21 أيلول/سبتمبر 2022 - خلال الأيام الثلاثة الماضية في زيارتي هنا في دمشق ومحافظة درعا، لمست بنفسي الآثار المدمرة للحرب وعدم الاستقرار الاقتصادي والعقوبات على السوريين الأبرياء الذين ما زالت حالتهم الصحية في تدهور حتى الآن.
وفي درعا، التي كانت في وقت من الأوقات مسرحًا لقتال ضارٍ وما تزال أجزاء منها مدمرة، التقيت بسيدة مسنة تخضع للعلاج بالديال الكلوي، وقد انفجرت في البكاء وهي تتحدث معي عن حالتها الصحية وعن المصير الذي حل ببلدها. ووسط دموعها، التفتت إلي وسألتني: "ما الذي جرى لنا؟"
وكان السؤال صعبًا، ولم أستطع الإجابة.
وما يزال السوريون الذين نجوا من ويلات الحرب معرضين لفاشيات الأمراض الفتاكة، مثل الكوليرا المتفشية حاليًا في 6 محافظات والتي أودت حتى الآن بحياة 23 شخص وأصابت 253 آخرين بالعدوى. كما تتزايد أيضًا حالات الإصابة بداء الليشمانيات في جميع أنحاء البلاد.
واليوم، يعاني أكثر من 20 ألف طفل دون سن الخامسة في جميع أنحاء سوريا من سوء التغذية، ومنهم 1500 طفل معرضون لخطر الإصابة بمضاعفات طبية. ولا يرضى إنسان أن يقف أي أب أو أم مكتوف اليدين وابنه أمامه يعاني، ولكن خلال الأيام الثلاثة الماضية التقيت بأمهات أنهكتهن الظروف وأطفالهن يعالجون من المضاعفات الطبية لسوء التغذية، ومنها أمراض الجهاز التنفسي والإسهال الدموي نتيجة ضعف المناعة.
وفي دمشق، أخبرني الأطباء أنهم يكافحون للعمل في ظل قلة الإمدادات والمعدات الطبية بسبب العقوبات المفروضة على البلاد. وقد تُركت المعدات الطبية المعطلة، مثل أجهزة التصوير المقطعي المُحوسَب والتصوير بالرنين المغناطيسي، بدون أي استفادة منها بسبب تعذر استيراد قطع الغيار اللازمة لإصلاحها من الموردين الدوليين بسبب العقوبات.
ونحن، في منظمة الصحة العالمية، نؤكد مرارًا وتكرارًا على أن الرعاية الصحية حق أساسي من حقوق الإنسان لجميع الناس في كل مكان. ولكن في سوريا، فإن الواقع الأليم هو أننا لا نستطيع ضمان صحة الأبرياء لأن هناك عوامل أخرى تعيقنا وهي:
عدم الاستقرار الامني والذي يؤثر في الصحة العامة.
العقوبات التي تؤثر في الصحة العامة.
عدم الاستقرار الاقتصادي الذي يؤثر في الصحة العامة.
نقص الوقود والمياه والكهرباء والذي يؤثر في الصحة العامة.
وما لم نواجه جذور هذه الأزمة الصحية فإن قدرتنا على التصرف ستظل محدودة، وستكون النتيجة ترك الملايين في سوريا بدون الدعم الذي يحتاجون إليه للبقاء والتعافي وإعادة بناء بلدهم.
وفي ضوء رؤية منظمة الصحة العالمية للإقليم "الصحة للجميع وبالجميع"، فإننا ندعو المجتمع الدولي للتضامن والتحرك لإعطاء الشعب السوري فرصة لحياة كريمة يتمتع فيها بالصحة والعافية.
ولكم جزيل الشكر.
بيان ممثلة منظمة الصحة العالمية حول الوضع الصحي
باتت المخاطر التي يواجهها السوريون اليوم أكبر من أي وقت مضى، كما أوضح للتو المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية.
ويسمح لنا نهج استجابة "سوريا برمتها" الذي تتبعه المنظمة بتقديم المساعدات الصحية لكل سوري يحتاج إليها في أي مكان في سوريا باستخدام أفضل الأساليب، بغض النظر عن موقعه الجغرافي أو انتمائه السياسي. ونحن على مستوى المنظمة، ننسق مع الحكومة والأحزاب الحاكمة بجميع مستوياتها لتسهيل تحركاتنا وضمان وصول مساعداتنا إلى كل سوري.
وضمن جهودنا لمواجهة فاشية الكوليرا الحالية، وصلت شحنة من الأدوية والإمدادات قبل يومين فقط إلى مطار دمشق من مركزنا اللوجستي في دبي. وستُوزع هذه الإمدادات، التي تكفي لتغطية ألفي حالة خطيرة و190 ألف حالة خفيفة، على المرافق الصحية في شمال شرق سوريا حيث تتركز الفاشية. كما يُتوقع وصول شحنة ثانية في وقت لاحق اليوم.
إن أولويتنا القصوى في الوقت الراهن هي وقف انتشار هذا المرض الفتاك من خلال الاستمرار في دعم فرق الاستجابة السريعة، وتوسيع نطاق الترصد والاختبار وتتبع المخالطين، مع تعزيز الوعي في المجتمعات المتضررة والمعرضة للخطر حول سبل الوقاية. كما نتعاون مع الشركاء في اختبار جودة المياه وتوزيع أقراص الكلور في المجتمعات المتضررة.
وإجمالاً، فإن جهودنا في سوريا تستند إلى نهج ذي ثلاثة محاور: (1) تلبية الاحتياجات العاجلة لأكثر من 12 مليون إنسان في حاجة إلى المساعدة الصحية؛ (2) وإعادة النظام الصحي لأداء وظائفه من خلال دعم جهود تعافي المرافق الصحية وإعادة تأهيلها، وضمان توافر عدد كافٍ من المهنيين الصحيين الأكفاء؛ و(3) دعم تعزيز المحددات الاجتماعية التي تؤثر في صحة السوريين فيما يتعلق بجودة المياه وإمكانية الحصول على الوقود والكهرباء وغيرها من الموارد الأساسية.
ولكن ضمان الصحة والعافية لكل سوري هدف يتجاوز نطاق مسؤولية السلطات الصحية ومنظمة الصحة العالمية، ويتطلب إجراءات تتخذها القطاعات الأخرى وجميع أصحاب المصلحة، ومنهم المواطنون السوريون أنفسهم الذي يجب أن يتحلوا بوعي أكبر بالخطوات التي يحتاج كل منهم لاتخاذها لحماية نفسه وحماية الآخرين.
وحتى اليوم، لم يحصل على لقاح كوفيد-19 إلا 15% فقط من جميع السوريين، مع انخفاض نسبة الحصول عليه بين الفئات ذات الأولوية مثل العاملين في مجال الرعاية الصحية وكبار السن، وهو ما يزيد من مخاطر إصابتهم بعدوى وخيمة واحتجازهم في المستشفى للعلاج. وتعمل منظمة الصحة العالمية مع الشركاء لزيادة الإقبال على الحصول على اللقاح وزيادة الوعي بفوائده في وقف ارتفاع نسب الإصابة والوقاية من المرض الشديد والاحتجاز في المستشفى للعلاج.
لقد عانى السوريون في ظل أكثر من 12 سنة من الصراع المدمر، وفقدوا أحباءهم وبيوتهم وسبل عيشهم. ولهذا، فإننا مدينون لهم بالمساعدة في الحفاظ على أبسط حقوقهم الأساسية: الحق في الصحة.