية، و10 ملايين علاج، و271000 استشارة في حالات الرضوح، و241000 استشارة في مجال الصحة النفسية في جميع أنحاء سوريا.
وعلى الرغم من أن كوفيد-19 يأتي في صدارة أولوياتنا في الوقت الحالي، أوَدُّ أن أشيد بالجهود التي يبذلها الشركاء على أرض الواقع الذين يضمنون تقليل تعطيل الخدمات الصحية الأساسية إلى أدنى حد. وهذا المستوى من التعاون بالغ الأهمية لتوفير شريان الحياة للشعب السوري. وتلتزم المنظمة بمواصلة المشاركة مع الشركاء في إطار نهج "سوريا برمتها"، وتطبيق جميع الأساليب حتى نتمكن معًا من تحسين تقديم الخدمات الصحية الأساسية.
ويؤدي الإبلاغ عن المخاطر والمشاركة المجتمعية دورًا حاسمًا في إبطاء سريان مرض كوفيد-19 وحماية المجتمعات المحلية. ويكتسب إضفاء الطابع المحلي على الاستجابة بصورة أكبر، والتواصل مع المجتمعات المتضررة في المناطق التي أمكن الوصول إليها مؤخرًا، أهمية محورية في هذا الصدد. ويُعد التحوُّل نحو المشاركة المجتمعية لضمان اتباع نهوج تشاركية، وبناء الثقة، والتماسك الاجتماعي أمرًا بالغ الأهمية لمكافحة كوفيد-19 والتخفيف من الآثار السلبية للجائحة. وفي نهاية المطاف، سيدعم التنسيق مع مختلف الجهات صاحبة المصلحة - ومنها الجهات الفاعلة غير الدول - وإعداد البيّنات هذه الجهود. ولا شك أن بناء القدرات عملية مستمرة، إلا أن ذلك يحتاج إلى توجيه وابتكار.
وتُعد سوريا واحدة من أكثر حالات الطوارئ تعقيدًا وتسييسًا في العالم. فنقص تمويل المساعدات الإنسانية يُهدِّد بشدة تقديم المساعدة إلى ملايين السوريين في هذه اللحظة الحاسمة للغاية، وسيؤدي إلى خسائر في الأرواح يمكن تجنُّبها. وبموجب رؤيتنا الإقليمية، نؤمن إيمانًا قويًا بأن "الصحة للجميع وبالجميع"، وهذا يعني عدم تخلُّف أحد عن الركب. ولتحقيق هذه الرؤية، فمن الأهمية بمكان أن نواصِل الاستثمار في الثغرات التي يواجهها القطاع الصحي.
وأدعو المجتمع الدولي إلى الوفاء بوعدنا للشعب السوري. ويجب أن نذكِّرهم بأن هناك أملًا في مستقبلٍ أفضل. وقد أثبَت لنا كوفيد-19 أن لا سبيل للنجاح لنا جميعًا إلّا بالتضامن. فلنواصِل الآن تعزيز هذا الزخم ولنعمل معًا للوفاء بالتزاماتنا الإنسانية والأخلاقية.
وسنظل مع الشعب السوري في كل خطوة على الطريق.
وصلات ذات صلة
بيان المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط بشأن مرور 10 سنوات على بداية الأزمة السورية .
15 آذار/مارس 2021