22 آذار/ مارس 2024 - في إطار حرص منظمة الصحة العالمية، ممثلةً في مكتبها الإقليمي لشرق المتوسط، على أداء دورها في الإقليم، زرتُ محافظة العريش في مصر، وذهبتُ إلى معبر رفح الحدودي، إذ التقيتُ نائب محافظ شمال سيناء، اللواء الغندور، وكبار المسؤولين من جمعيتَي الهلال الأحمر المصري والهلال الأحمر الفلسطيني، وغيرهم من الشركاء في المجال الصحي الذين يعملون في الاستجابة الصحية لأزمة غزة.
ومصر، كما هي عادتها دائمًا، تؤدي دورًا رئيسيًّا -منذ تصاعد الأعمال العدائية على الأرض الفلسطينية المحتلة- في تذليل الصعوبات وإزالة العقبات أمام إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة عن طريق معبر رفح، إضافة إلى ما توفره من رعاية صحية وعلاج -بالمجان- لجميع المرضى الذين أُجْلُوا من القطاع.
ومما شاهدته هناك هو تلك الأعداد الكبيرة من الشاحنات المحمَّلة بالمساعدات الإنسانية، والتي لم تدخل بعد إلى غزة. وقد أفادني بعض الزملاء من جمعية الهلال الأحمر المصري أن لديهم 1500 شاحنة جاهزة للعبور، ناهيك عن 1000 شاحنة أخرى جاهزة للتفتيش منذ أيام عدة، ولكن إجراءات التفتيش الطويلة والمعقدة وتلك المعايير المتغيرة للقبول أو الرفض، التي وضعتها السلطات الإسرائيلية، كثيرًا ما تعطِّل تدفق هذه المساعدات إلى غزة.
وفي زيارتي تلك، زرت مستودع الهلال الأحمر المصري، الذي أُنشئَ ليستقبل المساعدات الإنسانية من 43 بلدًا في إطار استجابتهم لأزمة غزة. وهذه التبرعات جاءت لتخفف من معاناة سكان غزة، ففيها مواد أساسية لحياة الناس، مثل أجهزة تنقية المياه والمطهرات، ومعدات طبية متطورة، مثل حاضنات الحديثي الولادة، وغيرها من المساعدة المهمة. ومع ذلك، رُفضت كميات كبيرة من تلك التبرعات، لسبب أو لآخر، على الرغم من احتياج الناس الشديد لها.
وقد حرصت الحكومة المصرية على استقبال المرضى القادمين من غزة لأسباب طبية، ومساعدة النازحين كذلك، فزادت الطاقة الاستيعابية لحوالي 83 مستشفى في 17 محافظة في جميع أنحاء الجمهورية، ومنها محافظة شمال سيناء.
وعندما ذهبت إلى مستشفى العريش العام، الذي استقبل 85 مريضًا من غزة، رأيت هناك رجالًا ونساء وأطفالًا يعانون من إصابات شديدة جراء الحرب، مثل الحروق والكسور والرضوض في أماكن مختلفة من الجسم. والتقيت شابة عمرها 18 سنة، ظلت تنتظر العلاج من كسر في ساقها ثلاثة أشهر كاملة، وأمًّا صغيرة السن معها توءمان ولدا في غزة في أثناء الحرب، أحدهما ينتظر الآن أن تجرى له في مصر جراحة عاجلة في القلب. وقابلت أيضًا سيدة وابنتها، وكلتاهما تعاني من إصابات شديدة، وقد أخبرتني الأم أنها فقدت زوجها وشقيقها في الحرب، وهي الآن ترجو الشفاء لابنها الصغير الموجود حاليًّا في العناية المركزة، إذ إنه يعاني من إصابات في الجمجمة.
وقابلت مسنِّين لديهم أمراض مزمنة، وقد عجزوا قبل خروجهم من غزة عن الحصول على أدويتهم عدة أسابيع، وهم الآن يعانون من آثار ذلك، مثل مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. ووجدت هناك أيضًا خمسة مرضى مصابين بأنواع مختلفة من مرض السرطان، وقد حُرموا ما يلزم من الرعاية والمتابعة لأسابيع في أثناء انتظارهم على الحدود للعبور إلى مصر
وفي أثناء زيارتي، أخبرني العاملون الصحيون من مصر، الذين يتولون رعاية المرضى، أن حوالي 65% من الحالات كانت من النساء والأطفال، وأن معظم الحالات هي نتاج إصابات الحرب، ورغم ذلك، فأعداد المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة، ويحالون إلى المرافق الصحية في مصر، تزيد يومًا بعد يوم.
وهذا دليل على أن سكان غزة، من المقيمين فيها والنازحين منها، بحاجة ماسة إلى العلاجات بجميع أنواعها سواء للأمراض الورمية أو غيرها من الأمراض المزمنة.
ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ما فتئت منظمة الصحة العالمية تساعد مصر في تعزيز نظامها الصحي لاستيعاب المرضى الوافدين من غزة، مع عدم المساس بفرص المصريين في حصولهم على الرعاية الصحية اللازمة. ولذا، وفرت المنظمة أدوية ومستلزمات طبية تزيد قيمتها على مليون دولار أمريكي، وذلك لزيادة الطاقة الاستيعابية لمستشفيات الإحالة في خمس محافظات، هي شمال سيناء والإسماعيلية وبورسعيد والسويس والقاهرة. ومن هذه الإمدادات لوازم علاج الإصابات المختلفة، وإمدادات الدم، وعقاقير التخدير والمعدات الطبية، ولوازم التعقيم الصحي.
ولم تكتفِ المنظمة بما سبق، بل إنها دربت ما يقرب من 300 عامل صحي مصري في تخصصات مختلفة، مثل إدارة حالات الطوارئ والمعايير الوطنية لنقل الدم. وشارك الهلال الأحمر المصري كذلك في تدريب 200 متطوع صحي إضافي، وذلك لزيادة نطاق الاستفادة من الخدمات الصحية المجتمعية للذين جرى إجلاؤهم مع أُسرهم. وتعمل المنظمة مع وزارة الصحة المصرية، والهلال الأحمر المصري، وباقي الشركاء، على توسيع نطاق خدمات الصحة النفسية والدعم النفسي لهؤلاء الأشخاص، الذين يعانون أيضًا من آثار نفسية سببتها لهم تلك الحرب.
وهذا الدعم الذي تقدمه مصر والشركاء في مجال الصحة يعبر عن مدى التضامن والتعاون الذي فرضه الواقع الحالي أكثر من أي وقت مضى. وستظل منظمة الصحة العالمية ملتزمة -على جميع المستويات- بأن تقدم لمصر الدعم اللازم في إطار جهودها للعناية بالنازحين، مع مراعاة أن في غزة آلافًا من مرضى الحالات الحرجة يحتاجون حاليًّا إلى إجلاء فوري وتأمين دخول مصر بأمان، أو إلى أي دولة أخرى لديها القدرة على المساعدة والعلاج.
وختامًا يؤسفني أن أقول إن انتشار الجوع الشديد والمرض في جميع أنحاء غزة قد وصل إلى مستويات كارثية، ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أكرر ما نادت به منظمة الصحة العالمية من قبل، من دعوة لضمان استمرار وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع وداخله، بلا تأخير أو عوائق. وأؤكد مرة أخرى أن الحل الوحيد الذي يمكنه إنهاء معاناة سكان غزة، اليومَ وعلى الأمد الطويل، هو وقف إطلاق النار وتحقيق سلام دائم وشامل.