28 أيار/مايو 2021 - عندما يستدعونك إلى المستشفى بعد فوات الأوان لإنقاذ مرضى، كانوا قد شرعوا بالفعل في رحلة الشفاء من مرض أو جراحة، تشعر بالعجز وقلة الحيلة؛ هذا الشعور هو ما حدا بالدكتورة أمل بنت سيف المعنية وزملائها إلى تصدُّر السباق ضد مقاومة مضادات الميكروبات في مراحله الأولى. ومنذ 2015 ولأكثر من 10 سنوات حتى الآن، دعت الدكتورة أمل وزملاؤها إلى تبني استراتيجية وطنية لمكافحة مقاومة مضادات الميكروبات، وأسهموا في وضع هذه الاستراتيجية وتنفيذها.
تقول الدكتورة أمل، مديرة دائرة الوقاية ومكافحة العدوى بوزارة الصحة العُمانية «إذا كنت أخصائيًّا في الأمراض المعدية، ومع تمرُّسك في هذا المجال، لن يكون هناك الكثير الذي يمكنك فِعله للمريض.
وعلينا أن نفعل شيئًا في وقت مبكر، للتصدي لمقاومة مضادات الميكروبات على مستوى متعدد القطاعات، وبطريقة أكثر شمولية حتى نعالج المشكلة من جميع جوانبها. على المستوى الوطني، نعم، لكن لن يجدي ذلك نفعًا من دون التواصل دوليًّا مع جميع الفرق العاملة على الصعيد العالمي لمكافحة مقاومة مضادات الميكروبات».
وتحدث مقاومة مضادات الميكروبات عندما تتغير البكتريا والفيروسات والفطريات والطفيليات مع الوقت، ولم تعد تستجيب للأدوية، وهو ما يزيد من صعوبة علاج حالات العدوى، ويرتفع معه خطر انتشار المرض، والإصابة بالأمراض الوخيمة، والوفاة.
والسبب في مقاومة مضادات الميكروبات هو الإفراط في استخدام الأدوية المضادة للميكروبات، مثل المضادات الحيوية، دون داعٍ؛ الأمر الذي يحدُّ بمرور الوقت من تأثير هذه الأدوية على البكتريا والفيروسات والفطريات والطفيليات التي تستهدفها - وبعدها تنتشر هذه الميكروبات المقاوِمة بسهولة أكبر، مع عدم كفاية خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة العامة، سواء في المواقع السريرية أو مواقع الحياة اليومية.
وفي عام 2016، شرعت الدكتورة أمل في العمل على جبهتين: إذكاء الوعي بمقاومة مضادات الميكروبات وأهمية نظافة الأيدي في مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات، والدعوة إلى ترشيد استخدام مضادات الميكروبات.
إطلاق حملات غسل اليدين والتوعية
قادت الدكتورة أمل، مع زملائها بالمديرية العامة لمراقبة ومكافحة الأمراض بوزارة الصحة، واحدة من أكبر الحملات المعنية بمقاومة مضادات الميكروبات في سلطنة عُمان، وأولت الحملة اهتمامًا خاصًّا بإشراك المجتمع، ووضعت الدكتورة أمل وزملاؤها أيضًا نظامًا لترصُّد مقاومة مضادات الميكروبات على المستوى الوطني (النظام العُماني لترصُّد المقاومة للمضادات الحيوية) الذي يقدم البيانات إلى نظام الترصُّد العالمي لمقاومة مضادات الميكروبات.
الدكتورة أمل تبين دور الوقاية من العدوى ومكافحتها في مكافحة انتشار مقاومة مضادات الميكروبات: الاجتماع الوزاري الوطني الرفيع المستوى لعام 2016 في عُمان، حفل إطلاق الحملة الوطنية "عُمان تحارب مقاومة مضادات الميكروبات". المصدر: الدكتورة أمل المعنية
وقد انطلقت الحملة في أيار/ مايو 2016 بعقْد مؤتمرٍ وطني رفيع المستوى جرى فيه التوقيع على الخطة الاستراتيجية الوطنية لمقاومة مضادات الميكروبات، والمبادئ التوجيهية الوطنية لمضادات الميكروبات، والسياسة الوطنية لترصُّد الكائنات الحية المقاوِمة للأدوية المتعددة، وإطلاقها. وأشرفَ الفريق العامل مع الدكتورة أمل، شهرين كاملين، على الأنشطة والمعارض التي استهدفت المجتمع المحلي والمؤسسات الأكاديمية وقطاع الزراعة وصيد الأسماك والقطاعات الأخرى، الخاصة والحكومية، في جميع محافظات عمان.
