منذ بداية الصراع في سوريا، حُرِمً المدنيون من الحصول على الخدمات الأساسية والمنقذة للحياة، ومن ضمنها الخدمات الصحية، في مناطق داخل البلد. واعتبارًا من تموز/يوليو عام 2016، بلغ عدد السكان المحتاجين الذين يعيشون في مناطق محاصرة أو يصعب الوصول إليها 5.47 مليون إنسان، منهم 590200 في مناطق محاصرة، وحوالي 4.88 مليون في مناطق يصعب الوصول إليها. وقد ارتفع عدد المحاصرين بمقدار 103500 إنسان منذ كانون الثاني/يناير 2016.
وقد أبلغ، في العديد من المناطق المحاصرة، عن نقص كبير في العاملين الطبيين، وعن حدوث سوء التغذية الحاد. ومنذ الأسبوع الثاني من تموز/يوليو عام 2016، تدهورت الحالة الصحية تدهورًا جسيمًا في الجزء الشرقي المحاصر من مدينة حلب، مع فرض حصار تام على المدينة وعدم وصول المعونات الإنسانية والصحية إليها، وقد تعرض العاملون في الرعاية الصحية والمرافق الصحية لهجمات متكررة. ولم يعد هناك سوى 35 طبيبًا فقط يخدمون أكثر من 250 ألف إنسان في هذا الجزء من المدينة وتوقف نحو 80% من المستشفيات عن العمل أو أصبحت تقدّم عملاً جزئيًا فقط.
وقد أصدر مجلس الأمن للأمم المتحدة سلسلة من القرارات يدعو فيها الأطراف المتنازعة للسماح بوصول المعونات دون عائق إلى جميع المحتاجين، لا سيما في جميع المناطق المحاصرة. وعبرّت هذه القرارات عن القلق من استمرار القيود المفروضة على الرعاية الطبية، وأكدت مجددًا على ضرورة احترام حياد المرافق الطبية، وتيسير مرور العاملين الطبيين بحرية إلى جميع المناطق، وتيسير وصول المعدات والإمدادات الطبية ومن ضمنها المواد الجراحية.
ويعدُّ الحصار الذي تفرضه الأطراف المتصارعة عائقًا رئيسيًا لعمليات منظمة الصحة العالمية في سوريا. ومنذ بداية السنة، مازال هناك 21 طلبًا معلّقًا من أصل 29 طلبًا مقدمًا من منظمة الصحة العالمية للوصول إلى 93 منطقة في 11 محافظة بدون استجابة من السلطات الصحية الوطنية. وحتى عندما يُسمح بالوصول، فإن محاولات منظمة الصحة العالمية وشركائها لتوصيل المعونات يجري عرقلتها وتأخيرها عن عمد، وتُزال الإمدادات الطبية والجراحية روتينيًا من قوافل المعونة.
وبرغم التحديات التي تواجه منظمة الصحة العالمية وشركاءها الصحيين، فقد أُحرِز تقدم في الوصول إلى السكان في المناطق المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها. وبحلول آب/أغسطس 2016، نجحت منظمة الصحة العالمية وشركاؤها في توصيل الأدوية والإمدادت الطبية من داخل سوريا إلى جميع المناطق المحاصرة وعددها 18 منطقة عبر البلاد، وكثير من المناطق كانت محرومة من وصول المساعدات منذ عام 2012. بيد أن 38 قافلة من أصل 52 قافلة لنقل الأدوية والمستلزمات الطبية قد أزال الأمن الوطني منها اللوازم الجراحية الأساسية.
ومن كانون الثاني/يناير حتى آب/أغسطس عام 2016، شاركت منظمة الصحة العالمية في قوافل 52 قافلة مشتركة بين الوكالات وصلت إلى المواقع المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها، وقدمت 200 طن من الإمدادات الطبية والصحية، والتي تكفي لتقديم مليوني علاج طبي*، وهذا يشمل المجموعات الصحية المعيارية، والأدوية المنقذة للحياة لعلاج الأمراض المزمنة، والأدوات والمعدات الطبية.
