الزَّمِيلَاتُ وَالزُّمَلَاءُ الْأَعِزَّاءُ،
طَابَتْ أَوْقَاتُكُمْ بِكُلِّ خَيْرٍ،
كَانَتْ زِيَارَتِي الْأَخِيرَةُ إِلَى دُبَيّ بِالْإِمَارَاتِ الْعَرَبِيَّةِ الْمُتَّحِدَةِ، حَيْثُ زُرْتُ هُنَاكَ مَرْكَزَ الْإِمْدَادَاتِ اللُّوجِسْتِيَّةِ التَّابِعَ لِمُنَظَّمَةِ الصِّحَّةِ الْعَالَمِيَّةِ، وَشَاهَدْتُ فِي أَثْنَاءِ زِيَارَتِي فَرِيقَ الْمُنَظَّمَةِ وَهُمْ يُعِدُّونَ إِمْدَادَاتٍ صِحِّيَّةً لِنَقْلِهَا جَوًّا إِلَى لُبْنَانَ وَالسُّودَانِ. وَسَعِدْتُ بِنَجَاحِ هَذَا الْمَرْكَزِ فِي تَوْسِيعِ نِطَاقِ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّعَامُلِ مَعَ الطَّلَبِ الْمُتَزَايِدِ عَلَى الْإِمْدَادَاتِ الصِّحِّيَّةِ الطَّارِئَةِ. فَقَدْ أَكْمَلَ الْفَرِيقُ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ رِحْلَةً جَوِّيَّةً خِلَالَ النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَا الْعَامِ لِتَوْصِيلِ الْإِمْدَادَاتِ إِلَى أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ دَوْلَةً فِي جَمِيعِ أَقَالِيمِ الْمُنَظَّمَةِ السِّتَّةِ، مُقَارَنَةً بِخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ رِحْلَةً فِي عَامِ أَلْفَيْنِ وَثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ بِأَكْمَلِهِ. وَنِيَابَةً عَنْ مُنَظَّمَةِ الصِّحَّةِ الْعَالَمِيَّةِ أَوَدُّ أَنْ أَشْكُرَ حُكُومَةَ الْإِمَارَاتِ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي دَعَمَتْ وَيَسَّرَتْ عَمَلِيَّاتِ النَّقْلِ، بَلْ تَحَمَّلَتْ تَكَالِيفَهَا أَحْيَانًا.
وَتَوْسِيعُ سِلْسِلَةِ إِمْدَادَاتِنَا الصِّحِّيَّةِ هُوَ إِحْدَى مُبَادَرَاتِي الرَّئِيسِيَّةِ الثَّلَاثِ الَّتِي طَرَحْتُهَا بَعْدَ أَنْ تَوَلَّيْتُ مَنْصِبِي، وَذَلِكَ لِزِيَادَةِ إِتَاحَةِ الْأَدْوِيَةِ وَالْإِمْدَادَاتِ الصِّحِّيَّةِ الْمُنْقِذَةِ لِلْحَيَاةِ. وَإِنَّنَا مَا زِلْنَا نُوَاجِهُ تَحَدِّيَاتٍ تَحُدُّ مِنِ اسْتِجَابَتِنَا لِحَالَاتِ الطَّوَارِئِ الْإِنْسَانِيَّةِ فِي إِقْلِيمِ شَرْقِ الْمُتَوَسِّطِ.
أَوَّلُ هَذِهِ التَّحَدِّيَاتِ هُوَ الْقُيُودُ الْمَفْرُوضَةُ عَلَى وُصُولِ الْمُسَاعَدَاتِ وَالْعَامِلِينَ فِي الْمَجَالِ الْإِنْسَانِيِّ.