وفي إطار الحملة، نُفِّذ مشروع نموذجي لنظافة الأيدي، ظهر فيه القادة السياسيون العمانيون وهم يدعون علنًا إلى نظافة الأيدي باعتبارها استراتيجية رئيسية للوقاية من انتقال العدوى. وبالتوازي مع ذلك، تحدَّث المديرون التنفيذيون والقيادات بالمستشفيات وإدارة التمريض إلى جميع العاملين لتوعيتهم بنظافة الأيدي، ووضعوا خطط الدعم اللازمة.
الدكتورة أمل تشارك في المشروع الوطني «القدوة في نظافة اليدين» في إطار عملها المستمر في مجال الدعوة لنظافة اليدين في المجتمع ومواقع الرعاية الصحية. المصدر: الدكتورة أمل المعنية
وقد انطلق المشروع الوطني لنظافة اليدين، الذي منح دائرة الوقاية ومكافحة الأمراض التي ترأسها الدكتورة أمل الجائزةَ الذهبية بمناسبة اليوم العالمي لسلامة المرضى لعام 2020، في المستشفيات التخصصية، بعدها بدأ فريقها في تنفيذ المشروع في المستشفيات الثانوية ووحدات الرعاية الأولية بالعيادات الخارجية. وشملت الجهود المبذولة لإشراك المجتمع المحلي في الوقاية من العدوى إقامة أنشطة في المدارس ولحجاج بيت الله الحرام المسافرين إلى مكة. وكان لإشراك الطلاب أيضًا أثر جانبي إيجابي في الحد من أمراض الإسهال وعدوى الجهاز التنفسي، خاصة في موسم الأنفلونزا.
تقول الدكتورة أمل: «لا يفكر الناس في مقاومة مضادات الميكروبات، وفي دورهم في الوقاية منها، إلا إذا مرضوا هم أو مرض أحبابُهم. وفي المقابل، يتحرك المهنيون المعنيون بمكافحة العدوى قبل ذلك بكثير».
القضاء على مضادات الميكروبات في مهدها: معالجة الإفراط في استخدام مضادات الميكروبات
يجمع النظام العُماني لترصُّد المقاومة للمضادات الحيوية البيانات من المختبر الوطني، وقطاع الأدوية، والسجلات الطبية الإلكترونية، ما يُمكِّن نظام الرعاية الصحية من استهداف الاستخدام المُفرط للمضادات الحيوية الذي يترتب عليه تكاليف صحية فورية وطويلة الأجل، كذلك يساعد وجود نظام ترصُّد مستمر في رسم مُخطط التقدم، والوقوف على فعالية التدخلات.
فقد لاحظ الفريق، على سبيل المثال، من خلال هذا النظام زيادات كبيرة في استخدام المضادات الحيوية القوية في بعض المستشفيات. وتعود هذه الزيادة إلى اعتقاد بعض الأطباء أنه يتعين عليهم إعطاء هذه المضادات القوية للمرضى الذين لم يُحدد بعدُ تشخيص حالاتهم، قبل اختيار مضاد حيوي أقل قوة، إذا اكتُشفت المشكلة في نهاية المطاف.
ومع ذلك، فالتأخير في تشخيص الحالة، أو صعوبة تشخيصها، يعني استمرار المريض في أخذ مضادات حيوية أقوى فترةً أطول، مع عدم وجود مَن لديه الشجاعة الكافية لخفض المضادات الحيوية جزئيًّا، خوفًا من التداعيات القانونية المحتملة، وهو ما يخلق بيئة مواتية لنمو مسببات الأمراض الأكثر مقاومة.
لهذا السبب، ترى الدكتورة أمل أن التصدي لمقاومة مضادات الميكروبات يتطلب أدوات تشخيص أفضل كثيرًا، إلى جانب اتباع أساليب وعمليات وممارسات وقائية وعلاجية جديدة تتفوق على العامل البشري في الوقاية من العدوى ومكافحتها.
