19 آب/أغسطس 2015، القاهرة، مصر ــــ في كل عام يتيح لنا اليوم العالمي للعمل الإنساني الفرصة للإشادة بأولئك الناس الذين يساعدون الآخرين وتكريمهم: إنهم العاملون في مجال المساعدات الإنسانية الذين يُكرِّسون حياتهم لخدمة المحتاجين.
ويُركِّز موضوع هذا العام على العاملين الصحيين الذين يُقدِّمون خدمات الرعاية الصحية في ظل ظروف صعبة وحافلة بالتحدّيات؛ سواء كانت صراعاً أم كارثة من الكوارث الطبيعية أم بيئة تتَّسم بشُحّ الموارد. وهي ظروف باتت مألوفة في إقليم شرق المتوسط الذي تُؤثِّر فيه حالات الطوارئ على ما يزيد عن 60 مليون نسمة، منهم ما يقرُب من 41.5 مليون شخص في حاجة إلى المساعدة الإنسانية في ثلاثة بلدان تمرّ بحالات طوارئ كبرى، وهي سوريا والعراق واليمن.
والعمل في حالات الطوارئ ليس بالمهمّة اليسيرة؛ فإلى جانب عبء العمل الهائل الذي يفوق طاقاتهم في ظل أوضاع صعبة للغاية، يهتم العاملون بسلامتهم الشخصية، ويتحمل العاملون المحليون عبئاً إضافياً لضمان سلامة أسرهم وذويهم.
واليوم، يعمل في منظمة الصحة العالمية أكثر من 3060 عاملاً دولياً ووطنياً في مجال الطوارئ واستئصال شلل الأطفال مع مسؤولي التنسيق بوزارات الصحة والشركاء في أرجاء الإقليم، حتى يضمنوا حصول ملايين الرجال والنساء والأطفال على خدمات الرعاية الصحية الطارئة وخدمات التمنيع التي يحتاجون إليها حتى في البيئات الأكثر صعوبة.
فمن العامل في حملات التطعيم في أفغانستان الذي يقود دراجته على الطرق الترابية ويصعد بها عبر دروب جبلية وَعِرَة لتطعيم الأطفال ضد الأمراض، مروراً بالعامل المسؤول عن الترصُّد في اليمن الذي يرصُد حالات الإصابة بالأمراض الـمُعدِية في أوساط النازحين داخلياً، إلى جرَّاح الرضوح في الصومال الذي يعمل في مستشفى ميداني ولا يتوافر له سوى النذر اليسير من الموارد، إلى العامل الصحي في باكستان الذي يخوض في مياه الفيضانات لإيصال الأدوية التي تمَسُّ الحاجة إليها - هؤلاء هم العاملون في مجال المساعدات الإنسانية الذين يُكرِّسون حياتهم لمساعدة الآخرين.
ونحن اليوم نشكرهم ونشيد بما قدَّموه، فلولا تفانيهم والتزامهم وإنكارهم لذواتهم بالعمل في بيئات خطيرة ومضطربة منذ مطلع 2015، لما استطاعت منظمة الصحة العالمية إيصال الأدوية والمستلزمات الطبية الـمُنقِذة للحياة لأكثر من 13.5 مليون شخص في سوريا والعراق واليمن. فبرغم العنف الدائر، نجح العاملون في المنظمة والقائمون على حملات التطعيم في كلٍّ من سوريا والعراق في تطعيم ما يزيد عن 9.5 مليون طفل ضد شلل الأطفال والحصبة هذا العام. وينتقل هذا الأسبوع العاملون في حملات التطعيم باليمن من بيت لآخر في بعض المناطق النائية وغير الآمنة في بعض الأحيان، كي يصلوا إلى أكثر من 5.5 مليون طفل في إطار حملة وطنية للتطعيم ضد شلل الأطفال والحصبة والحصبة الألمانية.
وفي البلدان التي تمرّ بحالات طوارئ "منسية"، مثل الصومال والسودان، خلَّفَت عقود من الصراع والعنف عشرات الملايين من البشر يكافحون من أجل البقاء، وزاد الأمر سوءاً بفعل الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والزلازل والجفاف. ويعمل العاملون في مجال الرعاية الصحية في هذه البلدان يومياً في ظل ظروف صعبة ولا تتوافر لهم سوى موارد محدودة ويعيشون في خوف خشية أن يتعرَّضوا لهجمات مستمرّة. ورغم ذلك كله، تحققت نتائج ملموسة يرجع الفضل فيها إلى جهودهم ومثابرتهم؛ ففي شهر تموز/يوليو أعلنت الصومال عن عدم تسجيل أي حالة إصابة بشلل الأطفال على مدار سنة واحدة بفضل جهود التمنيع المتواصلة. وفي السودان، تم تطعيم أكثر من 6 ملايين طفل في الفترة من كانون الثاني/يناير حتى حزيران/يونيو في إطار الاستجابة لفاشية الحصبة الحالية.
فبفضل هؤلاء العاملين الصحيين والمئات غيرهم عبر الإقليم ممن يُعلون طواعية وعن طيب نفس صحة الآخرين وعافيتهم فوق ما عداها، تستطيع منظمة الصحة العالمية القيام برسالتها لإنقاذ الأرواح.
ونحن، إذ نشيد بجهودهم، يتعيَّن علينا أن نأخذ دقيقة نحيي فيها ذكرى من جادوا بأرواحهم وهم يحاولون إنقاذ أرواح الآخرين. فقد شهد إقليمنا طيلة الشهور الاثنتي عشرة الفائتة هجمات متكررة استهدفت العاملين في مجال الرعاية الصحية والمنشآت الصحية في أفغانستان والعراق والأرض الفلسطينية المحتلة والسودان والصومال وسوريا واليمن.
وإنها لحقيقة تبعث على الحزن أن نرى حيادية العاملين في الرعاية الصحية والمنشآت الصحية ما عادت تُحتَرَم في عدد من البلدان في إقليمنا اليوم. فالعاملون الصحيون والمستشفيات والمرضى تعرَّضوا لهجمات مباشرة في المنشآت الصحية، فضلاً عن انقطاع الكهرباء والمياه ونقص الوقود وإقامة الحواجز للحيلولة دون الوصول إلى هذه المنشآت. وجرى الاستيلاء على المنشآت الصحية لاستخدامها في غير الأغراض الطبية. أما العاملون في مجال الرعاية الصحية فمنهم من قُتِل ومنهم من اختُطِف ومنهم من اعتُدي عليه. وسُرِقت سيارات الإسعاف ونُهِبت محتوياتها وأُطلِقت عليها النيران ومُنِعت من العبور عند نقاط التفتيش.
ويشهَد إقليمنا حالات طوارئ ذات حجم وجسامة لم يسبق أن شهد العالم لها مثيلاً. وبينما لا يزال الصراع والكوارث الطبيعية يؤثران على الفئات السكانية الضعيفة، علينا أن نتأكد من قدرة العاملين في الرعاية الصحية على العمل دون مجابهة مزيد من المخاطر على حياتهم أو حياة مرضاهم.
وأَغتنم هذه الفرصة بمناسبة اليوم العالمي للعمل الإنساني كي أُعرِب عن خالص امتناني لجميع العاملين الصحيين الذين يعملون في بيئات صعبة وحافلة بالتحدّيات، وأُطلِق دعوة خاصة لسلامة وحماية من يواجهون الصراع والعنف كل يوم. فالتزامهم الذي لا يلين بعملهم في ظل الأوضاع الأكثر صعوبة هو الضمانة في أن يحافظ كل السكان في الإقليم على حق من حقوقهم الأساسية - وهو الحق في الصحة.