22 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 - أشكركم على الانضمام إلينا اليوم لإلقاء الضوء على آخر المستجدات الإقليمية بشأن الطوارئ الصحية في الأرض الفلسطينية المحتلة والسودان.
وقبل أن أستهل ملاحظاتي، أود أن أتوقف لحظة لأستحضر ذكرى زميلتنا الشابة الموظفة بمنظمة الصحة العالمية، ديما الحاج، التي فاضت روحها بشكل مأساوي بالأمس جرَّاء تعرُّض منزل والديْها للقصف. وقد تُوفِّي في القصف أيضًا زوج ديما، وطفلها الرضيع البالغ من العمر 6 أشهر، وأكثر من 50 فردًا آخر من عائلتها كانوا يبحثون معًا عن ملاذ آمن. وقد انضمت ديما إلى المنظمة في عام 2019 ضمن فريق رعاية الرضوح الذي تدعمه المنظمة في مركز إعادة بناء الأطراف في غزة. وإننا جميعًا نشعر بالأسى لتلك الأخبار الصادمة، ونتقدم بأحر التعازي لعائلة ديما، وأصدقائها، وزملائها الباقين.
وبينما تنفطر قلوبنا حزنًا على فقدان ديما وأسرتها، لا يمكننا أن نغفل طبيعة هذا الصراع العبثي. فما حدث يذكرنا بأنه لم تعد هناك بقعة واحدة آمنة للمدنيين في غزة اليوم، بمن فيهم زملاؤنا في المنظمة وسائر الزملاء في الأمم المتحدة، الذين يفقدون حياتهم وهو يحتمون بجدران منازلهم، وفي المخيمات، والملاجئ، والمدارس، بل وحتى أثناء تلقي الرعاية في المستشفيات.
ويجب أن يتوقف قتل المدنيين الأبرياء والتمثيل بهم، بمن فيهم النساء والأطفال الذين فاقت أعدادهم نصف عدد القتلى. فهؤلاء لم يرتكبوا إثمًا ليستحقوا تلك المحن التي لم يختاروها ولا يمكن لعقل أن يتصورها. وبالرغم من حديث كلا الجانبيْن المتفاخِر عن المبادئ الأساسية لقوانين الحرب، مثل التناسُب، والتمييز، والإجراءات الاحتياطية، فقد هاجم كلاهما المرافق الصحية، والمدارس، ومنازل الأُسر، وملاذات اللجوء الآمن. ولا يمكننا أن نسمح بتآكُل نسيجنا الإنساني المشترك أكثر من ذلك.
وفي حين استشعرنا قدرًا من الحماس نتيجة الإعلان المفاجئ عن وقف إطلاق النار المُرتبط بإطلاق سراح الرهائن والسجناء، نرى أن ما يحتاجه شعبا غزة وإسرائيل هو وقف دائم لإطلاق النار. وما نحتاج إليه هو أن يضع قادة الجانبيْن وقواتهما المتحاربة صحة وعافية شعبيْهما في المقام الأول من الاهتمام.
ففي غزة اليوم، يُحرم الناس من الحصول على الغذاء، والماء النظيف، والرعاية الصحية، والمأوى، والحماية. وقد نزح ما يقرب من ثلاثة أرباع مجموع السكان داخليًّا، بعد محاولات متكررة للتنقُّل فرارًا من الصراع الدائر.
بل إن حتى المستشفيات - أكثر الملاذات أمنًا - لم تسلم من تلك الفظائع. وقد وثقت المنظمة وقوع 178 هجومًا استهدف المرافق الصحية في قطاع غزة، وأسفر عن وفاة 553 شخصًا وإصابة 696 آخرين، بما في ذلك 22 وفاة و48 إصابة في صفوف العاملين في مجال الرعاية الصحية أثناء قيامهم بمهامهم. وقد أثَّرت الهجمات على 44 مرفقًا من مرافق الرعاية الصحية، بما في ذلك 24 مستشفى تعرضت لأضرار، كما أثَّرت على 40 سيارة إسعاف، منها 32 سيارة لحقت بها أضرار.
ومع توقُّف المرافق الصحية عن العمل بسبب الصراع أو نقص الموارد، تتضاءل قدرتنا على تقديم الرعاية الصحية للسكان، في الوقت الذي ترتفع فيه احتياجاتهم الصحية حدَّ السماء. وقد أدى تباطؤ الإمداد بالأدوية والمستلزمات، ونقص الوقود والمياه المأمونة، وتدمير البنية الأساسية، وفقدان الموظفين إلى إجبار 27 مستشفى من أصل 36 مستشفى، ومركزيْن متخصصيْن، و47 عيادة من أصل 72 عيادة للرعاية الصحية الأولية في غزة على الإغلاق.
وتتعرض المستشفيات القليلة المتبقية التي تعمل فقط بصورة جزئية لضغوط هائلة، وتُقدِّم خدمات طارئة محدودة، الأمر الذي يترك آلاف المرضى عُرضة للأمراض التي يمكن توقيها نتيجة انقطاع خدمات الرعاية الصحية المُنقِذة للحياة. وما زال الأطفال الخُدَّج يواجهون الموت مع توقف نُظُم دعم الحياة عن العمل. ويواجه مرضى السرطان، ومرضى الكُلى والقلب والأوعية الدموية والسكري مخاطر جمَّة نتيجة انقطاع العلاج. وبدون الحصول على المياه النظيفة، أو ممارسة التصحُّح بشكل مناسب، أو التخلص الآمن من نفايات الصرف الصحي، يزداد تعرُّض الأشخاص الذين يعيشون في أماكن مكتظة للإصابة. ونحن نشهد بالفعل زيادة في معدلات الإسهال، والعدوى التنفسية، واليرقان والعدوى الجلدية، وعدوى مرحلة الطفولة، بما في ذلك الحصبة.