أساسيات القضاء على مقاومة مضادات الميكروبات: تشخيص أفضل وأسرع وعاملون صحيون يتمتعون بالتمكين
قالت الدكتورة أمل: "أدرك، من خبرتي بصفتي طبيبةً سريريةً تصف الأدوية في بعض الأحيان، أنه من الصعب اتخاذ قرار بإعطاء مريض ما مضادات حيوية من عدمه، عندما لا تكون لديك أداة تعرف من خلالها هل يحتاج المريض هذه المضادات أم لا. لذا، ينبغي علينا تمكين المستخدمين النهائيين -الأطباء السريريين وطواقم التمريض- وتزوديهم بأدوات تشخيص أفضل لمعرفة حالة كل مريض في وقت مبكر جدًّا، وبسرعة كبيرة جدًّا".
الدكتورة أمل المعنية عضو في الوفد العُماني، برئاسة معالي الدكتور أحمد بن محمد السعيدي، وزير الصحة، المشارك في المؤتمر الوزاري الثاني بشأن مقاومة مضادات الميكروبات الذي استضافته هولندا (19-20 حزيران/ يونيو 2019 في نوردفيك). المصدر: الدكتورة أمل المعنية
الجائحة تكشف عن ضرورة ملحة جديدة لقضية مقاومة مضادات الميكروبات، ولكنها تضع الأمور في نصابها الصحيح
تقول الدكتورة أمل: "قد تكلف مقاومة مضادات الميكروبات العالَم، في حال عدم التصدي لها، أكثر كثيرًا مما كلفته الجائحة حتى الآن. فقد أدت جائحة كوفيد-19 إلى تفاقم مشكلة مقاومة مضادات الميكروبات من ناحيتين، الأولى: أن التدفق غير المسبوق للمرضى إلى المستشفيات يضيف مزيدًا من التحديات أمام الالتزام بممارسات النظافة العامة، ولا سيما مع ارتداء معدات الوقاية الكاملة. والأخرى: أن معظم البروتوكولات السريرية ترى إعطاء مرضى كوفيد-19 مضادات حيوية واسعة الطيف، تحسبًا لأن تكون الحمى ناجمة عن عدوى بكتيرية ثانوية. ونتيجة لذلك، بدأنا نشهد فاشيات لمقاومة مسببات الأمراض في وحدات علاج مرضى كوفيد-19 في جميع أنحاء العالم".
وأضافت قائلةً: "هناك قلق عالمي من أن يكون كوفيد-19 قد سرَّع من انتشار مقاومة مضادات الميكروبات وظهور مُمرضات مقاومة جديدة".
ومع ذلك، فقد جددت الاستجابة لجائحة كوفيد-19أيضًا قناعتها بقدرة العالم على مواجهة مقاومة مضادات الميكروبات، لو حظيت الإجراءات الوقائية بما تستحقه من اهتمام.
وعقَّبت قائلة: "لقد استثمرنا جميعًا في الاستجابة للجائحة بطرق كبيرة وبسرعة فائقة، وهو ما لم يحدث من قبلُ. وأعتقد أنه ليس من الصعب أن يتحد العالم ويستثمر في إنهاء مقاومة مضادات الميكروبات. ولا أبالغ عندما أقول: إن الوقاية هي حجر الأساس في سلامة أي نظام للرعاية الصحية."
وقالت دكتورة أمل في كلمتها أمام جمعية الصحة العالمية عند تسلمها الجائزة: "أغتنم هذه المناسبة للدعوة إلى إيلاء الأولوية للاستثمار والابتكار في أدوات الوقاية من العدوى، حتى نتمكن من تقليل تأثير العوامل البشرية إلى أدنى حد ممكن، والوقاية من الأزمات الصحية في المستقبل".
كذلك دعت منظمة الصحة العالمية إلى وضع مقاومة مضادات الميكروبات على رأس أولوياتها، باعتبارها خطوة أساسية نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، والحيلولة دون حدوث أسوأ كارثة صحية بسبب جائحة متنامية.
«فلنعمل على تمكين مكافحة العدوى على الصعيد العالمي، وإلزام جميع العاملين في الرعاية الصحية بالحصول على التدريب والاعتماد في مجال الوقاية من العدوى ومكافحتها، والاستثمار في ابتكار أدوات وقاية ورصد أيسر منالًا وأكثر قابلية للاستخدام وأكثر ملاءمة، مع تسريع وتيرة البحث والتطوير في مجال اللقاحات ووسائل التشخيص والعلاج».
وأضافت: "الجراثيم والميكروبات ذكية، وتتغير باستمرار من أجل البقاء، لذا علينا أن نكون أكثر تأهبًا واستعدادًا وتسلحًا بأدوات متقدمة جديدة لمواجهتها".