فِي ظِلِّ مَا تُقَاسِيهِ غَزَّةُ مِنْ أَوَامِرِ الْإِخْلَاءِ الَّتِي صَدَرَتْ مُؤَخَّرًا، وَاسْتِمْرَارِ الْأَعْمَالِ الْعَدَائِيَّةِ، تُعَانِي الْمَرَافِقُ الصِّحِّيَّةُ الْعَامِلَةُ وَسَيَّارَاتُ الْإِسْعَافِ نَقْصًا هَائِلًا فِي الْوَقُودِ وَالْإِمْدَادَاتِ. فَخِلَالَ شَهْرٍ مَضَى، لَمْ يُسْمَحْ إِلَّا لِسِتَّ عَشْرَةَ شَاحِنَةً تَابِعَةً لِمُنَظَّمَةِ الصِّحَّةِ الْعَالَمِيَّةِ بِدُخُولِ غَزَّةَ عَبْرَ مَعْبَرِ كَرَمِ أَبُو سَالِمٍ. وَمَا زَالَ نَقْلُ الْمُسَاعَدَاتِ إِلَى غَزَّةَ يُوَاجِهُ عَقَبَاتٍ كَثِيرَةً، بِسَبَبِ اسْتِمْرَارِ الْأَعْمَالِ الْعَدَائِيَّةِ، وَالطُّرُقِ الْمُتَضَرِّرَةِ وَالْمُدَمَّرَةِ، وَانْعِدَامِ الْأَمْنِ، وَالْقُيُودِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَى دُخُولِ الشَّاحِنَاتِ.
فَفِي مِصْرَ، تَقِفُ فِي الْعَرِيشِ أَرْبَعٌ وَأَرْبَعُونَ شَاحِنَةً لِمُنَظَّمَةِ الصِّحَّةِ الْعَالَمِيَّةِ مُحَمَّلَةً بِالْإِمْدَادَاتِ الصِّحِّيَّةِ، وَأَرْبَعُونَ شَاحِنَةً فِي الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، تَنْتَظِرُ فَتْحَ مَعْبَرِ رَفَحَ لِلدُّخُولِ، نَاهِيكُمْ عَنْ شَاحِنَاتٍ تَابِعَةٍ لِجِهَاتٍ إِنْسَانِيَّةٍ أُخْرَى. وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْأَوْلَوِيَّةُ الْفَوْرِيَّةُ لِفَتْحِ مَعْبَرِ رَفَحَ عَلَى الْأَمَدِ الطَّوِيلِ، لِضَمَانِ التَّدَفُّقِ الْوَاسِعِ وَغَيْرِ الْمُقَيَّدِ لِلْمُسَاعَدَاتِ الَّتِي تَشْتَدُّ إِلَيْهَا الْحَاجَةُ، وَوُصُولِ الْمُسَاعَدَاتِ دُونَ قُيُودٍ أَوْ عَوَائِقَ عَبْرَ جَمِيعِ الطُّرُقِ وَالْمَعَابِرِ الْمُتَاحَةِ.
وَمَا زَالَ مُوَظَّفُو الْمُنَظَّمَةِ وَشُرَكَاؤُهَا فِي غَزَّةَ يُوَاجِهُونَ تَحَدِّيَاتٍ كَبِيرَةً فِي الْوُصُولِ إِلَى الْمَرَافِقِ الصِّحِّيَّةِ، وَكَذَلِكَ قَوَافِلُ الْمُسَاعَدَاتِ الَّتِي قُيِّدَتْ حَرَكَتُهَا أَوْ مُنِعَتْ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى وِجْهَتِهَا. فَالْعَامِلُونَ فِي مَجَالَيِ الصِّحَّةِ وَالْإِغَاثَةِ يُعَانُونَ أَشَدَّ الْمُعَانَاةِ وَهُمْ يُحَاوِلُونَ عِلَاجَ الْمَرْضَى بِمَوَارِدَ شَحِيحَةٍ، الْأَمْرُ الَّذِي أَدَّى إِلَى الْتِهَابِ الْجُرُوحِ، وَعَمَلِيَّاتِ بَتْرِ الْأَعْضَاءِ، بَلْ أَدَّى إِلَى حَالَاتِ وَفَاةٍ، كَانَ مِنَ الْمُمْكِنِ تَجَنُّبُهَا لَوْ تَوَفَّرَتِ الْمَوَارِدُ الطِّبِّيَّةُ اللَّازِمَةُ لِلْعِلَاجِ. وَلَا أَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ مِمَّا حَدَثَ مِنْ رَفْضٍ لِلطَّلَبَاتِ الْمُقَدَّمَةِ بِالسَّمَاحِ بِدُخُولِ بَعْثَاتٍ لِتَقْدِيمِ إِمْدَادَاتٍ طِبِّيَّةٍ إِلَى الْمُسْتَشْفَى الْأَهْلِيِّ وَمُسْتَشْفَى أَصْدِقَاءِ الْمَرِيضِ.
