اسمي الدكتور فارس قاضي، وأعمل حاليًا رئيسًا للمكتب الفرعي للمنظمة في حلب بسوريا. وقد بدأت رحلتي مع العمل الإنساني في التسعينيات من القرن الماضي، عندما تطوعت مع الصليب الأحمر/الهلال الأحمر في عام 1998، ثم انتقلت بعدها إلى مجال المنظمات غير الحكومية الدولية، وبعدها التحقت بالعمل في المنظمة في عام 2013.
علمتني خبرتي في العمل الإنساني لعقدين من الزمان أن النوايا الحسنة وحدها لا تكفي؛ بل يجب أن يصحبها جهد والتزام. وبمجرد تقييم الاحتياجات وتحديد مقدار العجز في توافرها، فإن واجبنا هو عمل ما يلزم للانتقال من مرحلة النوايا إلى أثر في أرض الواقع، وتحويل النوايا إلى جهود حقيقية. ومن أهم أسباب ذلك تحقيق توازن مثالي بين المثالية ومراعاة الاعتبارات العملية.
أؤمن إيمانًا راسخًا بأن الإنسان لديه قدرات هائلة، ومنها قدرات كامنة قد لا يدرك الإنسان تمتعه بها. وبتوفير الفرصة والدعم المناسبين، يمكن بناء خبرات الزملاء في العمل، وهي عنصر له أهمية قصوى في عملنا الإنساني. وأنا أسمي هذا الأسلوب أسلوب "قائد الفريق"، والذي يقوم على تعزيز الثقة المتبادلة بدلًا من القيام بدور المدير التقليدي، ويستلزم التواجد النشط في الميدان، والعمل التعاوني، ومبادرة كل زميل بمساعدة زميله عند الضرورة، والاحتفال بإنجازات الفريق.
والعمل الإنساني يشبه المشي على حبل مشدود، ولهذا يتطلب الكثير من الموهبة والشجاعة لمواجهة التحدي المستمر في تحقيق التوازن بين المسؤوليات. وخلال قيامي بواجبي في الخطوط الأمامية ومواجهة حالات الطوارئ، واجهت لحظات عاطفية مؤثرة؛ فقد توفي أبي بينما كنت في مهمة إجلاء في عام 2016؛ وكنت ضمن فريق مواجهة الأزمات في مخيم للمشردين داخليًا على بعد مئات الكيلومترات من زوجتي عندما تعرضت لإجهاض كاد يودي بحياتها في عام 2018؛ ثم جاء الزلزال هذا العام ولم يكن وقعه أسهل علينا لأننا اضطررنا إلى ترك أطفالنا في مكان آمن ثم الانطلاق سريعًا للبدء في جهود مواجهة الأزمة.
بعيدًا عن العمل، أحب أن ألعب الغميضة مع أولادي. فهذه اللعبة تعلمهم الصبر، فضلًا عن التفكير النقدي، للتوصل إلى أفضل الأماكن للاختباء مع اتباع أساليب مبتكرة للعثور على الشخص المختبئ. ولكنها أكثر من مجرد لعبة في رأيي، فأنا أنظر إليها على أنها وسيلة لتعزيز ارتباطنا ببعض ونحن نستمتع بوقتنا. فهذه اللعبة تزرع في أطفالي الثقة بي لأنهم يعتمدون علي للعثور عليهم دائمًا، كما أني أفوز عادة؛ لأنهم يختبئون في أماكن يسهل علي العثور عليهم فيها حتى أضمهم وأعانقهم. ولكن أطفالي للأسف قد يستمر بحثهم عني بدون تعب لعدة أيام في أثناء انشغالي بجهود مواجهة هذه الأزمة أو تلك!