11 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إن التجمعات الحاشدة، وبرغم كونها مصدرًا للفرحِ والوحدة، يمكن أن تضع ضغوطًا على النُّظُم والموارد الصحية. فعندما يجتمع عشرات الآلاف من الناس في حدث ما، فإن ذلك يمكن أن يشكل بيئة مثالية لانتشار الأمراض، لا سيَّما فاشيات الأمراض.
والمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط بصدد تدشين إطار شامل، للتأكيد على أهمية التأهُّب والاستعداد الاستباقيين للتجمعات الحاشدة، وخاصة في الإقليم. وقد أقرَّت اللجنة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط في دورتها السبعين إطار العمل المتمثل في "تعزيز استعداد الصحة العامة للفعاليات التي تضم تجمعات حاشدة في إقليم شرق المتوسط".
وتتراوح التجمعات الحاشدة في الإقليم بين الحج والعمرة والأربعين والمناسبات الرياضية الكبرى، وغيرها من الفعاليات مثل بطولة كأس العالم فيفا قطر 2022، وإكسبو 2020 دبي، ومؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ في دورتيه السابعة والعشرين والثامنة والعشرين (COP27 وCOP28).
وبرغم التحديات والمخاطر التي تنطوي عليها التجمعات الحاشدة، تتيح هذه الفعاليات أيضًا فرصًا لتحقيق فوائد طويلة الأجل. وقد تشمل هذه الفوائد تطوير نُظُم أقوى للصحة العامة وزيادة وعي المقيمين والزوار بالوقاية من الأمراض.
تعزيز استعداد الصحة العامة للفعاليات التي تشهد تجمُّعات حاشدة في إقليم شرق المتوسط
المخاطر المُحدِقة بالصحة العامة في التجمعات الحاشدة
قد تكون التجمعات الحاشدة أحداثًا مخططًا لها جيدًا أو تجمعات عفوية للبشر، وكلتاهما قد يكون لها تأثير كبير على الصحة العامة.
والحج والعمرة من الأحداث المهمة الـمُقرَّرة، وفيهما يحضر إلى المملكة العربية السعودية سنويًّا 10 ملايين شخص من 182 بلدًا. وهذه التجمعات تُظهِر التفاني والوحدة من جهة، ومن جهة أخرى تحمل مخاطر صحية تُعزى إلى الكثير من العوامل. وتشمل هذه العوامل المخالَطة الوثيقة بين الحشود، والخصائص الديموغرافية للقادمين، وهو ما قد يزيد من خطر الإصابة بالأمراض المُعْدية. وتمثِّل الأمراض المنقولة بالهواء والغذاء والماء خطرًا، شأنها في ذلك شأن العدوى المرتبطة بالصرف الصحي، لا سيَّما أمراض الإسهال. ومثال ذلك أن أمراض الجهاز التنفسي تُمثِّل مشكلة كبيرة في خلال موسم الحج، ويُعزى قاسم كبير من زيارات العيادات الخارجية إليها.
إن الفعاليات الرياضية الكبرى، التي توحِّد الناس من خلال الرياضة، تنطوي على مخاطر صحية هي أيضًا. فعلى سبيل المثال، أُعطيَ خطر فاشيات الأمراض المنقولة بالأغذية أولوية قصوى خلال بطولة كأس العالم فيفا قطر 2022. ولقد اجتذبت تلك الفعاليات 3.4 ملايين زائر حضروا لدعم فِرَقهم، وهذا رقم شديد الضخامة. وعلى المنوال ذاته، وضعت الإمارات استثمارات مكثفة في البنية التحتية والتخطيط الذكي لفعاليات مثل معرض إكسبو 2020 دبي، الذي استقطب أكثر من 24 مليون زائر. وتُظهِر هذه الفعاليات قوة التعاون والتصرف بناءً على أفكار جديدة لحماية صحة جميع المشاركين.
العمل الجماعي من أجل تحسين التأهُّب
إن الإقليم، على تنوُّع ثقافته وفعالياته، لا يواجه مخاطر كثيرة مرتبطة بالصحة فحسب، بل إن نُظُمه الصحية تتفاوت في مستويات قدرتها واستعدادها للاستجابة للتهديدات المحتملة. ويسلط الإطار الشامل لتعزيز الاستعداد للتجمعات الحاشدة الضوء على مدى أهمية الاستعداد، ويقدم أربع نقاط رئيسية بالتفصيل لتحقيق هذا الهدف.
والبلدان والأراضي مدعوة إلى ما يلي:
تعزيز قدراتها في مجال الصحة العامة لتكون أفضل استعدادًا للتجمعات الحاشدة؛
حشْد الدعم السياسي لإنشاء نُظُم تستخدم تقييمات المخاطر لتحديد المجالات التي تحتاج إلى التأهُّب والاستجابة للتجمعات الحاشدة؛
إذكاء الوعي بمخاطر التجمعات الحاشدة، لضمان اتباع نهج يشمل المجتمع بأسره إزاء التأهُّب؛
اتباع النهج الاستراتيجي التدريجي لتنفيذ الإطار.
ويستند هذا الإطار إلى نجاحات حقيقية. وتخطيط المملكة العربية السعودية الدقيق للحج مثال رائع على تعاون المجموعات المتنوعة للحفاظ على سلامة ملايين الناس. وبالمثل، توضح بطولة كأس العالم فيفا قطر 2022، وإكسبو 2020 في دبي، ومؤتمر الأطراف 27 في مصر، كيف يمكن للتخطيط الجيد وتقييمات المخاطر أن تساعد في جعْل الأحداث الواسعة النطاق ممكنة وآمنة، حتى في أثناء جائحة عالمية.
ومع ذلك، لا تزال ثمة تحديات أمامنا. ويمكن أن يساعد تحسين التنسيق وزيادة النظر في المخاطر وتقوية النُّظُم على جعل الأحداث أكثر أمانًا. لذا، لا بد للبلدان والأراضي من وضْع خطط استعداد لعدة أخطار تشمل جميع السيناريوهات الداخلية المحتملة، فضلًا عن آليات وخطط للتعاون عبر الحدود. ولا ريب أن دور المنظمة في تبادل المعلومات وتنسيق الجهود وتعزيز أفضل الممارسات أمر أساسي لضمان نجاح هذه الرحلة نحو تحسين الاستعداد الصحي، وتوفير أمن صحي أفضل.