وَالْأَمْرُ فِي السُّودَانِ لَا يَخْتَلِفُ عَنْ غَزَّةَ، فَالنَّاسُ فِي دَارْفُورَ وَكُرْدُفَانَ وَالْخُرْطُومِ وَالْجَزِيرَةِ مَحْرُومُونَ فِعْلِيًّا مِنَ الْمُسَاعَدَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ، خَاصَّةً فِي دَارْفُورَ وَالْفَاشِرِ، فَهُنَاكَ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَانِمِائَةِ أَلْفِ شَخْصٍ مَحْرُومِينَ مِنَ الْحُصُولِ عَلَى الْغِذَاءِ وَالرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ وَالْمُسْتَلْزَمَاتِ الطِّبِّيَّةِ.
وَقَدْ أُرْسِلَتْ إِلَى تَشَادَ بَعْثَةٌ رَفِيعَةُ الْمُسْتَوَى مِنْ خُبَرَاءَ فِي إِقْلِيمَيِ الْمُنَظَّمَةِ لِشَرْقِ الْمُتَوَسِّطِ وَأَفْرِيقِيَا، وَذَلِكَ لِتَقْيِيمِ الِاحْتِيَاجَاتِ الصِّحِّيَّةِ لِلَّاجِئِينَ وَالْمُجْتَمَعَاتِ الْمُسْتَضِيفَةِ لَهُمْ، وَأَيْضًا لِتَحْسِينِ وتَوْسِيعِ نِطَاقِ الْعَمَلِيَّاتِ عَبْرَ الْحُدُودِ لِتَصِلَ إِلَى وِلَايَاتِ دَارْفُورَ الْمُتَضَرِّرَةِ مِنَ النِّزَاعِ، وَخَاصَّةً إِيصَالِ الْإِمْدَادَاتِ الطِّبِّيَّةِ الْعَاجِلَةِ. وَفِي مَطْلَعِ هَذَا الْأُسْبُوعِ، نَجَحَتِ الْمُنَظَّمَةُ -فِي إِطَارِ عَمَلِيَّاتِهَا عَبْرَ الْحُدُودِ- فِي إِيصَالِ إِمْدَادَاتٍ طِبِّيَّةٍ إِلَى شَمَالِ دَارْفُورَ. وَهَذِهِ الْمُسَاعَدَاتُ تُلَبِّي بَعْضَ الِاحْتِيَاجَاتِ الصِّحِّيَّةِ لِمِائَتَيْنِ وَخَمْسَةِ آلَافِ شَخْصٍ. وَمَا زَالَ هُنَاكَ حَاجَةٌ قُصْوَى إِلَى تَوْسِيعِ عَمَلِيَّةِ تَوْصِيلِ الْإِمْدَادَاتِ إِلَى هَذِهِ الْمَنَاطِقِ. وَمَا زِلْنَا نَدْعُو إِلَى فَتْحِ مَعْبَرِ أَدْرِي بَيْنَ تَشَادَ وَدَارْفُورَ، فَسَوْفَ يَكُونُ مُنْقِذًا لِلْحَيَاةِ حَقًّا، وَهُوَ أَكْثَرُ الْمَعَابِرِ مَوْثُوقِيَّةً، عِنْدَمَا تَخْرُجُ الطُّرُقُ الْأُخْرَى عَنِ الْخِدْمَةِ فِي مَوْسِمِ الْأَمْطَارِ.