من خلال 28 بعثة عبر الخط الفاصل للمناطق التي يصعب الوصول إليها، استطاعت منظمة الصحة العالمية توفير 35 ألف علاج إضافي لعلاج الأمراض المزمنة. وقدمت منظمة الصحة العالمية نحو 58% من الأدوية والعلاجات المنقذة للحياة للأشخاص المحتاجين في المناطق المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها خلال الربع الأول من عام 2016 مقارنة بنسبة 30% في العام السابق. ولكن بسبب تدهور الوضع الأمني ميدانيًا ومحدودية وصول القوافل المشتركة بين الوكالات فلم يمكن توصيل سوى 25% من الأدوية والعلاجات خلال الربع الثاني من عام 2016.
وقد وفرت المساعدات التركية عبر الحدود السورية الشمالية الأدوية والإمدادات الطبية الكافية لنحو 950 ألف علاج من كانون الثاني/يناير حتى آب/أغسطس عام 2016، ولأكثر من نصف الولادات في المناطق المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها. وبسبب توقف العمليات عبر الحدود في جنوب سوريا من الأردن في حزيران/يونيو، فقد نفدت الأدوية الأساسية في 16 مرفقًا. وقد أعيد فتح الحدود مؤقتًا في 28 تموز/يوليو، وعندها استطاعت منظمة الصحة العالمية تسهيل وصول شحنة مكونة من 11.7 طن من الأدوية للجنة الإنقاذ الدولية. وقد ساعدت هذه الشحنة في تغطية احتياجات 12 مرفقًا كان لديها نقص في المخزون. وفي آب/أغسطس، نجحت منظمة الصحة العالمية في إيصال 49 مجموعة إمدادات جراحية إلى 25 مرفقًا صحيًا في درعا والقنيطرة. كل مجموعة مجهّزة لدعم 100 تدخل جراحي وعملية جراحية لمدة 10 أيام.
إن استمرار القدرة على الوصول إلى سوريا من الأردن وتركيا أمر هام لضمان إيصال الأدوية واللوازم الأساسية إلى سوريا، فضلا عن تيسير تدريب المهنيين الصحيين في شمال سوريا وجنوبها.
وإن الحفاظ على الوصول إلى سوريا عبر خطوط العبور والمعابر الحدودية دون عوائق هو أمر ضروري أيضا للتقييم المستمر للوضع الصحي في سوريا وقدرة المرافق الصحية على العمل. وهذا مهم وبخاصة في المناطق التي تضررت أو دُمِّرَت فيها المرافق الصحية. ويجب السماح بإحالة الحالات المرضية التي تحتاج إلى رعاية فورية وعلاجات متقدمة من المناطق المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها إلى خارجها، مع ضمان الحفاظ على سلامتهم وأمنهم أثناء عودتهم.
ومن الضروري أيضا تمكين الحصول على أنشطة التمنيع ضد الأمراض التي يمكن توقيها باللقاحات بين الأطفال في المناطق المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها. وأخيراً، فإن توفير الأدوية المنقذة للحياة والإمدادات الطبية الأساسية للناس في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وهي مناطق محاصرة ويصعب الوصول إليها، يُعَدُّ أمرًا ضروريًا لتعزيز الخدمات الصحية في تلك المناطق التي تواجه نقصًا حادًا في المهنيين الطبيين.
ولتحقيق هذه الأهداف، تحتاج منظمة الصحة العالمية، والقطاع الصحي إلى دعم مستمر من جميع الأطراف المعنية وأعضاء الفريق الدولي لدعم سوريا من أجل الوصول إلى حل سياسي للقضية التي تعرقل الجهود الإنسانية الحالية وتعوق تحقيق أكبر إنجاز للسكان المحاصرين والذين يصعب الوصول إليهم.