الدكتورة سحر مقلد: مديرة الإدارة الطبية المسؤولة عن صحة فريق عمل منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط

الحلقة 6

الدكتورة سحر مقلد: مديرة الإدارة الطبية المسؤولة عن صحة فريق عمل منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسطالدكتورة سحر مقلد
مديرة الإدارة الطبية المسؤولة عن صحة فريق عمل منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط

أتشرفُ بقيادة الفريق الطبي المسؤول عن صحة وعافية موظفي منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط. ولقد مثَّل الانضمامُ إلى المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط في عام 2016 فصلًا جديدًا في رحلتي في العمل الإنساني، وهي رحلة تمتد لأكثر من عشرين عامًا من الممارسات الصحية الطبية والمهنية المتنوعة.

ويشهد إقليمُ شرق المتوسط أشكالاً شتى من التحديات، بدءًا من النزاعات المسلحة ووصولاً إلى الكوارث الطبيعية، بالإضافة إلى تفاوتات كبيرة في النُّظُم الصحية. وبحسب القدرات والموارد المتاحة، فإن إجراءً طبيًا يسيرًا وبسيطًا في أحد البلدان قد يكون صعبًا ومعقدًا في بلدٍ آخر. ولقد أسهم هذا التنوعُ في الخدمات الصحية المتاحة للموظفين في الإقليم إسهامًا كبيرًا في تشكيل وعيي الشخصي والمهني بأهمية مهمة منظمة الصحة العالمية.

ونحن العاملون في مجال العمل الإنساني نتعامل مع آلام الآخرين، ومن ثمَّ فإننا في رحلة تعلم مستمرة كل يوم. وقد ألهمتني تفاعلاتي وخبراتي في عملي، سواءً في المكتب الإقليمي أو المكاتب القُطرية، مزيدًا من الصبر والتعاطف، وعمَّقت مهاراتي في سماع الآخرين والإنصات لهم. وبهذا اكتسبت فهمًا أعمق وأشمل لِطَيْفٍ واسعٍ من التجارب الإنسانية والحالات التي لم يسبق لها مثيل.

ولقد استفدت كثيرًا أيضًا من التواصلِ مع مقدمي الخدمات الصحية في جميع أنحاء الإقليم. ومهامي القطرية تتطلب مني زيارة مستشفيات وعيادات ومرافق صحية خاصة من أجل تقييم توفر خدمات صحية موثوق بها يمكن الاعتماد عليها. ولقد منحتني هذه التجربة الفرصة لإنشاء شبكة إقليمية من مقدمي الخدمات الصحية، في عام 2020، لتكون نظامًا لإحالة الموظفين.

وعندما تسببت حالة الطوارئ التي نجمت عن كوفيد-19 في توقف كل شيء فجأة، بدأتُ عيادة للتطبيب عن بُعد من أجل تقديم الاستشارات عبر الإنترنت لفريق العمل. ثم تمكنت لاحقًا من إنشاء هذه الشبكة التي أعتبرها أحد أهم إنجازاتي. ولقد مرَّت عليَّ أوقات كنت أتحدث فيها عبر الهاتف لأعطي نصائح طبية لأحد أفراد عائلة زميل ما، وكنت بدوري أحيلهم إلى أحد المهنيين الصحيين الموثوق بهم في شبكتي. وقد جعلني ذلك أشعر بالارتياح الشديد لأنه كان بمقدوري توجيههم إلى دعمٍ ورعايةٍ أفضل في الوقت الذي كانت الخدمات الصحية فيه محدودة للغاية.

وأما تجربتي الأصعب كطبيبة، فهي عندما يُحال إليَّ مريض في مرحلة متأخرة للغاية من مرضه، عندما لا يكون بالإمكان فعل شيء آخر. فاللحظة التي يدرك فيها الطبيبُ أن ثمة قيودًا وحدودًا لما يمكننا عمله في نهاية المطاف لهي لحظة شديدة الألم والقسوة. ولهذا السبب، أدعو دائمًا إلى تعزيز الصحة، وعمليات الفحص، والفحوصات الدورية.

وأما في السودان، فإن الوضع كان حرجًا للغاية عندما اندلع الصراع في نيسان/ أبريل 2023، حيث كان موظفونا عالقين داخل البلد بينما أخذ العنف في التصاعد. وإن تلك الليالي التي أمضاها بعض من موظفينا على متن حافلة كانت تنقلهم من الخرطوم إلى عدة وجهات خارج منطقة الصراع كانت من أصعب الليالي التي مرت عليّ في السنوات الأخيرة.

ولقد أدركت، من هذا الموقف الخاص، مدى قدرة موظفينا على الصمود، حتى في أصعب الأوقات، وإلى أي مدى قد وحّدهم المسارُ المهني الإنساني للأمم المتحدة، وكيف أثر ذلك في ردود أفعالهم. ولقد كانت قوتهم ظاهرة و معنوياتهم عالية و تفانيهم واضحًا ملحوظًا. وكنت بدوري على اتصالٍ دائمٍ للتأكد من أنهم آمنون وبحالة جيدة طوال الرحلة، وكانوا يشاركوننا صور الصحراء والفجر والغروب. ولقد شعرت، في ذلك اليوم، بالامتنان الشديد للتكنولوجيا التي سمحت لنا بالإبقاء على هذا التواصل.

ولا شك أن الأزمة الحالية في الأرض الفلسطينية المحتلة أحد التحدّيات الأخرى، وكذلك تبعات الصراعات الدائرة على صحة الزملاء، في ضوء ندرة الخدمات الصحية الأساسية، وغياب التدابير الأمنية الكافية، وصعوبات عمليات الإجلاء الطبي.

إنني أشعر بالراحة كثيرًا عندما أرعى نباتاتي، وهذه هدية والدي لي. فلقد دأب على إحضار النباتات لي عندما كنت طفلة، وكنت أعتني بها. والآن، عندما تتسارع وتيرة العمل أو أشعر بالتوتر، فإنني أقضي بعض الوقت مع نباتاتي وعندها أشعر باعتدال مزاجي وهدوء روحي على الفور.

وأحيانًا ما أرى موظفين لا يعتنون بصحتهم البدنية أو النفسية وعافيتهم في أثناء مواجهة تحديات تتعلق بالحياة أو العمل. ولكن يظل علينا أن نحاول تحقيق توازن مقبول بين الحياةِ والعمل، وأن نعتني بأنفسنا لكي نتمكن من رعاية الآخرين.

لذا فإن رسالتي لكل من يقرأ هذه السطور أنه إذا كنت متعبًا أو مرهقًا، فأفصح عن الأمر وعبر عما بك، وقل "أحتاج إلى الراحة" أو "أحتاج إلى المساعدة". ولا تتردد في طلب المساعدة. وسنكون دائمًا على استعداد لتقديم الدعم والعون متى اقتضى الأمر ذلك. ولنتذكر جميعًا أنه لا ضير أبدًا في طلب الدعم والمساعدة.

روابط ذات صلة

الحلقة الأولى 
الحلقة الثانية 
الحلقة الثالثة
الحلقة الرابعة
الحلقة الخامسة
الحلقة السادسة