أَمَّا التَّحَدِّي الثَّانِي فَهُوَ الْهَجَمَاتُ الْمُتَكَرِّرَةُ عَلَى مَرَافِقِ الرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ
مُنْذُ السَّابِعِ مِنْ تِشْرِينَ الْأَوَّلِ/ أُكْتُوبَرَ أَلْفَيْنِ وَثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ، أُبْلِغَ عَنْ أَلْفٍ وَثَلَاثِ هَجَمَاتٍ عَلَى الْمَرَافِقِ الصِّحِّيَّةِ فِي الْأَرْضِ الْفِلَسْطِينِيَّةِ الْمُحْتَلَّةِ، أَيْ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ هَجْمَةٍ فِي مِائَتَيْنِ وَسَبْعَةٍ وَسَبْعِينَ يَوْمًا فَقَطْ.
وَفِي السُّودَانِ، تَحَقَّقَتِ الْمُنَظَّمَةُ مِنْ وُقُوعِ اثْنَتَيْنِ وثَمَانِينَ هَجْمَةً عَلَى مَرَافِقِ الرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ مُنْذُ بِدَايَةِ الْأَعْمَالِ الْعَدَائِيَّةِ فِي نِيسَانَ/ أَبْرِيلَ مِنْ عَامِ أَلْفَيْنِ وَثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ، مَعَ الْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الْأَسَابِيعَ السِّتَّةَ الْأَخِيرَةَ وَحْدَهَا قَدْ شَهِدَتْ سَبْعَةَ عَشَرَ هُجُومًا عَلَى هَذِهِ الْمَرَافِقِ.
وَأُكَرِّرُ مَا تُنَادِي بِهِ مُنَظَّمَةُ الصِّحَّةِ الْعَالَمِيَّةِ دَوْمًا مِنْ أَنَّ حِمَايَةَ الرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ أَمْرٌ لَا يَقْبَلُ التَّفَاوُضَ، وَيَنُصُّ عَلَيْهِ الْقَانُونُ الْإِنْسَانِيُّ الدَّوْلِيُّ، الَّذِي لَا يَسْتَثْنِي أَيَّ دَوْلَةٍ عُضْوٍ مِنَ الِالْتِزَامِ بِهِ.
وَأَمَّا التَّحَدِّي الثَّالِثُ فَهُوَ الْوِقَايَةُ مِنْ تَفَشِّي الْأَمْرَاضِ وَالِاسْتِجَابَةُ لَهَا.
فِي غَزَّةَ، أَدَّى تَرَاكُمُ الْقُمَامَةِ فِي الشَّوَارِعِ وَانْتِشَارُ مِيَاهِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ إِلَى تَزَايُدِ حَالَاتِ الْعَدْوَى التَّنَفُّسِيَّةِ الْحَادَّةِ، وَأَمْرَاضِ الْإِسْهَالِ، وَمُتَلَازِمَةِ الْيَرَقَانِ الْحَادَّةِ، وَالْعَدْوَى الْجِلْدِيَّةِ.
وَلَا يَخْتَلِفُ الْحَالُ فِي السُّودَانِ كَذَلِكَ، فَقَدْ وَرَدَتْ تَقَارِيرُ تُفِيدُ بِانْتِشَارِ الْكُولِيرَا وَالْحَصْبَةِ وَالسُّعَالِ الدِّيكِيِّ وَالْمَلَارِيَا وَحُمَّى الضَّنْكِ وَالْتِهَابِ السَّحَايَا فِي وِلَايَاتٍ عِدَّةٍ فِي السُّودَانِ. فَهُنَاكَ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ مَلَايِينِ نَازِحٍ يَعِيشُونَ فِي ظُرُوفٍ بَالِغَةِ الْقَسْوَةِ، وَهُمْ يُعَانُونَ صُعُوبَةَ الْحُصُولِ عَلَى الْمِيَاهِ الْمَأْمُونَةِ وَالنَّظَافَةِ الْعَامَّةِ وَخِدْمَاتِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ وَمُكَافَحَةِ النَّوَاقِلِ وَالتَّمْنِيعِ وَالْأَدْوِيَةِ.