وقد بذلنا كل ما في وسعنا لتزويد سكان غزة بخدمات الرعاية الصحية المُنقذة للحياة التي هم بأمس الحاجة إليها. لكن هذا الصراع السياسي يحتاج إلى حل سياسي. وينبغي الارتقاء بوتيرة تقديم المساعدات الإنسانية الإضافية إلى مستويات تفوق بكثير ما وصلت إليه حتى الآن. ويجب السماح للمستشفيات بأن تسد النقص في الموارد التي تحتاج إليها لمواصلة عملها. ولا بد أن يتوقف القتال حتى نتمكن من تسريع وتيرة استجابتنا داخل غزة والتصدي للمخاطر. فلا يمكننا الاستمرار في تقديم قطرات من المعونة لتلبية محيط من الاحتياجات.
وندعو، مرة أخرى، إلى إنهاء الصراع، وحماية العاملين الصحيين والمرضى والمرافق الصحية، والإفراج غير المشروط عن الرهائن، والسماح الدائم بدخول المساعدات الصحية المنقذة للأرواح إلى غزة دون عوائق.
وبينما تتجه أنظار العالم إلى الكارثة التي تتوالى فصولها في غزة، تعمل منظمة الصحة العالمية أيضًا على الاستجابة لكارثة إنسانية أخرى في السودان، حيث تركت 7 أشهر من العنف الواسع النطاق آثارًا مدمرة على حياة الناس وسبل عيشهم وصحتهم.
كما أن السودان -الذي يشهد أحد أكثر الأزمات المنسية في العالم- يواجه الآن أكبر أزمة نزوح داخلي على مستوى العالم، حيث نزح في الآونة الأخيرة 6.3 ملايين شخص (أيْ أكثر من 12% من إجمالي السكان) منذ 15 أبريل/ نيسان الماضي. وقد نزح ما يقرب من 1.4 مليون من هؤلاء إلى بلدان مجاورة بوصفهم لاجئين.
كما أن النزاع المسلح وانعدام الأمن، والهجمات على مرافق الرعاية الصحية، ونقص العاملين الصحيين والإمدادات الصحية أجبر 80% من المرافق الصحية في المناطق المتضررة من النزاع على التوقف التام، مما أرهق النظام الصحي بها إلى أقصى الحدود وحرم الشعب السوداني من حقه في الحصول على الرعاية الصحية. والمرافق التي لا تزال تعمل مُثقَلة بسيل من المرضى الملتمسين للرعاية، وأكثرهم من النازحين داخليًّا.
وقد تحققت منظمة الصحة العالمية من وقوع 60 هجومًا على مرافق الرعاية الصحية منذ بداية الحرب، وهو ما أسفر عن 34 حالة وفاة و45 إصابة.
وتعرَّض أكثر من 42% من جميع سكان البلد إلى مستويات مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي الحاد، ويعاني 3.4 ملايين طفل (أيْ طفل من كل 7 أطفال) دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد، ويعاني أكثر من 690 ألف طفل من سوء التغذية الوخيم.
ويتمثل أحد أكبر شواغلنا في سرعة انتشار فاشية الكوليرا. فمنذ الإعلان عن فاشية كوليرا في القضارف في 26 أيلول/ سبتمبر، أبلغت 7 ولايات عن حالات مشتبه في إصابتها بالكوليرا. كما يجري الإبلاغ عن حالات حمى الضنك، والحصبة، والملاريا في جميع أنحاء البلد.
ويثير الوضع في دارفور قلقنا العميق. فقد أدى تصاعد وتيرة العنف، والنزوح القسري، وانتشار العنف القائم على نوع الجنس على نطاق واسع، وقلة فرص توصيل المساعدات إلى بلوغ الاحتياجات الإنسانية حدًّا لا يمكن تصوره. إذ تفيد التقارير بأنه يتعذر الوصول إلى العديد من المستشفيات، وبأن انعدام الأمن يحول دون إيصال المساعدات الإنسانية بأمان. ومن ثم، فإننا نعكف على توسيع نطاق مساعدتنا عبر الحدود من تشاد إلى دارفور، حيث خصصت منظمة الصحة العالمية هذا الأسبوع 2.5 مليون دولار من مواردنا المالية لدعم هذه الأنشطة. ولكننا نحتاج إلى دعم جهاتنا المانحة لضمان استجابة إنسانية مستدامة وموثوقة.
إن منظمة الصحة العالمية تقف إلى جانب شعب السودان، وستواصل أداء دورها على الرغم من التحديات الهائلة. ونعمل بنشاط على التنسيق مع الشركاء، وإنشاء عيادات متنقلة، وتعزيز الترصُّد، وتوزيع الأدوية الأساسية. وندعم حاليًّا حملة للتطعيم بلقاح الكوليرا الفموي في ولايتي القضارف والجزيرة، تستهدف تلقيح أكثر من 2.2 مليون شخص ممن تبلغ سنهم عامًا واحدًا أو أكثر.
إن إقليمنا -الذي ابتُلي منذ مدة طويلة ببعض من أكبر حالات الطوارئ في العالم- يحتاج إلى السلام وإلى دعم لا ينقطع. وبصفتنا منظمة إنسانية، ندعو جميع الزعماء السياسيين والأطراف المتحاربة إلى وقف إزهاق الأرواح وإنهاء معاناة المدنيين الأبرياء. وندعو القادة السياسيين في العالم إلى المناداة بتحقيق ذلك. فقد تأخرت بُلدان العالم بالفعل في التضامن معًا من أجل تحقيق المنفعة العامة.