وَفِي الصُّومَالِ، بَلَغَ عَدَدُ حَالَاتِ الْكُولِيرَا وَالْإِسْهَالِ الْمَائِيِّ الْحَادِّ فِي الْأَشْهُرِ السِّتَّةِ الْأُولَى مِنْ عَامِ أَلْفَيْنِ وَأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ ضِعْفَ مُتَوَسِّطِ عَدَدِ الْحَالَاتِ فِي الْأَشْهُرِ السِّتَّةِ الْأُولَى مِنَ السَّنَوَاتِ الثَّلَاثِ الْمَاضِيَةِ. وَفِي الْيَمَنِ، ارْتَفَعَ هَذَا الْعَدَدُ بِنِسْبَةِ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ فِي الْمِائَةِ مُنْذُ هَذَا الْوَقْتِ مِنَ الْعَامِ الْمَاضِي.
إِنَّ زِيَادَةَ الِاسْتِثْمَارَاتِ مِنْ أَجْلِ السَّيْطَرَةِ عَلَى تَفَشِّي الْأَمْرَاضِ وَمَنْعِ انْتِشَارِهَا -دَاخِلَ الْبُلْدَانِ وَعَبْرَ الْحُدُودِ- أَمْرٌ بَالِغُ الْأَهَمِّيَّةِ. وَإِذَا كَانَتِ الْمُجْتَمَعَاتُ فِي حَاجَةٍ إِلَى أَنْظِمَةٍ صِحِّيَّةٍ وَأَنْظِمَةِ تَرَصُّدٍ تَتَمَتَّعُ بِالْحِمَايَةِ وَالْمَوَارِدِ الْجَيِّدَةِ فِي حَالَاتِ الطَّوَارِئِ، فَيَجِبُ أَنْ تَتَمَتَّعَ أَيْضًا بِإِمْكَانِيَّةِ الْوُصُولِ إِلَى مَصَادِرِ مِيَاهٍ آمِنَةٍ وَدَائِمَةٍ، وَخِدْمَاتِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ.
وَالتَّحَدِّي الرَّابِعُ هُوَ أَنَّ تَخْفِيضَ التَّمْوِيلِ الْمُقَدَّمِ مِنَ الْجِهَاتِ الْمَانِحَةِ يُؤَدِّي إِلَى تَكْلِفَةٍ بَشَرِيَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ وَمَأْسَاوِيَّةٍ.
يُعَانِي إِقْلِيمُ شَرْقِ الْمُتَوَسِّطِ حَالَاتِ طَوَارِئَ عَدِيدَةً لَمْ يَعُدِ الْعَالَمُ يُولِيهَا أَيَّ اهْتِمَامٍ. وَأَحَدُ أَسْبَابِ ذَلِكَ -لِلْأَسِفِ الشَّدِيدِ- هُوَ تَزَايُدُ الْحَالَاتِ الطَّارِئَةِ وَالْكَوَارِثِ الَّتِي تَحْدُثُ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْعَالَمِ. نَاهِيكَ عَنْ أَنَّ مَلَايِينَ الْأَشْخَاصِ فِي إِقْلِيمِنَا مَا زَالُوا يُكَابِدُونَ وَيُكَافِحُونَ مِنْ أَجْلِ النَّجَاةِ وَالْبَقَاءِ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ، وَإِنْ كَانَتْ مُعَانَاتُهُمْ بَعِيدَةً عَنِ الْأَنْظَارِ.
فَعَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، أَدَّى انْخِفَاضُ التَّمْوِيلِ الْمُقَدَّمِ مِنَ الْجِهَاتِ الْمَانِحَةِ لِلْمُنَظَّمَةِ إِلَى إِغْلَاقِ ثَلَاثَةِ مُسْتَشْفَيَاتٍ لِلْوِلَادَةِ فِي أَفْغَانِسْتَانَ، مُنْذُ بِدَايَةِ عَامِ أَلْفَيْنِ وَأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ. أَذْكُرُ مِنْهَا مُسْتَشْفًى رَئِيسِيًّا لِلْوِلَادَةِ فِي مُقَاطَعَةِ بَادَاخْشَانَ، كَانَ يُقَدِّمُ خِدْمَاتِهِ إِلَى مَا يُقَارِبُ خَمْسِينَ امْرَأَةً كُلَّ يَوْمٍ.
وَكَانَتِ الْمُنَظَّمَةُ تُقَدِّمُ الدَّعْمَ إِلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ مُسْتَشْفًى فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ أَفْغَانِسْتَانَ فِي عَامِ أَلْفَيْنِ وَثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ. فَاضْطُرَّتْ، بِسَبَبِ نَقْصِ التَّمْوِيلِ، إِلَى خَفْضِ هَذَا الْعَدَدِ إِلَى سِتَّةِ مُسْتَشْفَيَاتٍ فَقَطْ. وَانْخَفَضَ أَيْضًا الدَّعْمُ الْمُقَدَّمُ إِلَى الرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ الْأَوَّلِيَّةِ انْخِفَاضًا كَبِيرًا، مِنْ ثَلَاثِمِائَةٍ وَسَبْعَةَ عَشَرَ مَرْكَزًا لِلرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ الْأَوَّلِيَّةِ فِي عَامِ أَلْفَيْنِ وَثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ إِلَى أَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ مَرْكَزًا فِي عَامِ أَلْفَيْنِ
وَأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ. وَعَلَى الرَّغْمِ مِنَ الدَّعَوَاتِ وَالنِّدَاءَاتِ الْحَثِيثَةِ الَّتِي أَطْلَقَتْهَا الْمُنَظَّمَةُ، فَلَمْ تَتَلَقَّ أَيَّ تَمْوِيلٍ إِضَافِيٍّ لِدَعْمِ الْمُسْتَشْفَيَاتِ وَالرِّعَايَةِ الْأَوَّلِيَّةِ فِي أَفْغَانِسْتَانَ، الْأَمْرُ الَّذِي اضْطَرَّهَا إِلَى تَحْدِيدِ خِدْمَاتٍ مُعَيَّنَةٍ تُقَدِّمُهَا وَأُخْرَى تُوقِفُهَا.
أَمَّا الصُّومَالُ فَهُوَ حَالَةُ الطَّوَارِئِ الصِّحِّيَّةِ الَّتِي عَانَتْ أَشَدَّ نَقْصٍ فِي التَّمْوِيلِ فِي إِقْلِيمِ شَرْقِ الْمُتَوَسِّطِ فِي عَامِ أَلْفَيْنِ وَثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ. فَفِي الصُّومَالِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مَرْفَقًا صِحِّيًّا تَعْتَمِدُ فِي عَمَلِهَا عَلَى الْمُسَاعَدَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَلَكِنَّهَا تُوَاجِهُ خَطَرَ الْإِغْلَاقِ قَرِيبًا نَتِيجَةً لِنَقْصِ التَّمْوِيلِ، الْأَمْرُ الَّذِي سَيَتْرُكُ مِلْيُونًا وَسَبْعَمِائَةَ أَلْفِ شَخْصٍ يُوَاجِهُونَ صُعُوبَةً وَمَحْدُودِيَّةً فِي الْوُصُولِ إِلَى الْخِدْمَاتِ الصِّحِّيَّةِ.
وَأَمَّا فِي سُورِيَا، فَإِنَّ مِائَةً وَثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ مَرْفَقًا صِحِّيًّا سَيُوَاجِهُ خَطَرَ الْإِغْلَاقِ الْكُلِّيِّ أَوِ الْجُزْئِيِّ، إِذَا لَمْ تَجْرِ زِيَادَةُ التَّمْوِيلِ الْحَالِيِّ.
الزَّمِيلَاتُ وَالزُّمَلَاءُ الْأَعِزَّاءُ،
إِنَّ مُوَاجَهَةَ هَذِهِ التَّحَدِّيَاتِ بِفَعَّالِيَّةٍ يَتَطَلَّبُ مِنَ الدُّوَلِ الْأَعْضَاءِ وَالْمُجْتَمَعِ الدَّوْلِيِّ إِعْطَاءَ الْأَوْلَوِيَّةِ لِالْتِزَامَاتِهِمَا الْإِنْسَانِيَّةِ، مِثْلَ ضَمَانِ إِمْكَانِيَّةِ وُصُولِ الْمُسَاعَدَاتِ، وَالْحُصُولِ عَلَيْهَا دُونَ عَوَائِقَ، وَحِمَايَةِ الْعَامِلِينَ الصِّحِّيِّينَ، وَحِمَايَةِ الْبِنْيَةِ التَّحْتِيَّةِ الْحَيَوِيَّةِ لِلصِّحَّةِ الْعَامَّةِ. وَلَقَدْ صَارَتِ الدِّبْلُومَاسِيَّةُ الْإِنْسَانِيَّةُ حَاسِمَةً الْآنَ أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ مَضَى، لِضَمَانِ وَقْفِ إِطْلَاقِ النَّارِ، وَتَأْمِينِ الْمَمَرَّاتِ الْآمِنَةِ لِلْمُسَاعَدَاتِ. وَيَجِبُ أَيْضًا تَوْفِيرُ مَوَارِدَ مَالِيَّةٍ كَافِيَةٍ لِلصِّحَّةِ لِجَمِيعِ النَّاسِ.
إِنَّ جُهُودَنَا الْجَمَاعِيَّةَ يَجِبُ أَنْ تُرَكِّزَ عَلَى إِعَادَةِ بِنَاءِ الْمُجْتَمَعَاتِ الْمَحَلِّيَّةِ وَالنُّظُمِ الصِّحِّيَّةِ، وَتَعْزِيزِ قُدْرَتِهَا عَلَى الصُّمُودِ، لِتَكُونَ أَكْثَرَ جَاهِزِيَّةً وَاسْتِعْدَادًا لِلتَّصَدِّي لِمَا قَدْ يُهَدِّدُهَا مِنْ جَوَائِحَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
وَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْمَلَ بِمَزِيدٍ مِنَ الْجِدِّ لِلْوَفَاءِ بِهَذِهِ الِالْتِزَامَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ، اسْتِنَادًا إِلَى مَبَادِئِ التَّضَامُنِ وَالْإِنْصَافِ، وَذَلِكَ تَمَاشِيًا مَعَ اتِّفَاقِ الْمُنَظَّمَةِ بِشَأْنِ الْجَوَائِحِ، الَّذِي نَحُثُّ الدُّوَلَ الْأَعْضَاءَ عَلَى تَأْيِيدِهِ قَرِيبًا.
وَخِتَامًا، أُؤَكِّدُ مَرَّةً أُخْرَى أَنَّ مَا سَنَتَّخِذُهُ حَالِيًّا مِنْ إِجْرَاءَاتٍ هُوَ مَا سَيُحَدِّدُ قُدْرَتَنَا عَلَى حِمَايَةِ الصِّحَّةِ الْإِقْلِيمِيَّةِ وَالْعَالَمِيَّةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
أَشْكُرُكُمْ جَزِيلَ الشُّكْرِ.